WED 20 - 8 - 2025
 
Date: Dec 29, 2010
Source: جريدة النهار اللبنانية
 
حال الطوارئ الحقيقية في مصر هي ديموقراطيتها المقموعة

محمد البرادعي      

 

شهدت مصر مجدداً انتخابات مزوّرة وهزلية. فقد تم حشو صناديق الاقتراع، وشراء الأصوات. وتعرّض الأشخاص الذين كانوا يفكّرون في التصويت للمعارضة، للعنف على يد بلطجية محترفين. وقد وثّقت مجموعات حقوق الإنسان جيداً هذه الانتهاكات.
الديموقراطية هي حكماً أكثر من مجرد إجراءات شكلية.


نظرياً تملك مصر دستوراً وقوانين تعكس إرادة شعبها. لكن في الحقيقة، البنود هي خليط يُبقي على القبضة الحديد للنظام الحاكم. يتمتّع الرئيس حسني مبارك بسلطات مطلقة. وليس هناك إشراف قانوني على الموازنة العسكرية. لا يُسمَح لأكثر من خمسة أشخاص بالتجمّع لتنظيم تظاهرة سلمية من دون الحصول على إذن مسبق. وهناك وجود للقوى الأمنية في حرم الجامعات لمنع الطلاب من الانخراط في النشاطات السياسية.


وبموجب تعديل أخير للدستور، أصبح من شبه المستحيل ترشّح فاعل مستقل للرئاسة. يُحظَر على أي مرشح ليس عضواً في حزب مرخَّص رسمياً أن يكون له مركز رئيس أو يجمع الأموال. وغالباً ما يُمنَع الناشطون السياسيون من استئجار أماكن لعقد اجتماعاتهم فيها. في الأشهر الاثنَي عشر التي تلت إطلاق حملتي للإصلاح في مصر، تلقّيت سيلاً من الطلبات لإجراء مقابلات معي، لكن بعد القمع الأخير لوسائل الإعلام، لم تتجرأ أي محطة تلفزيونية محلية تقريباً على إبداء اهتمامها بالتكلّم معي.


نظرياً، تملك مصر العديد من الأحزاب السياسية. أما في الممارسة، فيقتضي إنشاء حزب سياسي الحصول على إذن من لجنة يسيطر عليها الحزب الوطني الديموقراطي، أي الآلة السياسية التي تبقي مبارك في السلطة منذ عام 1981. ويجب أن تكون قد مضت خمس سنوات على وجود أي حزب جديد قبل أن يتمكّن من تقديم مرشّح للرئاسة.


نظرياً، لدى مصر رئيس منتخب. لكن في نصف القرن المنصرم، مرّ على البلاد ثلاثة حكّام فقط. كانت هناك اختلافات في أسلوبهم ورؤيتهم، لكنّهم ترأسوا جميعاً نظاماً سياسياً سلطوياً وقمعياً. ويخضع المجتمع المصري منذ 29 عاماً لـ"حال طوارئ" رهيبة، وهي أداة سمحت للرئيس بتعطيل حمايات أساسية يؤمّنها الدستور واستُخدِمت لاعتقال من يجرؤون على الاعتراض وتعذيبهم، وأحياناً قتلهم.


نظرياً، تملك مصر برلماناً منتخباً بصورة ديموقراطية. أما في الممارسة فثلث أعضاء مجلس الشورى يعيّنهم الرئيس. ومن أصل 508 مقاعد، يشغل نوّاب الحزب الوطني الديموقراطي 440 مقعداً. لا يمثّل البرلمان المصري الشعب بأي طريقة من الطرق. فعلى الرغم من أن حوالى 10 في المئة من المصريين هم مسيحيون أقباط، لا يملك الأقباط سوى ثلاثة مقاعد في مجلس الشعب. وجماعة "الإخوان المسلمين"، هذا التيار الديني الذي نجح في الفوز بعشرين في المئة من المقاعد في الانتخابات النيابية عام 2005، أُبعِدت من الانتخابات في تشرين الثاني الماضي ولم تعد تملك أي مقاعد في البرلمان. وفاز حزب "الوفد"، وهو أكبر حزب ليبرالي، بستة مقاعد فقط. وقد قاطع "الإخوان المسلمون" و"الوفد" جولة الإعادة بسبب التزوير الكبير والموثَّق الذي ارتُكِب خلال جولة التصويت الأولى الشهر الفائت.
نظرياً، تملك مصر نظام محاكم؛ لكن في الواقع غالباً ما يتم تجاهل القرارات القانونية عندما تتعارض مع السياسة الحكومية.


