Date: Jun 26, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
جنسية أسرة المرأة في مأزق النظام الطائفي - فهمية شرف الدين
في تقرير التنمية البشرية الخاص بالمرأة الذي اقرته الامم المتحدة عام 1995 يفتتح جيمس غوستاف سميث وهو المحرر الرئيسي للتقرير، فصل عنوانه "ثورة من اجل تحقيق المساواة بين الجنسين". 

هو عنوان معبر يشير مباشرة الى النضال الطويل الذي قادته النساء ومعهن المفكرين الكبار من اجل تحقيق المساواة بين الرجال والنساء. ومع ان القرن العشرين قد حفل بحركات ثورية كثيرة "الثورة الاشتراكية" وثورات الدول المستعمرة التي قادتها حركات التحرير وتوجت باستقلال جميع الدول. الا ان الحركات النسائية كانت الاهم في ظل وضع متدن للمرأة في جميع انحاء العالم، فالفجوة بين مكانة الرجل ومكانة المرأة وبين الفرص المتاحة للرجل والفرص المتاحة للمرأة، بين موقع المرأة امام القانون وموقع الرجل كانت ولا تزال كبيرة جداً. 

لذلك فإن تكريس المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل جسدته الاعلانات المختلفة، منذ الاعلان الاول لحقوق الانسان وحتى الاعلانات الاخرى والعهود الملحقة بهذا الاعلان: الاتفاق الأول: المتعلّق بالحقوق المدنية والسياسية وقد عُرف تحت اسم "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

الاتفاق الثاني: المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي عرف تحت اسم "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وينص العهد صراحة على تعهد الدول بتأمين المساواة بين النساء والرجال في الحقوق الواردة فيه. ويتألف هذا الاتفاق من 31 مادة وينص "على الحق في العمل وفي تشكيل النقابات وفي الضمان الاجتماعي وفي مستوى لائق من العيش ورعاية الاسرة والضمان الصحي والحق في التعليم وفي المشاركة في الحياة الثقافية ".

لقد تحفظ لبنان على البند الثاني من المادة التاسعة المتعلقة بمنح المرأة حقاً متساوياً لحق الرجل لجهة اعطاء الجنسية لاولادها. كما تحفظ على البند الاول من المادة السادسة عشر المتعلقة بالاحوال الشخصية. ويمكننا ان نذهب بعيداً في وصف تجربة المرأة اللبنانية في ظل بنى اجتماعية لم تستطع ولأسباب متعددة ان تنجز القطيعة المطلوبة مع الفكر التقليدي المتساند مع الطوائف والمذاهب حيث تبدو هذه التجربة مرآة للخيبات المتتالية التي اصابت طموح النساء اللبنانيات.

والكلام عن الطموح يأخذ بالاعتبار تزايد إمكانيات وقدرات النساء اللبنانيات، فالمرأة اللبنانية التي تجاوزت نسبة تخرجها الجامعي نسبة زملائها من الرجال (%53). والتي استطاعت ان تقدم نموذجاً ناجحاً للمرأة العاملة (28%) كما أثبتت جدارتها في تجربتها القصيرة والضعيفة في الحياة السياسية عندما دخلت الندوة البرلمانية بالرغم من كل ما يعتري الحياة السياسية اللبنانية من عيوب، ما فتئت نسبة مشاركتها تتدنى إذ كانت(4،7%) في انتخابات 2005 واصبحت 3،1% في انتخابات عام 2009 ولم تتجاوز 7،6% في انتخابات 2018.

لماذا نتوقف أمام اتفاق القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة؟ لان الاتفاق يشكل حتى الآن اهم مصدر قانوني نستطيع استخدامه للمطالبة برفع التمييز عن المرأة وتطبيق المساواة. وقد عرف الاتفاق التمييز في مادتها الاولى كالتالي: التمييز هو أي تفرقة او استبعاد او تقيد يتم على اساس الجنس ويكون من اثاره او اغراضه توهين او احباط الاعتراف للمرأة بحقوق الانسان والحريات الاساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية او في اي ميدان آخر، او توهين او احباط تمتعها بهذه الحقوق او ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى اساس المساواة وبين الرجل". والدستور اللبناني الصادر عام 1926 والمعدل لا يتضمن اي نص تميزي بحق المرأة، بل يكرس مساواة جميع المواطنين امام القانون من دون تمييز.

