| | Date: Aug 25, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | مشكلة تركيا وإيران وتكريس اللاقرار في لبنان - مروان اسكندر | اذا تجاوزنا القضية الفلسطينية وتفحّصنا المشكلات الرئيسية في الشرق الأوسط، تواجهنا مشكلتان تحتاج كلّ منهما الى وقت غير مُحدّد. واستمرار المشكلتيْن سيؤدّي الى مفاعيل دولية واقليمية ستؤثر سلباً على النمو الاقتصادي في المنطقة، وعلى استقرار معدلات نمو أوروبا التي هي متدنّية وعلى النظام المالي أو ما تبقى منه.
انّ البحث في الأزمة المالية والاقتصادية التي تواجه تركيا، كما تأثيرالعقوبات الأميركية على ايران يكفي لتبيان الأزمة التي تُخيّم على المنطقة وأبعاد الأزمتيْن على النظام العالمي والدور الدولي الذي سيصب لدى روسيا من جهّة ومن بعد الصين التي أصبحت الاقتصاد الأكبر في العالم والأسرع تطويراً لمناهج الادارة الالكترونية، سواء لشؤون ادارة الدولة أو تسويق المنتجات وتأمين وسائل تأمينها لمن يحتاجونها في أقصر وقت وأقلّ كلفة.
حيث أن هذه الأمور أهم بكثير مما يشتكي منه المواطنون في لبنان، لن نعرض المشاكل التي تتآكل صورة الدولة في بلادنا ، فالقطاع العام الذي توسّع ليصبح في حجمه على مستوى 55% من الاقتصاد الوطني لم يتطوّر ادارياً وعلمياً ومنطقياً منذ تقبّلت فئة من حكام لبنان اتفاق القاهرة في أيلول 1969 الذي أطاح باستقلالية الحكم في لبنان والسنوات الأخيرة يمكن وصفها بمحاولة استرداد استقلالية الحكم ولا زال المسعى مستمراً.
أوّل أزمة نبحث في أبعادها هي أزمة تركيا، فهذه الدولة التي علّقت عليها آمال كبيرة بأن تكون في نظامها السياسي والاقتصادي مِثالا لنجاح دولة اسلامية كبرى في مجاراة التطوّرات العالمية ومسابقتها. وقد حققت تركيا قبل السنتيْن الأخيرتيْن معدّلات نموّ بمعدّل 7% سنوياً جعلت منها دولة في صدارة البلدان النامية على مستوى معدلات النمو. فماذا حصل؟
حالياً انخفض سعر صرف الليرة التركية بنسبة 40% هذه السنة وهذا الأمر يؤدّي الى ارتفاع معدّلات التضخّم ومخاوف رجال الأعمال الأتراك والشركات المستثمرة في تركيا. كان بوسع الرئيس التركي اعتماد رفع معدّلات الفوائد لضبط التضخّم وابعاد الضغوط عن القطاع المصرفي.
الأمر الذي حال دون اتخاذ هكذا خطوات يعود الى ازدياد أوتوقراطية الحكم في تركيا وتسليم وزارة المال الى شاب في الثلاثينات، ميزته الأساسية أنه صهر الرئيس وإبعاد كل مُعارض عن تولّي دور أساسي في الحكم حتى لو كان من النواب المنتخبين حديثاً وكمّ أصوات الصحافيين المرموقين وتحكّم فئة قوية حققت ثروات كبيرة خلال السنوات المُنصرمة بملكية الصحافة.
تركيا تشكو من تقلّص الحريات الشخصية ومن السيطرة على وسائل الاعلام ومن حصر القرارات بالرئيس أردوغان وأركان عائلته ومنهم ابنه البكر وصهره وعدد محدود من المؤيدين ودين القطاع الخاص التركي الخارجي يوازي 500 مليار دولار.
تركيا في القرن الحادي والعشرين استقطبت استثمارات لبنانية ملحوظة. فخدمات الهاتف الخليوي أسّسها لبنانيون وكان بنك البحر المتوسط أول بنك لبناني يؤسّس مصرفاً ليعمل على نطاق متوسّع في تركيا ومن ثمّ لحق به بنك عوده الذي بلغ حجم ميزانيته في تركيا نسبة ملحوظة من ميزانيته العامة.
ويُضاف الى هؤلاء استثمارات لبنانيين اختصاصيين في المجمعات البحرية تملكوا أكثر من 3 مجمعات ملحوظة في جنوبي تركيا وأصبح عدد اللبنانيين، الذين حازوا الأعفاء من الفيزا ورسومها، ينصبّون على التمتع بخدمات الترفيه سواء خلال أشهر الصيف في جنوب تركيا أو أشهر الربيع والخريف في اسطنبول وأزمير وغيرها من المدن التركية.
