| | Date: Aug 7, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | الاحتجاجات تعيد البصريّين إلى المطالبة بإقليم البصرة - مصطفى سعدون | مع اتّساع رقعة الاحتجاجات في جنوب العراق، وتحديداً في محافظة البصرة، ظهرت من جديد المطالبات بتحويل المحافظة الغنيّة بالنفط إلى إقليم والتي بدأت قبل عقد من الآن، لكنّها لم تصل إلى مراحل متقدّمة.
في 24 تمّوز/يوليو الماضي، أعلن رئيس مجلس محافظة البصرة وكالة وليد الكيطان، عن جمع تواقيع 15 عضواً في الحكومة المحلّيّة لإنشاء إقليم البصرة، فيما أشار إلى أنّ حاجة إنشاء الإقليم في خطوتها الأولى تحتاج إلى 12 توقيعاً.
لكنّ طارق حرب، الخبير القانوني يرى أنّ حملة جمع التواقيع التي كانت في مجلس محافظة البصرة لا قيمة لها، على اعتبار أنّ صلاحية عملها القانونيّ انتهت في حزيران/يونيو2017، لذا لا قيمة قانونيّة لما جمع من تواقيع.
تعتبر البصرة أهمّ محافظة عراقيّة من الناحية الاقتصاديّة، وهي ثالث أكبر محافظة في العراق وتعداد سكّانها فاق المليون ونصف المليون نسمة، حيث ترتبط بموقع جغرافيّ يربطها بالخليج العربيّ وإيران، برّاً وبحراً.
وتوفّر البصرة أكبر نسبة من موازنة العراق الاتّحاديّة، حيث صدّرت الحكومة العراقيّة من خلالها 105 ملايين برميل نفط خلال شهر حزيران/يونيو 2018، وتنتج البصرة يوميّاً مليونين و800 ألف برميل نفط، لكنّها على الرغم من ذلك، تشكو من سوء الخدمات وعدم استفادة المواطن من تلك الثروات وما تنتجه.
إنّ الثروات التي تتمتّع بها البصرة سلاح ذو حدّين، فهي نقطة قوّة لسكّانها المطالبين بإنشاء الإقليم، وضعف أيضاً في منع مطلبهم من التحقّق، فالحكومات العراقيّة لا تريد خسارة أهمّ مورد ماليّ لموازنات العراق الماليّة، لذا ستقف دائماً ضدّ هذا المشروع.
من الناحية الإداريّة، يحتاج إنشاء الإقليم إلى رفع طلب من الحكومة المحلّيّة إلى الحكومة الاتّحاديّة، لترفعه الأخيرة إلى المفوّضيّة العليا المستقلّة للانتخابات التي ستعلن عن استفتاء في المحافظة لمعرفة رأي مواطنيها حول الإقليم من عدمه، أو تصويت 10% من المواطنين البصريّين الذين صوّتوا في آخر انتخابات تشريعيّة أو محلّيّة في البلاد.
إنّ عدم قانونيّة التواقيع التي جمعت في مجلس محافظة البصرة، ربّما ستسهّل الأمر على الحكومة الاتّحاديّة في رفض إجراء الاستفتاء أو استقبال طلب إنشاء الإقليم، وهو ما قد يجعلهم (البصريّين) ينتظرون حتّى انتخابات مجالس المحافظات المقبلة ليقدّموا طلباً جديداً بعد أن يبدأ المجلس أعماله في شكل قانونيّ.
قال الوزير والنائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبد اللطيف خلال مقابلة مع "المونيتور": "إنّ رغبة سكّان البصرة في تحويل محافظتهم إلى إقليم ما زالت قائمة، لكنّها تصطدم بالعقبات الموجودة في الحكومة الاتّحاديّة والتي ترفض الموافقة على إجراء الاستفتاء".
أضاف عبد اللطيف الذي يعتبر أوّل من رفع طلب تحويل البصرة إلى إقليم في عام 2008: "إنّ طلبات الاستفتاء قدّمت 5 مرّات إلى الحكومة الاتّحاديّة منذ عام 2008 وحتّى اللحظة، لكن هناك من يرفض أن تتحوّل المحافظة إلى إقليم".
