THU 21 - 8 - 2025
 
Date: Dec 29, 2010
Source: جريدة النهار اللبنانية
 
مصر: مسؤوليات الرئيس والمعارضة

عمرو حمزاوي

 

للمواطن في مصر إن نظر إلى تعامل مؤسسة الحكم والمعارضة مع المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2010 البرلمانية، أن يشعر بإحباط عظيم من جراء عجز الطرفين عن الارتقاء إلى مستوى التحديات المطروحة اليوم على الوطن.


بعد عملية انتخابية شابتها تجاوزات خطيرة ومع مجلس شعب أخرجت منه المعارضة المنظمة وقضى تشكيله الاحادي الطابع على إمكان اضطلاعه بدوره التشريعي والرقابي باستقلالية نسبية عن السلطة التنفيذية وفي ظل عزوف خطير لغالبية المواطنين المصريين عن المشاركة في الانتخابات، تقارب مؤسسة الحكم المشهد السياسي الراهن بنزوع استعلائي وتوجه إقصائي كارثيين. نعم أشار رئيس الجمهورية إلى حدوث "بعض التجاوزات" في العملية الانتخابية وتأسف لمحدودية تمثيل المعارضة الحزبية في المجلس الجديد، إلا أنه سرعان ما قطع بنزاهة الانتخابات وشرعية المجلس وهنأ مرشحي الحزب الوطني على نجاحهم الباهر.


وسبق الحديث الرئاسي وتلاه اعتماد قيادات الحزب الوطني وجموع كتبته في الصحافة الرسمية توصيف نتائج انتخابات 2010 على أنها دليل فوز مستحق لمرشحي الوطني بفضل العمل الجماهيري والتنظيمي للحزب منذ 2005 وفي مواجهة أحزاب وحركات معارضة ضعيفة لم تستعد جيدا للسباق الانتخابي ومن ثم عجزت عن المنافسة.


مثل هذا النزوع الاستعلائي، وكما هو معلوم لكل مواطن مهموم بالشأن العام والسياسي، يتحايل على الحقائق الأربع الأبرز لانتخابات 2010؛ 1) الإجراءات القمعية والقيود التي واجهتها المعارضة الحزبية وغير الحزبية قبل الانتخابات، 2) النواقص الخطيرة للنزاهة والشفافية التي اعترت العملية الانتخابية وبدت معها اللجنة العليا للانتخابات غير قادرة على الإشراف بحيادية على مراحلها المتعاقبة، 3) تعويل مرشحي الحزب الوطني على إمكانات أجهزة الدولة الترغيبية والترهيبية لضمان الفوز في العديد من الدوائر، 4) شيوع العنف وتوظيف المال الانتخابي في بعض الدوائر وتداعياتهما الخطيرة على نتائج الانتخابات.


أما الأسوأ من استعلاء قيادات الوطني، وكذلك من تهافت استخفاف كتبتهم بمعارضة عانت الأمرين من أجل المشاركة في انتخابات غير نزيهة وانتهى الحال بمعظمها إلى المقاطعة والانسحاب، فيتمثل في التوجه الإقصائي المهيمن اليوم على تعاطي مؤسسة الحكم والحزب الوطني مع المعارضة. فإخراج جماعة الإخوان من مجلس الشعب هو عنوان مواجهة كبرى يقودها الحزب الوطني باسم المجتمع وبالنيابة عن القوى المدنية ضد فصيل غير شرعي، وحزب الوفد تحول بعد أن قرر مقاطعة جولة الإعادة والانسحاب من الانتخابات إلى كيان ضعيف يتستر على محدودية شعبيته بالطعن في نزاهة الانتخابات، وأحزاب وحركات المعارضة التي أعلنت مقاطعة الانتخابات قبل إجراءها هي "مجموعات هامشية" و"جماعات للتهريج السياسي"، إلى غير التهريج من أوصاف يعف القلم عن تدوينها ويستسيغ كتبة الحزب الوطني ترديدها في مطبوعاتهم بلا حياء.


والسؤال الآن هو حول ما إذا كانت إدارة شؤون السياسة استنادا إلى الاستعلاء والإقصاء، ومجلس الشعب الجديد يشكل ترجمة مباشرة لفعلهما على الأرض وحصادهما، هي الخيار الراهن لمؤسسة الحكم وإلى أن ينجلي أمر الانتخابات الرئاسية في 2011 وربما إلى ما بعدها؟ وهل تدبر العقلاء بمؤسسة الحكم في مصادر الخطر الكامنة في إخراج المعارضة المنظمة من السلطة التشريعية ومن ثم إبعادها عن السياقات الرسمية بكل ما يرتبه ذلك من أزمة شرعية ومن حالة استقطاب بين الحكم والمعارضة سنخسر جميعا إن استمرت طويلا؟


وهل تعتقد قيادات الحزب الوطني أن الانفراد شبه الكامل بمجلس الشعب وبعد انتخابات كانت محل نقد وتشكيك في مصر واكتسبت سمعة سيئة خارجها سيسهل من مهمة الحزب في إدارة الانتخابات الرئاسية في 2011 على نحو لا يهدد استقرار الحكم ويحظى بشيء من القبول الداخلي والاحترام الخارجي؟ وما هو موقف رئيس الجمهورية من كل هذه التحديات، وهو الطرف الوحيد بمؤسسة الحكم الذي لا زال يحظى بقبول شعبي حقيقي وهو من تأسف على محدودية تمثيل المعارضة في المجلس الجديد ونبه إلى خطورة تدني معدلات مشاركة المواطنين في الانتخابات؟


هل سيطالب الرئيس قيادات الوطني بالتعقل وبالانفتاح على المعارضة، حزبية وغير حزبية، والعودة إلى شكل من أشكال الحوار الوطني حول السياسة وإصلاح مسارها والانتخابات وضماناتها قبل الاستحقاق الرئاسي في خريف 2011 أم سيغلب منطق "خليهم يتسلوا" على فعله، وهو ما لا أتمناه ولا أتوقعه.


