| | Date: Jul 7, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | اللبنانيون بين مازوشِيَّتَيْن: الوطنية أمس والعنصرية اليوم - جهاد الزين | تهمة اللاوطنية سهلة في لبنان. شكّلت منذ ثلاثين عاما إلى الوراء مادة حرب أهلية. إذن أثبتت فعاليَّتَها السياسيّة الفتّاكة، ورهنت "لبنان الكبير" الصغير بقوى ديناميكيّة داخلية إلى صراعات إقليمية ودولية في المنطقة.
اليوم تظهر تهمة العنصرية كسلاح سياسي. لا أتوقّع لها مستقبلا زاهرا كماضي تهمة اللاوطنية، ولكني أراها علامة جديدة على عدم قدرة اللبنانيين على تجاوز حاجتهم العميقة لعقدة نقص لها تبادليّاتُها بين الطائفيّات التي ازداد خبثها بازدياد تجاربها السياسية والعسكرية.
من العلامات الإيجابية للفارق بين المازوشيّتيْن في حياتنا العامة، الـ(لا) وطنية والعنصرية أن قدرة اللبنانيين على إهمال التهمة الجديدة أكبر بكثير من (عدم) قدرتهم على إهمال التهمة القديمة.تعنيني هنا المازوشية أي تعذيب النفس الجَماعي السياسي. لا السادية التي تتبادلها دول كثيرة مع بعضها البعض أو التي تمارسها سلطات على مواطنيها.
في المازوشية العنصرية والتي تدور حول موضوع النازحين السوريين، وتظهر بين وقت وآخر بمناسبة حماقة يرتكبها مسبح أو مستشفى أو مدرسة ضد جنسية جنوبْ آسيوية، بعض اللبنانيين يعتقدون أنها تهمة - امتياز! فتأتي دفاعاتُهم (أو دفوعاتهم بلغة المحامين) سعيدةً ولو غير مباشرةٍ بتأكيدها.
لكنّ مراقبة مسرح الرصد "العنصري" على التلفزيونات والصحف اللبنانية تدفع دون شك إلى اعتباره شأنا لا يطال النخب السورية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تدخل وتخرج إلى ومن لبنان دون أي مشكلة. بينما الوقائع والفوبيا تتعلقان بنازحي المخيمات الفقراء وهم أنفسهم (وكان أمثالُهم دائما) قاعدة الوظائف الصغيرة في القطاعات العقارية والتجارية والسياحية.
للنزوح السوري في لبنان كما هو معروف اقتصاده الضخم. المساعدات، توزيعها، موظّفوها، مهرّبوها. إذن التهمة العنصرية لها مصالحها. مما يعني أنه بنظر البعض لا بد من عنصريين من الناحية الاقتصادية لتبرير الدفاع ضدها.
طبعا لسنا هنا في وارد رصد التناقض الطبيعي الموجود الآن في كل بلد يعاني مشكلة لجوء، غير أن الاتحاد الأوروبي يعرف أنه، رغم التقدم السلمي في بعض المناطق السورية، فإن الحرب السورية مستمرة طويلاً. لذلك هو مشغولٌ بأزمة الهوية التي ولّدتها موجات النزوح إلى القارة العجوز أوروبا من قارة أكثر كهولة منها هي آسيا، ومشغولٌ بيمينيّي أوروبا الشعبويّين الذين بدأوا يحتلّون مواقع سلطوية عبر الانتخابات طبعا كما يحصل في النمسا والمجر وإيطاليا. لكن في أوروبا لا يطلقون تهمة العنصرية بتسرع مثلما يطلقونها عندنا أحيانا كيدا أو طائفيةً أو ترهيباً .
صحيح أن اللبنانيين في حالة تهديد دائم لأنفسهم بالانهيار بسبب إرث التوازن الطائفي الحرب ْ أهلوي، غير أن تطوراً يمكن اعتباره إيجابيا هو أن تهمة الـ (لا) وطنية لم تعد بقوة الفعالية السابقة التي كانت تمارسها عليهم تياراتٌ مأزومة ومتعاقبة في المنطقة ويمارسونها هم على أنفسهم نخبوياً وشعبياً.
بينما المازوشية العنصرية هي نخبوية وليست بالضرورة شعبيّة. فلدى الجمهور العادي وعيٌ تنافسي مباشر يوجِّه رؤيتَه لمصالحه اليومية والحياتية بمعزل عن الانتماء الطائفي، إنها سلبيةُ وعْيِ التنافس المباشر على الرزق والوظيفة وأحيانا الأمن الاجتماعي، بينما النخب، كالعادة، أكثر حساسية وافتعالية ثقافية في الموضوع العنصري الذي له أصلا أدبيّاته العالمية.
نصل إلى "جوهر"الموضوع في تهمة العنصرية: الفصل الضروري بين حق إثارة مشكلة النازحين السوريين وبين الممارسات الفعلية الميدانية عندما توجد وأبرزها يافطات منع التجول في القرى بعد الساعة كذا...
لا مازوشية من دون سادية. والاختلاط هنا لبناني جدا.
كل عنصرية تفترض الحاجة إلى "خلق" عنصريين. نخبوياً إنها وظيفة ثقافية فكيف إذا ارتبطت بمصالح.
في لبنان القاسم المشترك الوحيد بين الـ(لا) وطنية والعنصرية أنهما كلاهما هشّان: وطنية اللاوطني وعنصرية المُعَنْصَر عليه... | |
|