| | Date: Aug 19, 2018 | Source: جريدة الحياة | | مصير الاستحقاقات الليبية - محمد بدرالدين زايد | رسائل متناقضة تتواتر في شأن الأزمة الليبية، بعضها إيجابي وأخرى سلبية، وكثير منها غامض. البداية كانت مع تصريحات السفير الإيطالي في ليبيا بأن الانتخابات غير ممكنة كما أنها لن تحقق حلاً للأوضاع المعقدة. وأثار هذا التصريح ردود فعل غاضبة وبخاصة من مجلس النواب. وكان من ردود الفعل المهمة تصريح المشير خليفة حفتر بأن الانتخابات هي الحل، وأنه قد يترشح لتخليص البلاد من الإرهاب، منتقداً مواقف تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين المدعومة من قوى إقليمية. ويذكر أن البعثة الإيطالية حاولت التخفيف من تصريحات رئيسها، بأن القصد هو أن أسئلة كثيرة وصعوبات تحيط بهذه الانتخابات، وهي تبريرات يمكن فهمها في ضوء التجارب الليبية السابقة. ومن ناحية أخرى تزايدت التقارير الإعلامية الغربية عن التنافس الإيطالي الفرنسي، وهي مسألة محاطة بقدر كبير من المبالغة في وزن البلدين معاً وكونهما اللاعبين الرئيسيين في الساحة الليبية. وكان هذا الحديث قد اتسع بعد أن نجح الرئيس الفرنسي ماكرون في استضافة الاجتماع الأممي برئاسة المبعوث الدولي اللبناني غسان سلامة، وبحضور الأطراف الأربعة الليبية الرئيسة: خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري. وتوصل الاجتماع إلى إعلان الاتفاق على خارطة طريق للخروج من الأزمة الليبية تشمل إعداد التعديلات الدستورية اللازمة قبل 28 أيلول (سبتمبر) المقبل ثم عقد الانتخابات في 10 كانون الأول (ديسمبر). وبعدها بدأت تقارير التشكيك الإيطالية سابقة الذكر. ومع تأكيد خصوصية الموقف الإيطالي فإن روما لم تكن الوحيدة المتشككة، فهناك تجربتان سابقتان للانتخابات لم يتم احترامهما، من جانب إيطاليا التي كان لها دور مهم في إرباك الأوراق منذ مؤتمر 2014 الذي حضره رئيس المجلس الانتقالي الليبي المنتهية ولايته، وهو كان ممثل التيارات الإسلامية ولم تحترم أهمية تمثيل ليبيا برئيس وزرائها وحده وهو الذي اختاره المجلس نفسه ولكنه كان يمثل التيار الوطني الليبي الحر.
أياً كان الأمر ومن دون استعادة تفاصيل التعقد الليبي الراهن ودور أطراف أقليمية وغربية ومنها إيطاليا في هذا الصدد، وكيف أطيح حق احترام إرادة الشعب الليبي ممثلة في مجلس النواب الذي فرّ إلى طبرق بإرادته. وسبق أن عرضتُ لكثير من جوانب هذه التطورات ومسؤولية أطراف كقطر وتركيا وأخرى غربية عن هذا الوضع، فضلاً عن المأزق الخطير الذي سبّبه المبعوث الأممي السابق برناردينو ليون في ما سميّ اتفاق الصخيرات. إلا أننا الآن أمام أوضاع لا مخرج منها إلا بانعقاد انتخابات جديدة. نعم هي صعبة لعدم وجود حكومة مركزية تسيطر على البلاد، ولا تستطيع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية ونعني بذلك الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ادعاء قدرتها على توفير ضمانات عقد هذه الانتخابات والأهم القدرة على فرض نتائجها، لأن المشكلة لا تتعلق فقط بالقدرة على إلزام الميليشيات والتيار الذي يوظف الدين في السياسة على احترام النتائج حتى لو واصل الإخفاق في الانتخابات للمرة الثالثة، وإنما وهذا هو الأخطر الأطراف الخارجية التي تواصل محاولات فرض وصايتها على الشعب الليبي.
