Date: Sep 22, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
هدف إيران شيعة العراق "الكتلة" وهدف السعوديّة" "كتلتَينْ"! - سركيس نعوم
زيارة السيد مقتدى الصدر إلى لبنان، يُجيب المُتابعون أنفسهم من قرب لتطوّرات الوضع في العراق، ليست مُفاجئة لأصدقائه ومعارفه والجهات الرسميّة اللبنانيّة المعنيّة. ذلك أنّ له أهلاً وأقارب في لبنان وبيتاً لدرجة تجعل الاعتقاد أنّه مُقيم فيه غير مجافٍ للصواب. وتكون زياراته عادة للراحة وللقاءات. في زيارته الأخيرة له لم يلتقِ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله رغم العلاقة الجيّدة بين الإثنين. هل التقى مساعدين له؟ لا أحد يعرف. وأحياناً يزور إيران أي يقيم فيها بضعة أسابيع أو أشهراً. ولا ترتبط زيارته بطبيعة علاقته معها وهي تحالفيّة من حيث المبدأ، لكن تتخللها تباينات تحوّلت في مفاصل معيّنة خلافات. وهو يزور طهران في أوقات التفاهم والتباين. أمّا بالعودة إلى لبنان فإنّ معلومات المُتابعين أنفسهم تشير إلى أن ثقة السيّد الصدر بالسيّد نصرالله كانت كبيرة جدّاً ولا تزال. وظهر ذلك في مراحل تباينه مع طهران، إذ كانت تحصل مناقشات خلافيّة مع مسؤولين فيها حول اقتراحات سياسيّة أو حول تسويات لمشكلات. وعندما كان محاوروه يقولون له نحن على استعداد لنُعطيك ضمان إيران على ما نقترح، كان يردّ: "أعطوني ضمان السيد حسن نصرالله". طبعاً في العراق يقيم الصدر في النجف ويُتابع من هناك الحركة السياسيّة في بلاده التي صار جزءاً أساسيّاً منها. طبعاً أيضاً يبقى الصدر عراقيّاً حقيقيّاً وحليفاً أو بالأحرى صديقاً لإيران. لكنّه حليف أو صديق غير مُجامِل. فهو عرف طبعاً أن زيارته الشهيرة الأولى للمملكة العربيّة السعوديّة قبل أشهر أزعجت القيادة المسؤولة في طهران. فلمّا سئل ربّما منها أو ربّما من حلفاء لها عن أسباب قيامه بها رغم علمه بأن بينها وبين السعوديّة ما صنع الحداد أجاب ومن دون تردّد: "لكي أُغيظ إيران". طبعاً أثار جوابه مناقشة جديّة شُرِحت فيها أسباب الخلاف بين الدولتين وأبرزها حرب المملكة على اليمن، وحصل تساؤل عن موقفه في أثناء الزيارة من ذلك، فأجاب أنه أثار هذا الموضوع مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وبيّن موقفه الذي لا يختلف كثيراً عن الموقف الإيراني وخصوصاً من حرب اليمن.

ماذا يجري في العراق اليوم؟

يُجيب المتابعون أنفسهم أن في العراق كما في المنطقة حلف أميركي – سعودي، وأن ما يجري في العراق اليوم هو صراع إيراني – أميركي وصراع إيراني – سعودي. وقد يكون لوجود دونالد ترامب في سدّة رئاسة أميركا دور في هذا التطوّر السلبي الذي أضاف وسيُضيف الكثير من المشكلات بل من التأزّم في أوضاعه وفي حياة شعبه. أيام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كانت تُدار الأمور في العراق حيث توجد أميركا وإيران بشيء من الحكمة، وربّما سرى ذلك جزئيّاً على العلاقة أو بالأحرى اللّاعلاقة رسميّاً بين واشنطن وطهران. ويعني ذلك قبول واقعي لكل من الدولتين بالوجود العسكري لكلّ منهما في العراق وأيضاً بالقواعد العسكريّة المقامة على أرضه. وقد تمّ التوافق على ذلك على نحو غير مباشر طبعاً عبر طرف ثالث أو أطراف ثالثين. ولم يسمح ذلك بالاحتكاك بين الدولتين وقوّاتهما. وما ساعد في هذا الأمر كان دولة "داعش" أي دولة الخلافة الإسلاميّة القائمة على قسم واسع من جغرافيّة العراق، وكان تحديداً اعتبار الدولتين "العدوّتين" إيران وأميركا هذه الدولة عدوّاً مشتركاً لا بُد من إلحاق الهزيمة به وانهائه. أمّا في عهد الرئيس ترامب فإن كثيراً من الأمور والأوضاع "تلخبطت". فهو في رأي طهران وربّما عواصم إقليميّة ودوليّة عدّة، إنسان غير سويّ وغير حكيم.

وهنا يعود المُتابعون أنفسهم إلى الصراعين الإيراني – الأميركي والسعودي – الإيراني في العراق ليشرحوا الشكل الذي اتّخذاه، فيقولون أن هدف إيران، وخصوصاً قبل الانتخابات النيابيّة في العراق وفي مرحلة اختيار رؤساء الحكومة ومجلس النوّاب والجمهوريّة (هذا الترتيب يعكس أهميّة هذه المواقع الدستوريّة ودورها)، كان إقامة كتلة سياسيّة شيعيّة كبرى أي جمع الشيعة وهم الغالبيّة ديموغرافيّاً في البلاد أحزاباً وزعماء وتيّارات وشخصيّات وعلماء في كتلة نيابيّة واحدة. ومن شأن ذلك جعل قرارها وازناً جدّاً واتجاهاتها. كما من شأنه دفع المكوّنات العراقيّة الأخرى مثل الأكراد والسُنّة العرب إلى التوجّه نحوها من أجل الاتفاق على المواقع المُشار إليها وعلى الحكومة وأعضائها، كما على برنامجها وطريقة عملها والأهداف التي يجب أن تُحقّقها تخفيفاً لأعباء العراقيّين وتقليصاً لمشكلاتهم. وبهذا الرأي الشيعي الواحد الراجح يمكن للاستقرار السياسي الذي افتقده العراق منذ سنوات طويلة جدّاً أن يعود، وأن يُساهم كثيراً في الاستقرار الأمني المُهدّد بانفلات السلاح والمسلّحين، وبعودة مُقاتلي "داعش" و"القاعدة" و"النصرة" أو بعضهم إلى العراق بعد هزيمتهم في سوريا وربّما في إدلب التي يُفترض أن تكون ساحة المعركة الأخيرة معهم، إذا حصلت.

أمّا هدف السعوديّة فكان وربّما لا يزال في رأي المُتابعين أنفسهم تقسيم شيعة العراق "بلوكَيْن" أي نصفين، وبذلك يصبح للسنّة دور أكبر وحصّة أكبر لأن التفاوض سيكون مع الاثنين. طبعاً الصراع لا يزال مستمرّاً. لكن الظواهر وخصوصاً بعد انتخاب رئيس مجلس النوّاب ونائبيه تشير إلى أن كفّة إيران في صراعها "العراقي" مع السعوديّة بدأت ترجح. ولا بُدّ أن يتأكّد ذلك عند اختيار رئيس الحكومة وحتّى رئيس الجمهوريّة.

والثابت حتّى الآن أن الرئيس الحالي للحكومة حيدر العبادي قد خسر، والثابت أيضاً رغم "زئبقيّة" الصدر ومواقف آخرين أن تجمّعاً يضم "فتح" (الحشد الشعبي) (إيران) و"سائرون" (الصدر) وسائل الكتل الشيعيّة سيتكوّن.