Date: Sep 11, 2018
Source: جريدة الحياة
الطائفية والعائلية ... والانتخابات - أسعد تلحمي
يتباهى المجتمع الفلسطيني في إسرائيل بادعائه أنه من أكثر المجتمعات العربية انفتاحاً لجهة ممارسة حرياته السياسية تحت مظلة النظام الديموقراطي، على الرغم من الثقوب في هذا النظام وتفضيله، قانونياً وعملياً، المواطنين اليهود على العرب. لكن المعركة الانتخابية الحالية للسلطات البلدية التي دخلت مرحلتها الأخيرة هذه الأيام تكشف هشاشة هذه الحريات وسوء تطبيقها إلى درجة أنها تهدد نسيج هذا المجتمع.

وفي أوج المعركة التي يقوم بها قادة هذا المجتمع، محلياً ودولياً، ضد قانون أساس: القومية العنصري على إقصائه رسمياً المواطنين العرب وتهميشهم في وطنهم وزجّهم في مكانة متدنية عن اليهود، يقوم العرب أنفسهم بفعل مماثل ضد بعضهم البعض ليؤكدوا أنهم، في ما يتعلق بحرية ديموقراطية أساسية (الانتخاب والترشح)، ما زالوا مجتمعاً قبلياً عائلياً وطائفياً وذكورياً لا يختلف عن سائر المجتمعات العربية التي تئن تحت الوطأة ذاتها.

حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين دارت المعارك الانتخابية المحلية بين مرشحي الحزب الشيوعي و «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، من جهة، ومرشحي المحسوبين على السلطة الإسرائيلية من الجهة الأخرى. الفئة الأولى حرصت على لُحمة المجتمع ومنع شرذمته طائفياً وقبائلياً وعائلياً، فيما سعت الفئة الثانية إلى تعزيز هذه الشرذمة مدعومة من السلطة الإسرائيلية التي ما زالت تسمي الفلسطينيين بطوائفهم، وليس جميعاً كعرب. كل ذلك حتى ظهور «الحركة الإسلامية» التي تبنت خطاباً طائفياً وسياسة اجتماعية محلية تدعم الشرائح الضعيفة مادياً وتؤكد التكافل الاجتماعي، فلاقت التجاوب الكبير لتطيح بالرؤساء الشيوعيين أو المحسوبين على التيار العلماني الوطني من معظم البلدات العربية.

في هذه المعركة الانتخابية، كما في سابقاتها، يخرج المارد الطائفي من القمقم في البلدات المختلطة ذات الانتماءات الدينية المتنوعة، أي حصر الرئاسة بابن الطائفة الأكبر، فيما العائلية تهيمن على البلدات ذات اللون الطائفي الواحد، بمعنى حصر قيادة هذه البلدة بابن العائلة الأكبر، لكن في جميعها يستعرض المجتمع الذكوري عضلاته من خلال تغييب شبه كامل للنساء، سواء في الترشيح أو الاجتماعات الانتخابية، باستثناء حالات نادرة.

نتبجح بمواكبة متطلبات العصر التكنولوجية ونجاهر بأننا نطبقها قبل غيرنا، لكننا حين يفترض أن نمارس حق الانتخاب نعود إلى العصر الذي اعتقدنا أنه بات في حكم الماضي المنتهي. اعتقدنا ذات مرة أننا تجاوزنا الطائفية والحمائلية لكننا نرى اليوم أنها متجذرة في العقول وأنه ما زال هناك من يرويها لتواصل النمو. ليس هذا فحسب، إنما ممارسة العنف الجسدي، والكلامي بطبيعة الحال، لفرض الرأي بالقوة.

لا يعقل أن يعيّر الفلسطينيون في الداخل الدولة العبرية بالتفرقة والتمييز والإقصاء، وفي الآن ذاته يمارسون السياسة ذاتها ضد بعضهم البعض. يطالبون بالمساواة ولا يمارسونها مع بعضهم البعض.

المسألة ليست سهلة أبداً، ولا يجوز توجيه الاتهام فقط إلى الدولة العبرية على نجاحها في تطبيق سياسة فرّق تسد. على المجتمع، أيضاً بأفراده وبمدارسه ومؤسساته الاجتماعية والتربوية، توعية الجيل الناشئ على أهمية الانتماء للإنسان بلا علاقة بديانته ومذهبه وانتمائه العائلي والقبلي.

كذلك على القيادات تحمل المسؤوليات، وتحديداً الحذر في إطلاق مواقف تغذي الطائفية والعائلية الضيقة. كذلك يفترض أن يقوم المثقفون بدورهم الريادي، والعمل الجدي على تطوير الهوية الجمعية، لا الانجرار وراء مطب الطائفية والعائلية والوقوع فيه.