لبنان الذي شهد رحلات سياحية الى تركيا هذه السنة بلغ عدد المستفيدين منها الـ250 ألف لبناني ولبنانية. ولبنان الذي استمرّ يعاني من توقف الاستثمار الى لبنان وتراجع صادراته الخ... استطاع المحافظة على سعر صرف عملته لأن البنك المركزي بقي مستقلاً في ابتكار سياسات تثبيت سعر صرف الليرة رغم جميع التوقعات السوداوية.
وهذا الفارق ما بين تركيا حيث أكّد صهر أردوغان، وزير ماليتها، أنّ البنك المركزي لا سلطة له على قرارات معدلات الفائدة وتوجّهات سقوف الاقتراض واجهت تحديات استجلبت مساعدات أو وعود مساعدات ملحوظة.
من جهة أولى زار أمير قطر تركيا هذه السنة وأعلن مساندة قطر لتركيا وحاجاتها مما يساوي 15 مليار دولار وهذا التوجه يمكن ربطه بالنزاع القائم بين قطر والسعودية والامارات. كما التزام تركيا تأمين 15 ألف جندي مع تجهيزاتهم الكاملة للاسهام في حماية قطر من تعدّيات خارجية.
وللذكر نقول أن القوات الأميركية المتواجدة في قطر والتي يبلغ عددها 10 آلاف اضافة للقوات التركية المُفترض أن يبلغ عددها 15 ألفاً، تصبح هذه القوات الأجنبية أكثر من 10% من سكان قطر الأصليين.
قبل الانتقال من موضوع وأوضاع تركيا لا بدّ من الاشارة الى أن ميركل سارعت الى تبليغ أركان السوق الأوروبية أن مساعدة تركيا وبسرعة ضرورية كي لا تتجمّد المبادرات الأوروبية بعد ما واجهته من تحديات وقرارات ترامب.
ومن أهم هذه قرارات مقاطعة ايران وقطع التعامل مع الشركات الأوروبية الكبرى ان استثمرت في الانتاج في ايران أو باشرت تطوير غاز الشمال في القسم الواقع ضمن المياه الاقليمية الايرانية.
انّ التوجّهات الأميركية والقرارات الهادفة الى تقليص صادرات النفط والغاز الايراني مستقبلاً الى أسواق الهند وكوريا والصين تمثل خرقاً لجميع الاتفاقات التي أنجزت بعد الحرب العالمية الثانية، سواء منها الهادفة لتحرير الاستثمار بين الدول وتحرير أسعار العملات كما التجارة والسياحة والتعاون التقني والتعلمي والثقافي الخ....
انفرادية القرارات الأميركية أصبحت تهدّد ما كان يسمّى بالنظام العالمي المبتكر بعد الحرب العالمية الثانية والذي أسهم في انبعاث أزمة 2009 التي أطاحت بادّعاء ميزات النظام الليبرالي غير المقيّد بشروط تعجيزية مقابل النظام السياسي.
الافادة الكبرى من القرارات الأميركية تجاه ايران هي أنّ الدول النامية وخاصة منها دول الاتحاد الأوروبي أصبحت تتبرّم بالقرارات الأميركية المتسارعة وأصبح هنالك توجّه حقيقي نحو تخفيف الاعتماد على الدولار كعملة عالمية. لكن هذا التوجّه لا يمكن أن يأخذ مجراه كلياً دون استقطاب أزمة مالية لا يمكن تقدير تأثيراتها المستقبلية.
حالياً المستفيد الأكبر من قرارات مقاطعة إيران هي روسيا. فالروس يمكنهم استيراد الغاز من إيران وهنالك خط قائم يتصل بجمهوريات كانت من أعضاء الاتحاد السوفياتي وتجهيزاتها المتصلة بروسيا قائمة.
وبالمقابل روسيا يمكنها تأمين حاجات التصنيع والبضائع الاستراتيجية لإيران مقابل اتفاقات تستند الى أصول المبادلة دون تحديد الأسعار بعملة معيّنة واستيراد الغاز بكميات ملحوظة من إيران الى روسيا يُمكّن روسيا من زيادة صادراتها من الغاز الى تركيا كما مبادلاتها مع تركيا على نطاق أوسع.
لبنان ليس له الا أن ينتظر مساعي روسيا لاحلال سلام متوقع، وان لم يكن مكتملاً في سوريا. وهكذا نتيجة تسمح باعادة غالبية المهجرين الى بلدهم واستعادة امكان التصدير عبر سوريا والى سوريا من دون محظورات وموانع لا ترتبط بواقع حاجات البلديْن. | |
|