ويستمر النسيج الاقتصادي والاجتماعي المصري في التدهور. فعلى الرغم من تسجيل النمو السنوي في إجمالي الناتج المحلي نسبة 5 إلى 6 في المئة في الأعوام القليلة الماضية، لا ينعكس ذلك تحسناً في حياة المواطنين المصريين. فالثغرة الهائلة بين الأثرياء والفقراء تتسع يومياً. وقد اختفت الطبقة الوسطى. يعيش أكثر من أربعين في المئة من المصريين بأقل من دولارين في اليوم. وحوالى ثلاثين في المئة أمّيون – وهذا مأسوي لحضارة أعطت العالم مكتبة الإسكندرية قبل ما يزيد عن ألفَي عام. وفي القاهرة، المدينة العملاقة التي يفوق عدد سكانها 15 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصف السكان في مدن الصفيح على مقربة من مجتمعات مسيَّجة تضاهي الوفرة والرخاء الموجودين في جنوب كاليفورنيا.


مصر بأمس الحاجة إلى بداية جديدة. الأصوات المعارِضة في تزايد. نأتي من مختلف التوجّهات والمهن ومن مختلف فئات المجتمع والأديان. لكننا نتكلّم بصوت واحد بحثاً عن العدالة الاجتماعية. نطالب بنظام حكم يخضع للمساءلة ويتمتع بالشفافية، مع منظومة مجدية للضوابط والتوازنات. نريد فرصاً اقتصادية لجميع المصريين والحق في العيش بكرامة وحرية. نتنظّم معاً حول التغيير السلمي. وعلى المجتمع الدولي أن يدعم نضالنا من أجل الحرية ويفي بتعهداته الدولية لناحية احترام حقوق الإنسان في مصر. لا يجب الدوس على حقوق الشعب المصري ومقايضتها بوعد مراوغ بالاستقرار.
الاستقرار الزائف الحالي المستند إلى القمع هو قنبلة موقوتة تقترب بشكل خطير من حافة الانفجار. لن يتحقق الاستقرار الدائم في مصر، كما في أي بلد آخر، إلا من خلال الديموقراطية الحقيقية التي تلبّي فعلاً حاجات شعبها بجميع أفراده وتطلّعاته.

"الواشنطن بوست"
ترجمة نسرين ناضر
محمد البرادعي   (المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2005)     


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Inside:
Why Algeria will not go Egypt's way
When revolutionary euphoria subsides: Lessons from Ukraine
A letter from the Cedar Revolution to the Nile Revolution
Mubarak, save Egypt and leave
Barack Obama sees Egypt, but remembers Indonesia
Just changing generals is not freedom
Egypt’s Youth are Responsible for Defending their Revolution from Those who Would Climb upon It
Can Lebanon kill its own tribunal?
Egypt's future in Egyptian hands
Social media are connecting Arab youths and politicians
The Mediterranean between sunny skies and clouds of pessimism
For the West, act of contrition time
Why Arabs have airbrushed Lebanon out
The Tunisian experience is likely to mean evolution in Morocco
Can Egypt's military become platform for political change?
Lost generations haunt Arab rulers
Democracy: not just for Americans
For better or worse, Arab history is on the move
The Middle East's freedom train has just left the station
Mubarak's only option is to go
Ben Ali's ouster was the start, and Mubarak will follow
Is this a Gdansk moment for the Arabs?
Tunisia may be a democratic beacon, but Islamists will profit
The Arabs' future is young and restless
Egypt's battle requires focus
Arab rulers' only option is reform
Exhilarating Arab revolts, but what comes afterward?
Hezbollah enters uncharted territory
Resisting change fans the flames
To participate or not to participate?
choice decisive for Lebanon
Lebanon typifies Arab political poverty
Between Tunisia’s Uprising and Lebanon’s Tribunal
Lebanon, Between Partnership and Unilateralism
What might Hezbollah face once the trial begins?
In Lebanon, echoes of the Iraq crisis
Is Hezbollah's eye mainly on Syria?
Egypt's Copt crisis is one of democracy
The thrill and consequences of Tunisia for the Arab region
Three Arab models are worth watching
Tunisia riots offer warning to Arab governments
Tunisia has a lesson to teach
Time for Lebanese to re-think stances
Amid stalemate, let negotiations begin!
North Africa at a tipping point
The Options Available When Faced with the Failure of Arab Governments
Latifa and Others
Troubling trends in this Arab new year
The past Lebanese decade
Beyond the STL
Yet another Arab president for life
An independent Egyptian Web site gives women a voice
Fight the roots of extremism
Fractures prevail as Arabs cap 2010
Truth about injustice will help reduce Muslim radicalization
Christian flight would spell the end for the Arab world
Defining success in the Lebanon tribunal
60% of the Lebanese and 40% of Shiites Support the Choice of Justice
Without remedy, Lebanon faces abyss
The Saudi succession will affect a broad circle of countries
The Arab world faces a silent feminist revolution
The canard of regime change in Syria
Egypt faces a legitimacy crisis following flawed elections
Lebanon: Reform starts with politicians
Human Rights: Three priorities for Lebanon
What's changed?
Monitoring in the dark
Myths about America
Lessons from the fringes
On campus, not all get to vote
'Your credit is due to expire'!
Blood for democracy
Lebanon can solve its own problems
The Janus-like nature of Arab elections
Social Structural Limitations for Democratization in the Arab World
Jordan’s Public Forums Initiative
Islamic Historic Roots of the Term
Copyright 2025 . All rights reserved