| | Date: Jun 27, 2018 | Source: جريدة الحياة | | مثل «داعش» ... سقطت أيضاً النخب الهارفاردية - إبراهيم غرايبة | في الميدان المقابل لرئاسة الوزراء في الأردن تجمعت أعداد كبيرة من المواطنين معظمهم من الشباب، أجبرت حكومة هاني الملقي على الاستقالة، لتأتي محلها حكومة جديدة برئاسة عمر الرزاز، لكن لم يظهر بعد أن النخب المتعاقبة على واجهة السياسة والتأثير استوعبت ما يجري أو استمعت لما قيل في الميدان غير الهتافات أو ما دون ذلك في شبكات التواصل.
ما الفرق بين «داعش» وهذه النخب القادمة من أفضل الجامعات ومعظمها درس على حساب الخزينة؟ لم يكن من فرصة للنخب المهيمنة للبقاء سوى الخوف، كأنهم لم يتعلموا في هارفادر وشقيقاتها سوى الفشل، لم تظهر النخبة السياسية رغبة ولم تكن مؤهلة ابتداء لتمنح الأمل إلى الناس، لم يكن لديها سوى الجباية والاستئثار، لكنها في ذلك أغلقت اللعبة السياسية والاجتماعية، وعطلتها، صارت الحياة العامة مثل مباراة ليس فيها سوى فريق واحد!
وأسوأ من فشل النخب الهارفاردية كان عجزها عن إدراك عمق التحولات التي تجري في المجتمعات والأجيال، وأن النخب والسلطات السياسية والدينية كما المجتمعات فقدت السيطرة على التنظيم الاجتماعي والأخلاقي للمواطنين. إذ لم تعد المؤسسات السياسية وأذرعها الدينية الإعلامية والاجتماعية والثقافية والتعليمية قادرة على تنظيم الناس وتوجيههم، ولم يعد للتنشئة وجهة يمكن التنبؤ أو التحكم بها، وليس ما حصل ويحصل في شبكات التواصل الاجتماعي سوى جزء بسيط من واقع جديد يتشكل على نحو فوضوي: فوضى بمعنى عدم معرفة المبادئ المنظمة أو العجز عن التحكم بها.
تحتاج النخب بما هي القيادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن تلاحظ أنها تاريخياً وواقعياً هي المنشئة للاتجاهات والقواعد التنظيمية والاجتماعية والأخلاقية والدينية للأفراد والمجتمعات، وأن الفوضى السائدة اليوم هي واحدة من احتمالات ثلاثة: عجز أو نهاية أدوات التنظيم والضبط المستخدمة، أو إرادة نخبوية بالفوضى والتفكيك تجري بوعي مسبق كوسيلة جديدة أو استجابة في مواجهة التحولات الاجتماعية الكبرى التي تحصل اليوم، وليست المطالبة القوية بالحريات والكرامة والعدالة سوى جزء ضئيل من هذه التحولات، وما تفعله النخب ليس سوى وضع المجتمعات والطبقات أمام خيارين: الإذعان مع الأمان أو الحرية مع الفوضى، أو، وهذا ما أرجحه بسبب المنطق التاريخي لمسار الأمم، نهاية النخب السائدة والأفكار السائدة أيضاً، لتنشأ منظومة اجتماعية وفكرية جديدة وعقد اجتماعي جديد، واتجاهات ثقافية جديدة، وقيم وأفكار جديدة.
تجد النخب نفسها اليوم في مشهد سياسي واجتماعي أقرب إلى المتاهة ليس لأنه كذلك بالفعل، لكن لأنها ما زالت مصرّة على رؤيته بأدواتها وأفكارها المنفصلة عن السياق العام للتحولات، فتبدو في نظرها هذه الاجيال المحتجة والساخطة مجموعات يمكن استدراجها أو تشتيتها أو إغوائها أو إخافتها، وتحسب أنها لا تحتاج إلا إلى الإعلام. وكما تتبع الذات صورتها فإنها تظن أنها قادرة على أن تنشئ الحقيقة كما تتصورها، وأن المواطنين سوف يشكلون أو ينتجون أنفسهم كما تصورهم النخبة. لكن تحولا عميقا جرى في هذه العلاقة التاريخية، فالسلطة اليوم في مواجهة عدد هائل من التشكيلات تكاد تساوي عدد المواطنين أنفسهم، وأنها لم تعد قادرة على تصنيف الناس وتنميطهم في فئات أو مجموعات، ما لدينا في الحقيقة شبكة يقف فيها جميع من يتاح لهم الوصول إليها على قدم المساواة التامة مع كل نقطة فيها، لم يعد إعلام السلطة أقوى أثراً من أي فرد، ليس سوى خليوي ويملك كل فرد مؤسسته في التواصل والتأثير والتي لا تقل كفاءة وفاعلية عن تلك المؤسسات التي كان يكفي مجرد الوصول إليها وإذاعة البيان الرقم 1 لتتغير الدنيا رأساً على عقب!
لم يعد أمام النخب إن أرادت أن تنجح سوى أن تترك الميكروفون.
* كاتب أردني | |
|