على أن ما يبعث على الأمل ثقة التيار الوطني الليبي ممثلة في مجلس النواب، وأخيراً تأتي أيضاً تصريحات حفتر لتؤكد استمرار دعم هذا التيار لإعلان باريس المدعوم من الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار يبدو الحديث حتى الآن حول إعداد روما لمؤتمر جديد حول ليبيا في تنافس مع فرنسا، يصطدم بكثير من العقبات، ولستُ متأكداً من أنه سيسفر عن شيء حتى لو تحقق حضور الأطراف كافة. وهو أيضاً أمر غير مؤكد، بخاصة بعد تردد أنباء عن احتمال مقاطعة حفتر لهذا المؤتمر. وأياً كان ما ستسفر عنه المحاولات الإيطالية يظل هذا المقترح أحد الأبعاد المثيرة للتساؤلات والتي تستحق اهتماماً عربياً. ومن الجوانب الأخرى التي تستحق الانتباه في الشأن الليبي، استمرار سمة البطء في المشهد الليبي عموماً، فالتطورات متقطعة، وردود الفعل ليست دوماً سريعة، وجزء من هذا البطء في تقديري يرجع إلى عدم تفرغ الأطراف الخارجية المعنية بليبيا بمتابعة سياساتها سلباً وإيجاباً بسبب حالة السيولة الدولية والإقليمية وتعدد الصراعات وكثرة مجالات الصراع الدولي من ناحية، ومن ناحية أخرى تتيح الجغرافيا الليبية واتساعها، وتطور أنماط الاكتفاء الذاتي في المناطق الليبية المختلفة –الفرصة لاستمرار قدر من الحياة الاعتيادية في المدن والتجمعات السكانية الليبية بصرف النظر عن هذا الصراع– بالإضافة إلى قلة السكان نسبياً، وتفاعلاتهم الخارجية مع دول الجوار العربي بما يقلل من الضغوط عليهم. كما تستمر ظاهرة استمرار التجاهل الإعلامي العربي والدولي نسبياً لما يحدث في ليبيا بسبب حدة الصراعات الأخرى، وبطء التطورات الليبية ما يعطي الوهم للتيارات المتشددة بإمكان استمرارها في ترتيب صفوفها، ومحاولة خلق أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها، وحتى تصور إمكانية تحسين موقفها الانتخابي مستقبلاً.
وكمثال لحالة البطء وضعف التغطية الإعلامية هناك نموذج تصويت مجلس النواب على الترتيبات الدستورية الانتخابية يوم الثلثاء الماضي، والتي ندرت تغطيتها إعلامياً حتى جاءت تصريحات رئيس المجلس عقيلة صالح المتفائلة، التي أشارت إلى توافق المجلس على القانون على أن يحصن بتعديل الإعلان الدستوري في جلسات مقبلة للمجلس، والإشكال أن التعديل الدستوري يتضمن وفقاً لتصريحات عضو المجلس المبروك الخطابي تنظيم الاستفتاء وفق ثلاث دوائر ويشترط حصول كل دائرة على خمسين في المئة زائد واحد، وهو ما يتعارض مع المادة السادسة في الدستور التي تعتبر ليبيا دائرة واحدة. على أن هذه المساجلات كانت غائبة بدرجة كبيرة عن الإعلامين العربي والدولي. وفي المجمل ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من العمل من جانب المجلس لضمان سلامة الإجراءات الدستورية والقانونية، كما يتبلور خلاف حول البدء بالانتخابات أم بالدستور، والأخير محاولة من التيار الإسلامي للتأجيل. وتماشياً مع هذه الصعوبات الدستورية والتحركات الإيطالية، جاءت تلميحات المبعوث الأممي غسان سلامة إلى احتمال تأجيل الانتخابات لتعطي مؤشرات إلى أن فصول التسويات لم تتم بعد. وأخيراً، فإنه أياً كان ما ستسفر عنه هذه التفاعلات، تظل القضية الرئيسة هي عدم السماح بتكرار ما حدث مع مجلس النواب، وضرورة احترام إرادة الشعب الليبي ممثلة في نتائج الانتخابات المقبلة.
* كاتب مصري | |
|