-2-  

اذاً ما هي الحجج الرئيسية التي يتذرع بها اللبنانيون السياسيون منهم والقانونيون في بعض الأحيان لمنع اي تعديل لقانون الجنسية الحالي؟

في نظام سياسي طائفي قائم على توزيع الحصص بين الطوائف، يؤدي العدد دوراً اساسياً في تحديد هذه الحصص واتجاهاتها المستقبلية. ويعلم اللبنانيون، جميع اللبنانيين/ات ان عدم تنفيذ إحصاءات جديدة للسكان في لبنان ليس سوى ترجمة لهذا القلق المرافق للتغيرات الديمغرافية التي تتفاعل في لبنان منذ نشوئه.

وقد يكون مفيداً التذكير هنا بأن انعكاسات هذا القلق ومفاعيله يتجلى بشكل واضح في الخطاب السياسي الذي يعبر ابلغ تعبير عن المشكلات المتعلقة بأحجام الطوائف وادوارها، ويتضمن الكلام حول العدد، رفضاً واضحاً لأي تعديلات على قانون الجنسية الحالي. وتتجلى الازمة في ابعادها المختلفة في تبني المجتمع اللبناني في معظم فئاته الاجتماعية لهذا الخطاب، وفي قبول الايديولوجيا القائلة ان النظام الطائفي هو احدى مسلمات تكوين لبنان. وينعكس هذا القبول في قصور غير مبرر للفاعلين الاجتماعيين عن صياغة تصورات اخرى للحياة العامة تساعد على انتقال ديمقراطي للبنانيين/ات من اعضاء في جماعات الى احرار في دولة مدنية قادرة وعادلة. وقد يفسر هذا القول التأخر في التصدي للتمييز ضد المرأة في قانون الجنسية الحالي، والذي اصبح جزءاً لا يتجزأ من هذا القول الذي عممته ايديولوجيات الطوائف حول العدد، اي عدد الافراد المنتسبين/ ات الى الطوائف. ومركزيته في هرمية النظام السياسي الطائفي القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية.

كما ان التشدد في النظر الى قانون الجنسية الذي يبديه السياسيون وحتى القانونيون ليس سوى نتيجة لهذه الايديولوجيات الطائفية.

هكذا اصبح قانون الجنسية احد الابواب الذي تحرص الطوائف على ابقائه مغلقاً ولم تنفع في فتحه حتى الآن المحاولات الدؤوبة التي انجزت والتي أشرنا اليها والتي قادتها الهيئات المدنية والجمعيات النسائية. واذا كان النظام الاجتماعي اللبناني الابوي قد أرسى قواعد التمييز ضد المرأة في القوانين اللبنانية باكراً اي منذ نشوء لبنان، فإن النظام السياسي الطائفي قد منع أي امكانية لتعديل هذه القوانين حتى الآن.

ومما يزيد هذه المشكلة تعقيداً هو تواجد الفلسطينيين منذ ما يقارب السبعين عاماً في لبنان بعد ان احتلت اسرائيل فلسطين وطردتهم من بلادهم ومنعتهم من العودة اليها. هكذا ظهرت الى الوجود قضية التوطين واصبح كل كلام عن قانون الجنسية الذي يميز ضد المرأة مرادفاً للكلام عن التوطين وكأن اللبنانيات جميعهن سيتزوجن من فلسطينيين، ومع ان الدستور اللبناني يتضمن نصاً صريحاً حول منع التوطين إلا ان هذه الحجة اي التوطين ذات الطابع السياسي المحلي تحولت الى دعامة اساسية للمحاججة القانونية، وقد تم استخدامها بشكل واسع في المجال السياسي هذا المجال الذي يزداد حدة بقدر ما يزداد التعصب المذهبي والتقوقع الطائفي عمقاً واتساعاً.

على ان هذه الحجج التي ترفع في وجه المطالبين/ ات بتعديل قانون الجنسية لم تكن تستند الى اي معرفة واقعية وموضوعية لما يجري داخل المجتمع، ولم يكن لدى الحكومات وحتى المنظمات غير الحكومية منها اي بيانات او معطيات عن الاتجاهات العامة لزواج اللبنانيات من غير اللبنانيين وهل هناك فعلاً تركيز مقصود على جنسية من دون أخرى. ان احد اوجه الخلل في مستويات المعرفة يظهر في ردود السياسيين على اصدار الاحكام الصحيحة في الدعاوى المتصلة بقانون الجنسية والتمييز ضد المرأة في هذا القانون.

ولمن يريد ان يعرف حقيقة الوضع احيله الى دراسة انجزتها سنة 2009 بدعم من برنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP) وانجزت مسحاً لزيجات اللبنانيات من غير اللبنانيين وقد تم هذا المسح على مدى اربعة عشر عاماً من 1995 تاريخ مرسوم التجنيس الاعتباطي سيئ الذكر حتى 2008 تاريخ اجراء الدراسة.

لقد اظهرت نتائج هذا المسح ان عدد عقود الزواج بين اللبنانيات وغير اللبنانيين هي 18000 استناداً الى عقود الزواج التي تم احصاؤها لدى الجهات الشرعية ودوائر الاحوال الشخصية.

¶ 8,2% من المسلمات تزوجن من غير لبنانيين و%2 من المسيحيات تزوجن من غير لبنانيين

¶ 87,5% من عقود الزيجات بين لبنانيات وغير لبنانيين مسجلة لدى المسلمين فيما 12,5% مسجلة لدى المسيحيين.

لم تكن وظيفة هذه الدراسة اكتشاف شيء مجهول، فالمشكلات التي تحدثت عنها النساء، يعرفها المجتمع، ويتعاطى معها، بإعتبارها إحدى المشاكل المفروضة بحكم القانون والواقع الاجتماعي ولكن ما هو غير معروف وقدّمته الدراسة هو حجم هذه المشكلة وإتساعها وتأثيراتها السلبية على أسر كثيرة من المواطنات اللبنانيات.

إن تعديل قانون الجنسية اللبناني الحالي بإتجاه المساواة بين المرأة والرجل هو حاجة فعلية للكثير من الأسر، وهو حق تصرّ النساء على استرداده، فالمرأة في لبنان التي يحفظ لها الدستور حق العيش بكرامة، والحق بالتربية والتعليم ودخول الجامعات، وخوض معترك الحياة المهنية والعملية شأنها شأن الرجال، ولها الحقوق السياسية نفسها في الإقتراع والترشح والإنتخابات، وتمثيل الأمة في البرلمان، ولها الحقوق المدنية التي تخولها التجارة والإنتساب للنقابات والجمعيات، ولها الحق في أن تتبّوأ أي مركز في القطاع العام أو أي منصب إداري أو سياسي أو وزاري، في العام والخاص.

هذه المرأة ألا يحق لها أن تقرّر من ستتزوج؟ وأن تتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل لجهة إختيار الزوج، فهل يمنع عنها هذا الحق في منح جنسيتها لمن اختارته شريكاً لحياتها، وهل يمنع عنها حقها في منح جنسيتها لمن هم جزء منها؟

  إن المحاذير السياسية التي ترفع في وجه قانون عادل ومتساو للجنسية، تترك أثرها على عدد كبير من اللبنانيات وأسرهنّ، فهل على اللبنانيات وحدهّن دفع الأثمان السياسية، أليست النساء غير اللبنانيات اللواتي يتزوّجن من لبنانيين عنصراً من عناصر التثقيل في المعادلات السياسية.

لقد حان الوقت على ما نعتقد لدحض مزاعم معارضي مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في قانون الجنسية، فقانون الجنسية الحالي هو باعتراف الجميع يعتبر التجلي الامثل للتمييز ضد النساء في لبنان، فهو الى جانب مخالفته المبادئ الاساسية التي قام عليها الدستور اللبناني ولا سيما مبدأي الحرية والمساواة، فإن هذا القانون لا يستند الى اي مرجعية دينية. وعلى عكس قوانين الاحوال الشخصية التي تلقى معارضة شديدة من رجال الدين، تعتبر الممانعة ضد تغيير هذا القانون مادة للابتزاز السياسي، عبر خطاب يربط ما بين القانون وما بين التوازن داخل المجموعات المذهبية من جهة، وما بين الوطني والاقليمي( مشكلة توطين الفلسطينيين) من جهة اخرى.

ألم يحن الوقت لأن نعزل مفهوم المساواة عن السياسة؟

إن تعديل قانون الجنسية اللبناني الحالي لم يعد يتحمّل التأجيل والنساء يتطلّعن إلى ذلك، ليس كمنّة نسعى للحصول عليها، بل كحق لا بد من استرداده.

باحثة