ويحاول البصريّون اللجوء إلى المحكمة الاتّحاديّة لتحقيق مطلبهم، ويبدو أنّها الخيار الوحيد الذي تبقّى لهم في وجه الحكومة الاتّحاديّة، لذا قدّم النائب السابق عن محافظة البصرة محمّد الطائي في بداية تمّوز/يوليو الماضي شكوى إلى المحكمة الاتّحاديّة لإلزام مجلس الوزراء والمفوّضيّة العليا المستقلّة للانتخابات على الموافقة على إجراء الاستفتاء الشعبيّ في البصرة حول تحويلها إلى إقليم من عدمه.
إنّ الحكومة العراقيّة عبر سعد الحديثي، وهو المتحدّث باسم رئيس الحكومة المنتهية ولايتها حيدر العبادي، لمّحت إلى وجود رفض مسبق لطلب إنشاء إقليم البصرة، عندما قال في تصريح صحافيّ في 25 تمّوز/يوليو الماضي إنّ "أوضاع البصرة في الوقت الحاليّ، قد تكون عاملاً يدفع في اتّجاه التأنّي في طرح مشروع الإقليم".
وعلّق الحديثي خلال مقابلة مع "المونيتور" على تصريحه السابق: "لم يصل حتّى 27 تمّوز/يوليو الماضي أيّ طلب من مجلس محافظة البصرة أو أيّ ممثّل قانونيّ عنه إلى مجلس الوزراء في خصوص طلب إنشاء الإقليم".
وتعزو بسمة السلمي، وهي عضو مجلس محافظة البصرة خلال حديثها إلى "المونيتور" أسباب المطالبة بإنشاء الإقليم إلى "إهمال الحكومة الاتّحادية للبصرة وعدم صرف مستحقّاتها الماليّة التي في ذمّتها ومبلغها 17 مليار دولار تقريباً، إضافة إلى عدم استفادة البصرة من ثرواتها التي تذهب إلى محافظات أخرى".
لكنّ مشروع إنشاء إقليم البصرة مثل غيره من المشاريع التي تواجه رفضاً أو تحفّظاً في الآراء والمواقف، فوزير الاتّصالات في الحكومة الاتّحادية حسن الراشد الذي ينتمي إلى محافظة البصرة يرى أنّ تقديم الخدمات إلى البصرة أولى من مشروعها لتحويلها إلى إقليم، وهذا ما يشير إلى وجود رفض من داخل البصرة لمشروع الإقليم.
يثير ملفّ الأقاليم حساسية العراقيّين كثيراً فهم يربطونه مباشرة بـ"تقسيم" العراق، وهي الفكرة التي روّج لها كثيراً خلال سنوات ما بعد 2003 واستغلّت سياسيّاً، وظهر موقف العراقيّين في ما يخصّ الأقاليم والانفصال خلال أيلول/سبتمبر الماضي عندما أجري استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق.
وينقسم رأي الشارع البصريّ حول إنشاء الإقليم من عدمه، وعلى الرغم من وجود رغبة لدى بعض المواطنين في دعم هذا المشروع، لكن هناك من يرى أهمّيّة أن يتغيّر العقل الإداريّ في المحافظة قبل تحويلها إلى إقليم، بينما يذهب آخرون إلى التحذير من صراع سياسيّ مسلّح على ثروات البصرة إذا ما تحوّلت إلى إقليم.
إنّ كلّ المؤشّرات تأخذنا إلى استحالة تحقيق حلم تحويل محافظة البصرة إلى إقليم، خصوصاً في ظلّ الرفض الحكوميّ والسياسيّ الكبير الذي شهدته السنوات السابقة عندما قدّم من يمثّل البصريّين طلبات إلى الحكومة الاتّحادية ووجهت بالرفض.
قد لا يكون ملفّ تحويل البصرة إلى إقليم ملفّاً داخليّاً عراقيّاً فقط، بل ربّما يتجاوز الحدود ويدفع دولاً قريبة وبعيدة إلى إبداء رأيها الرافض لمثل هكذا مشاريع، ممّا قد يحفّز بعض محافظاتها أو مكوّناتها إلى القيام بخطوات مشابهة.
في الحصيلة، يمكن القول إنّ تجدّد المطالبات بتحويل البصرة إلى إقليم لا يتجاوز الضغط على الحكومة العراقيّة من أجل صرف مخصّصات المحافظة الماليّة وتقديم الخدمات إلى سكّانها.
صحافي عراقي مؤسس ومدير المرصد العراقي لحقوق الانسان. عمل مراسلاً في مجلس النواب العراق | |
|