| | Date: Aug 24, 2018 | Source: جريدة الحياة | | النظام السوري والأسد... منفصلان أميركياً - سميرة المسالمة | تشدد الولايات المتحدة الأميركية في خطاباتها الأخيرة على الحل السياسي أولاً كمدخل لعملية إعادة الإعمار في سورية، على رغم أنها خلال السنوات السبع الماضية لم تستخدم أي نفوذ حقيقي لإلزام النظام، والجهات الداعمة له على السير باتجاه الحل، الذي ترى مرجعيته القرار الأممي 2254، فهل هذه العودة التي يطرحها فريق ترامب الجديد في سورية تتضمن إعادة إحياء الحديث عن مستقبل الأسد؟ ضمن العملية السياسية التي تقبل بها الإدارة الأميركية؟ وهل هي جزء مرتبط بنيوياً باستمرار النظام كطرف في العملية السياسية، كما تريده إيران ضمانة لمصالحها في سورية، أم أنه الجزء المتحرك في بنية النظام السوري، الذي تفاوض من خلاله موسكو شريكها الأميركي المرتقب في جنيف مع حلفائه الأوروبيين؟ لتكون إزاحته من المشهد وفق عملية دستورية، تقرها الصيغة الجديدة لدستور سورية «المصنع دولياً»، بما يضمن حفظ ماء وجه موسكو، وتحقيق مطالب واشنطن في إحداث الخرق السياسي الذي تراهن عليه إدارة ترامب؟
مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية عودتها الفاعلة، وترتيب أوراقها ووجودها في سورية من خلال طرح أولوياتها، التي لا تختلف فيها مع روسيا في العناوين الكبيرة، وإنما بتفاصيل تنفيذها، ومن خلال الأولويات الثلاث التي أعلنها فريق عمل ترامب الخاص بسورية مؤخراً (جويل روبان نائب مساعد وزير الخارجية، وديفيد شينكر مسؤول الشرق الأوسط وجيمس جيفري)، والتي تتمثل أولاً، في إتمام الحرب على «داعش»، وثانياً، تقويض النفوذ الإيراني، وثالثاً، تفعيل الحل السياسي في جنيف، فإنه يمكن تسجيل بعض الملاحظات منها:
تمثل معظم هذه الأولويات جوهر السياسات المعلنة من الطرفين الأميركي والروسي، إلا أنها تختلف في التفاصيل الدقيقة وتوظيفاتها المستقبلية، التي تمثل مصالح كل دولة على حدة، بدءاً من الحرب على الإرهاب التي تمثله «داعش» أميركياً، بينما تضيف موسكو إليه «جبهة النصرة» بالاسم الصريح، خلافاً لشريكتها تركيا، وبالتأكيد للضغط عليها، إضافة إلى كل من يعارضها في حلولها المقترحة للحل في سورية، سواء من النظام نفسه، حيث تجري القوات الروسية اليوم محاكمات سرية لعناصر في النظام تحت مسميات مختلفة، أو من الفصائل المسلحة وكيانات المعارضة، ومروراً بمفهوم روسيا للحل السياسي الذي يملك أذرعاً عسكرية وسلاح جو يعمل على قصف المدنيين ليل نهار، بهدف تطويعهم وقبولهم الحل السياسي بالإذعان، كما حدث في مناطق خفض التصعيد في كل من حمص وريف دمشق ودرعا.
أما الملاحظة التي لابد منها بما يتعلق بالدور الإيراني في سورية، والذي لا يمكن أن يتجسد ويتمدد داخل سورية، وعلى الحدود مع إسرائيل، إلا بموافقة أميركية وإسرائيلية بداية، لإتمام مهمتها «التدميرية» في المنطقة، باستبدال أولويات الصراع من «صراع الشعوب العربية ضد إسرائيل» لتصبح في ما بينهم، استناداً إلى تبعياتهم الطائفية، وظهر ذلك في كل من لبنان والعراق وسورية واليمن، وإيران تحاول توسيع دائرة الفوضى باتجاهات أبعد، ما استدعى ضرورة إعادة تحجيمها إلى داخل حدودها، ووفق اتفاقيات دولية جديدة، يجري استكمال العمل من أجل اتمامها، من خلال الحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا عليها، وهو يقوض أمان النظام الإيراني داخلياً، ويلزمه الالتفات إلى محيطه الدولي عبر الانصياع إلى المطالب الأميركية الجديدة، وتوظيف دورها لضمان تنفيذ مبادرة السلام التي طرحتها الإدارة الأميركية سابقاً، ويتم تداولها الآن تحت مسمى صفقة القرن، وهو لا يتعارض مع الوعود الروسية وحجم تفاهماتها مع إسرائيل في المنطقة.
