MON 21 - 10 - 2024
 
Date: May 4, 2011
Source: arabdemocracy.com
"الشعب السوري واحد " - داليا عبيد

لم يشأ الشعب السوري البقاء بعيداً عما أصاب أو يصيب المنطقة من تحولات ولم يَرْضَ أن يبقى مكتوف الأيدي عن إعادة رسم تاريخ جديد للعالم العربي. فانتفض هذا الشعب مثلما انتفض قبله الشعب التونسي، مطلق الشرارة الأولى في عام 2011 ومن بعده الشعب المصري والليبي واليمني والبحريني. دمر السوريون الشجعان مملكة الصمت بعد عقود من الإذلال والخوف والبطش والحرمان وإتباع نظام البعث سياسة التدجين ، سياسة أسفرت عن تجذر الرعب في أنفس السوريين مقيمين في الداخل أو مغتربين في الخارج لدرجة السكوت التام أمام استشراء الفساد والتمييز بين المواطنين واستخدام السلطة القمعية واستمرار الأحكام العرفية وارتكاب المجازر في المدن السورية ومثابرة النظام الجاهدة على الاعتقالات السياسية وإلغاء لكل الحريات العامة والخاصة والسعي الى ترسيخ كل أساليب انتهاك حقوق الشعب السوري المخالف لشرعة حقوق الإنسان خلال أكثر من نصف قرن.


لكن سوريا اليوم ليست كما سوريا الأمس، فقد تحولت طرقاتها وشوارعها وحاراتها وأزقتها وبيوتها إلى مساحات نابضة بدماء التحرر من آداب العبودية . وقد أراد هذا الشعب الذي يعيش حالياً في صلب الحرية الحمراء أن يخرج سوريا من باب الاستثناء وينشلها من غياهب التاريخ ليعيدها إلى داخل السياق العالمي الحالي.


لم يهدأ "نبض" درعا الصامد الذي فتح الجرح على مصراعيه انطلاقا من جنوب الوطن إلى قلبه المنتفض في وجه طغيان البعث. ولم ينبض الشارع السوري وحده في الداخل بل نبضت معه شوارع أجنبية تحتضن مغتربين سوريين هاجروا قسراً أو اختياراً طلباً لعيشة كريمة ضمن إطار ديمقراطيات تعترف تطبيقاً بشرعة حقوق الإنسان. إلى القارتين الأوروبية والأميركية هاجروا، منهم من أتوا للدراسة وبقوا حيث هم ومنهم من هربوا كلاجئين سياسيين بسبب معارضتهم للنظام الحاكم منذ عام 1963 ومنهم من قدموا بطريقة غير شرعية. واعرف الكثير من الذين وصلوا إلى لندن عبر البواخر من "ضيع" اللاذقية وعملوا في العتمة من اجل إرسال الأموال إلى الأهل في ضيعهم الموءودة بأياد قاتلة.


في شوارع باريس شهدت على مظاهرات الجالية السورية التي قررت مع الداخل السوري بأن العودة إلى الوراء مستحيلة.، فنزلوا إلى الشارع نصرة لقضيتهم، نصرة للأمل بالعودة نهائياً إلى أرض وطن لم يولدوا فيه أحراراً ولم يهاجروا منه أحراراً.


لمظاهرات باريس نكهة خاصة ووقفة تأمل استثنائية، ففي السنوات الماضية لطالما دعت المعارضة السورية في العاصمة الفرنسية إلى اعتصامات من اجل إطلاق سراح معتقلي الرأي ومن اجل وقف انتهاك حقوق الإنسان ومن اجل كل الظروف التي تم ذكرها أعلاه والتي لم تتغير , ولكن لم تكن تقتصر هذه النشاطات إلا على حفنة من "يساريين لبنانيين" وعدد قليل من المعارضين السوريين المنفيين حيث تخطى معظمهم عمر الكهولة بالإضافة إلى عدد اكبر من رجال المخابرات المدسوسين وسط الجالية السورية في فرنسا. مما دفع المناضلين السوريين إلى الشعور بعزلة كبرت مع الزمن وهم يصرخون من المهجر ومن داخل ثنايا غرف التعذيب السورية. أما وقد تغيرت المعطيات في المنطقة وفي العالم، فلم يرد السوريون ان تهزمهم العزلة وسط رياح التغيير في العالم العربي، ليتحول صمت الجالية السورية القاسي إلى صيحة غضب مطالبة برحيل السجان. فقد لاحت لمكوناتها تباشير الأمان حين سقط جدار الخوف إلى غير رجعة.


إلى فناء حقوق الإنسان في التروكاديرو الباريسية، وصلت الأعلام السورية وصور الديكتاتور ولافتات تطالب برحيله وبرحيل حاشيته وبالخلاص من المخابرات ولافتات أخرى تريد فتح صفحة جديدة للشعب السوري بكافة طوائفه ومكوناته وبناء دولة حق وقانون. لافتات حملها صبايا وشباب جامعات لم ينقطعوا يوماً عن زيارة سوريا. أتوا ليصرخوا ملأ حناجرهم بأنهم يريدون إسقاط الصمت وفاء للوطن المطعون في عنفوانه. وقد ازدادت أعداد المتظاهرين على مراحل (مع تقدم الوقت) فكلما انتفض بيت جديد في سوريا، ينتفض صوت جديد في باريس ليزيل الغبار عن أوتار حنجرته المتهدجة أمام صرير الزنازين.


