FRI 29 - 11 - 2024
 
Date: Dec 23, 2018
Source: جريدة الحياة
هل الديموقراطية وسيلة أم غاية؟ - عزمي عاشور
كان وصول ترامب إلى قمة السلطة في أميركا مفاجأة للجميع، لكونه جاء من خارج سياق النخبة والمؤسسات السياسية، إلا أن دروس الاستفادة من هذه التجربة هنا كثيرة، من بينها أن الديموقراطية، بشكلها الحالي في أميركا أو في بريطانيا أو في غيرها من الدول الغربية ما هي إلا وسيلة من بين وسائل أخرى تحقق غاية استقرار ورخاء هذه المجتمعات. ومن ثم يصبح النضال من أجل الديموقراطية في حد ذاتها بمثابة فهم خاطئ من كونها وسيلة للتحول إلى غاية حتى لو جاءت على حساب الاستقرار والرخاء المجتمعي. فالمناظرات التي سبقت الانتخابات الأميركية منذ سنتين وانتخابات الكونغرس الحالية تظهر أن هناك سقفاً للمرشحين، فهم جاءوا ببرامج تعمل في إطار مؤسسات ودستور وقوانين الدولة الأميركية، وبالتالي فمن منهم يستطيع أن يخلق المعادلة بات يحقق الرفاهية والاستقرار للمجتمع من دون الخروج من هذا النطاق المؤسسي، فيصبح من المحرمات التسبب في ضرر لهذه المؤسسات كعملية التهرب من الضرائب عند ترامب أو إساءة استخدام السلطة عند هيلاري كلينتون. فتندهش أن مناظرات كلينتون وترامب السابقة على الانتخابات دارت في معظمها حول السياسة الداخلية وكيفية تخليق فرص عمل ورفع عجلة النمو وتقديم الرعاية الاجتماعية مثل قانون الرعاية الصحية وغيرها. والسياسة الخارجية لم تخرج عن هذا الإطار سواءً في الشرق الأوسط أو في غيرها من مناطق النزاعات حيث أميركا موجودة قوة اقتصادية وعسكرية. وكانت المفارقة أن المرشحين اقتتلا؛ لدرجة التجريح الشخصي والضرب من تحت الحزام. ولم نشهد؛ على رغم ذلك أي اهانة لأي مؤسسة صغرت أو كبرت على المستوى المحلي والفيديرالي ومنها المؤسسة العسكرية أو حتى المحكمة الدستورية ولا للدستور؛ بل قد تتحول سقطة من هنا أو هناك، كتعليق ترامب على ظهور والد الضابط المسلم الذي قتل في العراق، إلى طعنة للمرشح نفسه. وعندما حاول بسوء فهم أن يخلق تمييزاً بين الأميركيين بسبب الديانة أو الهجرة، كانت بمثابة القشة التي قد تقسم ظهره، لكونها ضد المبدأ الذي قامت عليه الدولة الأميركية لجهة التنوع في بوتقة الوطن الواحد. وعلى رغم ذلك؛ قد نجد تنافس حزبين اثنين يتداولان السلطة على مدار عمر ديموقراطية الولايات المتحدة الأميركية؛ أمراً يثير علامة الاستفهام حول معنى الديموقراطية بالفهم المجرد لها في عقولنا نحن. كما أن ظاهرة تداول حكم العائلات بدأت تأخذ مجراها في الحياة الأميركية مع آل بوش، وكادت تنجح مع آل كلينتون، وربما تشهد السنوات المقبلة دخول ميشيل أوباما على الخط نفسه. ذلك يطرح أيضاً علامات استفهام حول المناخ الذي تعمل في ظله الديموقراطية الأميركية. كما أن دور المال أصبح مريباً؛ وهو ما استفز ترامب نفسه بعدما لاحظ المبالغ الطائلة التي أُنفقت على حملة هيلاري كلينتون. وعلى رغم ذلك فإن الممارسة تؤكد أن الديموقراطية هي أفضل الوسائل التي يمكن من خلالها الحفاظ على استقرار وازدهار كيان الدولة. ولكن المشكة عندنا نحن العرب تكمن في أننا نريد تطبيق الديموقراطية بشكلها المثالي المجرد، مع أنها أمر مستحدث مقارنة في الدولة كمفهوم عُرف منذ آلاف السنين. وبالتالي، فإن فكرة الدخول في حرب مع الدولة ككيان جغرافي باسم الديموقراطية تعتبر خطأ كبيراً.

ويمكن القياس على تجربة «الإخوان» في مصر وكيف نظروا إلى الديموقراطية باعتبارها وسيلتهم لبلوغ الحكم. وهذا الأمر تعدى «الإخوان» ليصبح صداعاً في رأس مَن يدعون أنهم يطالبون بالديموقراطية، فمن أجلها يريدون هدم المعبد على مَن فيه، ويدخلون في تحد مضاد مع مؤسسات كالمؤسسة العسكرية مثلاً، التى لم يجرؤ أي مرشح أميركي أن ينالها بسوء في بلده. طبيعي أن تكون مجتمعات هذه المنطقة حقل تجارب وتكون المحصلة فهماً قاصراً للديموقراطية. فالديمقراطية لا تكون في صحراء جرداء ولكن بين بشر يرضخون للقوانين من دون تمييز. هي كوسيلة قد تأتي بمَن يحافظ على الدولة. وهي في عقول مَن يفهمونها كغاية، تفتح الطريق لضياع الأوطان كجغرافيا وبشر.

The views and opinions of authors expressed herein do not necessarily state or reflect those of the Arab Network for the Study of Democracy
 
Readers Comments (0)
Add your comment

Enter the security code below*

 Can't read this? Try Another.
 
Related News
UN calls on Arab world for more solidarity against pandemic
Virus impact could kill over 50,000 children in MENA: UN agencies
Virus cases surpass 200,000 in Gulf states
Mideast economies take massive hit with oil price crash
Trump says US will destroy any Iranian gunboats harassing U.S. ships
Related Articles
Democracy in the digital era
From hope to agony, what's left of the Arab Spring?
Reopening the peace factory
Tackling the inequality pandemic: a new social contract
Global wake-up call
Copyright 2024 . All rights reserved