وما يمكن الحديث عنه من خلافات أميركية مع روسيا، هو ذاته ما يمكن بحثه ضمن موسوعة التفاهمات المشتركة بينهما، فحيث لا تمانع الإدارة الأميركية بإتاحة المجال واسعاً أمام موسكو لاستنفاذ كامل فرصها، بتطويع أطراف الصراع المحلي السوريين، وتدجينهم ضمن مسار آستانة «العسكري»، ومسار «سوتشي» السياسي، والمختلط مع العسكري، وذلك للقبول بمشاركة النظام السوري (بكامل رموزه والمسؤولين فيه عن سنوات الحرب وجرائمها)، وابتداع حلول جزئية ومنزوعة من سياقها الطبيعي داخل القرارات الأممية، ومنها القرار 2254، فإن الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، التي رفضت أن تكون جزءاً من تلك المسارات، تضع نفسها في الوقت ذاته بمكان المراقب، والمقيّم لأداء روسيا ضمن تلك المسارات، على رغم أنها اتخذت فيها موقع المتفرج حيناً، والحيادي في حين آخر، والداعم بالصمت أحياناً.
أي في المحصلة فإن الخطوات الروسية لم تكن على أرض غير ممهدة أميركياً، سواء بالاتفاقيات المشتركة المعلنة والمستترة، أو بالأبحاث التي كانت تطلعنا عليها المراكز البحثية الأميركية، كخطة مؤسسة راند مثلاً التي أسست لمناطق نفوذ مرحلية في سورية، تقع تحت حكم المجالس المحلية التي تدير عملية إعادة الإعمار، بعيداً من الهيمنة المركزية للحكومة السورية، وترجمها الروس من مناطق آمنة إلى مناطق خفض تصعيد «مؤقتة» خلال عملية قلب موازين القوى في اتفاقيات آستانة، التي تمت برعاية ثلاثية (روسية، تركية، إيرانية)، ومن خلال اتفاقات منفصلة مع كل من الولايات المتحدة الأميركية، والفصائل السورية.
وعلى رغم مشاهد الخلاف المعلن حول مشروع إعادة الإعمار في سورية، بين الطرفين الرئيسين في معادلة الصراع على سورية (الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا)، إلا أن توافقاً ضمنياً يمكن أن يصل إلى حد الشراكة في بناء منظومة عمل بالتوازي، بين ما تسميه روسيا مناطق تحت السيطرة، أي مناطق النظام، وهي في حقيقة الأمر مناطق منزوعة من هيمنة النظام، لمصلحة السيطرة الروسية، والتي تنافسها عليها الهيمنة الإيرانية المستترة بهيئة النظام، ومناطق موازية تسعى الإدارة الأميركية إلى إعادة إعمارها من خلال دعم المجموعات الموالية لها في الشمال والشرق السوري.
وهو ما دعا تركيا إلى الإسراع وربما «التسرع» في الإعلان عن إنشاء حالة توازن مماثلة في عملية إعادة الإعمار من خلال دعوتها مع حليفتها روسيا، كلاً من فرنسا وألمانيا إلى اجتماع رباعي في أنقره، للمساهمة في إعمار مناطق إدلب وريف حلب ومناطق درع الفرات، التي تفرض تركيا وصايتها السياسية والعسكرية عليها، وتبحث مع روسيا ضمانات تحييدها عن أي عمل عسكري يهدد به النظام السوري، مقابل وجود شكلي للنظام في بعض المناطق، وفتح الطريق الرئيسي بين حلب ودمشق، ليكون الاجتماع التمويلي لإعادة الإعمار تحت غطاء «عودة اللاجئين» لحماية أوروبا من الغرق بموجات جديدة منهم، ما استدعى مواجهته المباشرة من الإدارة الأميركية في رسالة منها للغرب وتركيا وروسيا، بإعلانها إعادة الأمور إلى نصابها في العملية السياسية التي ترعاها بنفسها، من حيث تراتبية الحل السياسي أولاً، ثم إعادة الإعمار، وبناء على مسار جنيف المغيب قسرياً، والحاضر شكلياً، في كل مراحل الصراع في سورية وعليها.
* كاتبة سورية
| |
|