لم تكن رؤيتي لتواجد الشباب الكثيف والمتصاعد بالمفاجأة المفرحة الوحيدة بل استمديت سعادتي أيضا من عيون المعارضين السوريين الذين كانوا يستعيدون أحلامهم المسروقة. فلطالما تظاهرت معهم وسط وحدتهم وفي لحظات حزن كانت تجعل مشاركتي فولكلورية لتسجيل موقف في الصبر وانتظار المجهول. في فناء حقوق الإنسان، كان عميد المعارضين السوريين يطير مثل الفراشة موزعاً بيانات الحرية بيديه، يتنقل مزهوا حاضناً عيوننا السعيدة ومثبتاً نظره على هواتفنا التي كانت تنقل الصورة الحية مباشرة من ساحة التروكاديرو إلى الفايسبوك واليوتيوب وعبرهما إلى الداخل السوري والى العالم اجمع.


في فناء حقوق الإنسان، كانت عيون صديقي السوري المنفي زائغة ابتهاجاً. فهو لم يعد يتحدى عيون مدسوسين صاروا قلة وسط الحشود المتزايدة ولم يعد يبحث عنهم كما اعتاد أن يفعل حتى في أوقات تسوقه في شارع الريفولي ولن يعد يفكر أن يفتش مرتبكاً في أرجاء شققنا، كلما أتى لزيارتنا، عن احتمال وجود لأجهزة تنصت وذلك لاعتقاده بان عناصر الأمن السورية قد وصلت حتى إلى مساكن أصدقائه الباريسية.


في فناء حقوق الإنسان، وقف أصدقاء سمير قصير السوريين يتابعون عبر هواتفهم الخلوية أخباراً عن بداية حراك في ساحة الأمويين في الشام. فارتبكت مشاعرهم خلال لحظات مسرعة الخطى. فتراهم يبتسمون، يحزنون، يتنهدون ويشتاقون لرائحة الحرية في عيني رفيقهم الغائب ويتطلعون بشغف إلى أوان الورد الذي حان قطافه في دمشق.


في فناء حقوق الإنسان، ردد سوريون من كل الفئات العمرية ومن مختلف الانتماءات والمشارب صدى الداخل ورفعوا شعاراتهم. صرخوا جميعاً "سلمية سلمية"، هتفوا جميعاً " بدنا دولة مدنية" وشددوا على "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد" وصرخوا "خلص مخابرات" وتابعوا ب" الشعب يريد إسقاط النظام" الذي صار الشعار_الرمز للثورات العربية.


من هناك، من مساحة تنوعهم، بددوا الوهم الطائفي الذي يرسمه النظام، وهم الأغلبية السنية التي تسعى إلى تقويض دعائم حكم علوي ينفي فكرة تسطيره ضمن إطار الأقليات الحاكمة.


من هناك، طالبوا بعدم زرك قضيتهم الحالية ضمن إطار الصراع العربي الإسرائيلي فنضالهم لا يرتبط أدنى ارتباط بنصرة محور على محور بل بالسعي لتدمير قواعد أنظمة تتشابه في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، هذه الأنظمة التي تعمل بخوف على شد حبال رأس النظام القابع في قصر المهاجرين.


من هناك رسموا صورة لنظام مستبد ترتعد لفكرة سقوطه فرائص إسرائيل المرتاحة لوضع حدودها الشمالية مع سوريا بأيد أمينة، وأكدوا انه ليس باستطاعتهم أن يكونوا مقاومين (إن أرادوا) قبل أن يكونوا أحراراً وديمقراطيين.


من هناك، قالوا لا للانتقائيين الجدد في لبنان وغيره الذين يرفعون انتفاضة ويسقطون انتفاضة زميلة، الذين ينددون بإراقة الدماء الشهيدة في بعض البلدان العربية ويصمتون عن دماء يبدو أنهم استرخصوها في مدن سوريا المشتعلة بنيران السلطات.


من هناك، قالوا لا للسلاح (سلمية سلمية)، رفضوا الممانعة التي تعمل ضد دخول سوريا الى الحاضر ومنه الى المستقبل، وفكروا بشهداء الانتفاضة الراحلين بقلوب نازفة فرددوا صدى كلمات نزار قباني:


"ولو فتحتم شراييني بمديتكم


سمعتم في دمي أصوات من راحوا"


ونظروا متأملين الى دمشق وقالوا:


"مزقي يا دمشق خارطة الذل


وقولي للـدهر كُن فيـكون"


 


The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
Syrian army says Israel attacks areas around southern Damascus
Biden says US airstrikes in Syria told Iran: 'Be careful'
Israel and Syria swap prisoners in Russia-mediated deal
Israeli strikes in Syria kill 8 pro-Iran fighters
US to provide additional $720 million for Syria crisis response
Related Articles
Assad losing battle for food security
Seeking justice for Assad’s victims
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Trump on Syria: Knowledge-free foreign policy
Betrayal of Kurds sickens U.S. soldiers
Copyright 2024 . All rights reserved