أما المعارضة، وبعد أن أضاع عليها وعلى المصريين غياب وحدة قرارها في ما خص مقاطعة الانتخابات أو المشاركة بها فرص التأثير الفعلي على المشهد الانتخابي ودفع بعض أحزابها وحركاتها التي كانت قد قررت المشاركة بعد جولة أولى مؤسفة إلى المقاطعة والانسحاب في سياق تذبذب إستراتيجي وحركي مضر، فتخرج اليوم على الرأي العام المصري وعلى جموع المواطنين بأكثر خصائصها سلبية، الشقاق الداخلي وشخصنته وضعف التنسيق في ما بينها.


وإن كان من المؤكد، وكما أشرت في مقالات سابقة، أن تحديات المشاركة في حياة سياسية تدار في ظل هيمنة واستعلاء مؤسسة الحكم تنتج داخل أحزاب وحركات المعارضة أزمات متواصلة تتعلق بالتنازع حول هوية الخيارات الأفضل من شاكلة: المقاطعة أم المشاركة، الانسحاب أم الاستمرار، التواصل مع مؤسسة الحكم والبحث عن توافقات / مساومات أم تفضيل المعارضة المبدئية والدعوة إلى إصلاحات جذرية، العمل من داخل السياقات الرسمية أم من خارجها، وغيرها؟ إلا أن الثابت أيضا هو أن الشقاق داخل هذه الأحزاب والحركات في مصر، وبغض النظر عن كونه بات بمثابة المسوغ للتعامل الاستخفافي من قبل قيادات الحزب الوطني وكتبتهم مع المعارضة، قد أصبح ظاهرة مرضية ومدعاة لقلق أولئك المواطنين الذين يرون في بعض المعارضين عنوان الأمل في تحول ديموقراطي قريب.


فهل يعتقد الوفديون أن حزبهم يقوى على التفاعل مع المشهد السياسي الذي أفرزته انتخابات 2010 بكل تحدياته في ظل تنازع وخلاف القيادات الحزبية حول كل الخيارات والقرارات، كبيرها وصغيرها؟ ألا يملك البعض داخل الجمعية الوطنية للتغيير من الحصافة والمسؤولية ما يكفي للبعد عن إثارة الخلاف داخلها والترفع عن شخصنة الأمور وإدعاء احتكار الحقيقة المطلقة، وكأن كل طالب تغيير وإصلاح في مصر قد أضحى زعيما سياسيا علينا أن نتعرف على مكنونات ذاته، أو مشروع بطل منقذ يتآمر عليه آخرون وله دون غيره حق الاستئثار بالتأييد الشعبي؟


ولست معنيا هنا بهذا العضو أو ذاك في الجمعية الوطنية (فلهم جميعا مني على المستوى الشخصي بالغ الاحترام والتقدير)، كما أنني لا أرغب في هذا السياق في اختزال أمر الشقاق الداخلي إلى البعض المنتقى من بين أحداث الأيام الأخيرة. فقط أنبه إلى خطورة وسلبية هذه الظاهرة المرضية ودلالاتها بالغة السلبية على الثقافة السياسية لمعارضة لا ترقى بخلافاتها ونزوعها نحو الشخصنة إلى مقام التعامل الجاد مع التحديات المطروحة على الوطن. والامر ذاته ينطبق على الضعف المستمر للتنسيق الإستراتيجي والحركي بين المعارضة، حزبية وغير حزبية، غياب توافقها على أجندة وطنية للمرحلة الراهنة تتجاوز الحديث المعتاد عن العمل المشترك ولا تستهلك الطاقة الجماعية في فرقعات إعلامية قصيرة العمر ومحدودة المضمون (العصيان المدني، البرلمان الموازي، وغيرهما).


الوطن اليوم يمر بلحظة بالغة الدقة وحياتنا السياسية تعاني من أزمة شرعية واستقطاب لا جدال في خطورتهما، وكما ينبغي على مؤسسة الحكم إعادة النظر في خياراتها يتعين على المعارضة التفكير المنظم في كيفية تجاوز الأزمة الراهنة والفرص الفعلية للانفتاح على الحكم في حوار وطني وشروط الأخير والمرجو منه. آن الأوان، وبعد ما يقرب من شهر على إجراء الانتخابات البرلمانية ومع بداية باتت قريبة لعام جديد أرجو من الله أن يحمل لنا جميعا الخير، أن تتجاوز مؤسسة الحكم استعلاءها وتنفتح على المعارضة وأن تستثمر الأخيرة طاقتها في التوافق على أجندة وطنية تحاور بها الحكم وتدعوه من خلالها لإدخال إصلاحات دستورية وسياسية أضحت لازمة وقبل أن يجري بنا قطار 2011 ونجد أنفسنا مجددا بلا خيارات إيجابية أمام انتخابات حاسمة.

 

(باحث مصري في مركز كارنيغي للسلام)  


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved