Date: Jul 5, 2018
Source: جريدة الحياة
تهديم مخيم اليرموك... قرار النظام السوري أم اتفاق روسي - إسرائيلي ؟- عدنان علي
ما حصل في مخيم اليرموك جنوب دمشق، ومعه منطقة الحجر الأسود، من تدمير منظم واسع النطاق، بحجة محاربة تنظيم «داعش»، وما تلاه من حملات «تعفيش» وسرقة منظمة، ومن ثم السماح للأهالي بتفقد بقايا بيوتهم المدمرة والمنهوبة، يشير إلى أن النظام السوري انما يسعى إلى افراغ هذه المنطقة من سكانها لأسباب سياسية واخرى اقتصادية. وتشير المعطيات إلى أن عملية تدمير المخيم كان مخططاً لها وليس لها أي مبررات عسكرية، وان عمليات «التعفيش» اللاحقة كانت مخططة أيضاً، للهدف نفسه المتمثل في محو هذه المنطقة عن الخريطة، وإهانة سكانها وإذلالهم، وكسر إرادتهم وإنهاء أي أمل لديهم بالعودة إلى بيوتهم ومناطقهم.

وترى أوساط أن ما سمته «الدولة العميقة» استدرجت وادخلت الذين تسميهم المسلحين إلى مخيم اليرموك عن سابق تصور وتصميم بهدف محاصرته وتجويع سكانه لدفعهم إلى الرحيل منذ عام 2012، ثم تم استقدام «داعش» وتسمينه في المخيم والحجر الاسود عام 2015، ليكون ذلك ذريعة مناسبة لتدمير هاتين المنطقتين في شكل كامل بعد أن إطالة المناوشات العسكرية هناك لأكثر من شهر من دون مبررات عسكرية، حيث تنظر دوائر النظام إلى هاتين المنطقتين كمناطق عصاة معادية «استراتيجيا» ولا ينبغي أن تستمر في الوجود، بخاصة لأنها قريبة جداً من مركز العاصمة.

يقول مصدر مطلع، إن المخيم الذي يمتد على مساحة محدودة (1 كلم طولاً وعرضاً) تعرض طيلة 29 يوماً لقصف كثيف جداً تمثل في 1850 غارة بالطائرات والمروحيات التي ألقت مئات البراميل المتفجرة، فضلاً عن القصف بالمدافع والصواريخ والهاونات، فتحول المخيم إلى ناغازاكي الفلسطينية. فتدمير مخيم اليرموك قرار تم اتخاذه مسبقاً حتى آن أوان تنفيذه.

اتخذ القصف الجوي على اليرموك طابع قصف مربعات، بمعني ضرب جوي على مربع في منطقة محصورة، لتصديع الأبنية داخله. والهدف ضمان ألا يبقى هناك بناء واحد لم يتعرض للتدمير الكلي أو الجزئي. ولم يكن القصف الذي أسفر عن تدمير 80 في المئة من المخيم مفهوما أبداً من الناحية العسكرية خصوصاً ان عدد المسلحين من «داعش» و «النصرة» كما تبين لم يتعد 130 من «النصرة»، و690 من «داعش»، ومن بين أعضاء «داعش» من يعمل مع النظام (اكثر من نصفهم). أي أن النظام لم يكن عاجزاً بآلته العسكرية الكبيرة المدعومة من روسيا عن التغلب على 800 مسلح ليس معهم أسلحة ثقيلة ولا ذخيرة كافية نتيجة سنوات من الحصار، من دون هذا الحجم من التدمير، علماً أن كليهما، (داعش والنصرة) ، قبلا بالخروج من المخيم منذ وقت طويل، لكن القرار المتخذ كان تدمير المخيم.

تم تدمير البنية التحتية في المخيم بالكامل لضمان ألا يعود السكان إليه لاحقاً، ومن تولى التدمير الجيش النظامي والفرقة الرابعة تحديداً، وجهاز امنها الذي يقوده العميد بلال محسن. أما المنازل التي نجت من التدمير فتم حرقها بعد الانتهاء من عمليات التعفيش التي جرت بعد تسلم النظام المنطقة. والاشياء التي تعذر سرقتها وتعفيشها، مثل الحمامات والمغاسل والسيراميك، أي تلك المثبتة بالارض او الحيطان، جرى تحطيمها . وجرى خلال القصف الجوي العنيف استهداف مدارس وكالة «الاونروا» التابعة للأمم المتحدة، وباتت كلها مدمرة تماما، علما انها كانت خالية من المسلحين ولا يوجد لهم أي مقر فيها.

كما تم قصف مقبرة الشهداء القديمة تحديداً وتخريب الأضرحة، ولم تقصف المقبرة المدنية الملاصقة لها، والتي قيل عن وجود قبور ثلاثة جنود اسرائيليين فيها، قام مسلحو «داعش» بنبشها لتسليم جثثهم لاسرائيل وفق ما زعمت مصادر النظام.

حملة تعفيش المخيم كانت غير مسبوقة حتى في المناطق السورية الاخرى، وشاركت فيها قوات النظام الرسمية فضلا عن الميليشيات المسلحة التابعة له. وشوهدت دبابات تجر بجنازيرها كابلات الكهرباء الغليظة من الحفر الأرضية ليصار إلى حرقها للحصول على النحاس. ومن المشاهد الكاريكاتورية ان ترى دبابة تحمل على ظهرها غسالة تم تعفيشها من بيوت اللاجئين أو عربة «ب م ب» تحمل براداً.

وخلال التعفيش برزت قضايا مثيرة مثل تعفيش الأسلاك وسحبها وحرقها بين الدمار لأخذها للبيع. خزانات الحمامات النحاسية كانت تباع بواسطة ميزان محل مسروق داخل المخيم بين المجموعات نفسها، التي ادخلت من يشتريها وينقلها بسياراته بحماية ورعاية تلك المجموعات. وسُرق كل شيء يخطر في البال حتى عجانات الأفران والأبواب والشبابيك. وحاول النظام بوسائل الاتصال التي يملكها إشاعة أن العفيشة هم من اهل المخيم وأن «جماعة المخيم عم يسرقوا بعض»، وطبعاً هذا كلام غير صحيح. والمؤكد أن مجموعات التعفيش لا تنتمي لأي جهة فلسطينية، حتى عناصر أحمد جبريل التابعين لفصيل «القيادة العامة» منعوا من دخول المخيم بعد اجلاء عناصر داعش.

بعد انتهاء عمليات التعفيش المنظم سمح للناس بالدخول لأنه لم يعد هناك شيء يمكن الاستفادة منه. ودخل في الايام التالية بعض الاهالي لتفقد منازلهم، أو من المدنيين الاخرين ومحاولة البحث على بقايا بين الردم. تنتشر داخل اليرموك حواجز متتابعة لأمن الفرقة الرابعة، وكل من يريد من المواطنين اخراج ما تبقى له من اغراض، عليه ان يدفع للحواجز تباعاً، وهناك مفاوضات ومساومات على الدفع تجري بشكل صريح دون لف أو دوران. ويوجد على طول شارع اليرموك ستة حواجز وكل حاجز يطلب رشوة من الأهالي الذين قد يخرجون شيئاً مما تبقى في بيوتهم بعد تدميرها ونهبها.

وكل هذه الحواجز تتبع لأمن الفرقة الرابعة. كان التعفيش في اليرموك عملا مقصودا، جرى أمام الناس، بهدف اهانتهم والتنكيل بهم، واغتصاب الميت أمام اهله، والقضاء على أي امل بالعودة إلى بيوتهم.وتم التعفيش، إضافة إلى الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، على يد الجهات التالية: مجموعات الدفاع الوطني، مجموعات ياسر سليمان، والتي تورطت بقتل الكثير من المدنيين. وسليمان كان مستخدماً في المؤسسة الاستهلاكية وكان يعرف عنه تورطه بسرقة السكر والرز، لكنه اليوم بات « رجل اعمال» وقاد مجموعة مسلحة.

مجموعات فادي صقر. ابو منتجب وهو متهم بقتل عدة عائلات فلسطينية واختفت اثارها في التضامن في بداية التهجير من اليرموك ، ومنها عائلة العمايري. وابو منتجب هو ضابط مسرح من ادارة الوقود لأسباب تمس النزاهة، ولم يجد من يحميه لكثرة سرقاته. ومجموعات مسلحة من عين فيت وزعورة من التضامن.

ومؤخراً، بدأت جهات سورية من السلطة والأمن تسرب معلومات مفادها أن دمار اليرموك كان بقرار روسي بالاتفاق مع إسرائيل. وإن «الدولة السورية» ليس لها قرار بالموضوع وهي بحكم الواقع لم تستطع منعه. ويرى مراقبون بأن اليرموك لن يعود أبدا، وان عاد فسيكون ذلك بعد وقت طويل، ما يعني ان غالبية سكانه سيحاولون التوجه إلى اوروبا على غرار نحو مئة ألف فلسطيني وصلوا اليها من سورية حتى الان، أو يتوزعون داخل سورية ودول الجوار مرجحاً أن يكون هناك تفاهم روسي - اسرائيلي بالفعل لتدمير المخيم والإسهام بإنهاء تجمع فلسطيني مهم، بهدف دفع الفلسطينيين في سورية للخروج من البلد والهجرة إلى أوروبا، لكنه لا يبرئ النظام من التواطؤ في تنفيذ ذلك برضاه وربما برغبته أيضاً. كما حصل في منطقة الحجر الأسود التي كانت تضم قبل الثورة نحو نصف مليون شخص غالبيتهم من نازحي الجولان السوري المحتل.

* كاتب سوري