Date: Jun 26, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
سذاجة معالجة الفساد بالفصل عن السياسة - شادية العارف
كان على "الفيلسوف الملك" حاكم المدينة المثالية الافلاطونية ان يكون اخلاقيا في سلوكه الخاص والعام، فاضلاً في حياته الشخصية وفي عمله السياسي. فالعلاقة بين السياسة والأخلاق قديمة قدم الفساد في المجتمعات الانسانية. يشير معنى الفساد الى الاستيلاء غير المشروع على الموارد العامة لأغراض خاصة، لذلك اجمع الفلاسفة القدماء على أهمية اخلاق الحاكم. هل يعني ذلك ان الاخلاق والسياسة متجانسان ومتلازمان؟ 

يبدو الفساد في هذا العصر الذي نعيشه وكأنه مسألة طبيعية، يكاد لا تخلو صحيفة يومية في العالم من اخبار عن فضائح مالية - سياسية اخلاقية اقتصادية تطال شخصيات سياسية مهمة في الدول المتقدمة، كما تطال الدول المتخلفة (اميركا اللاتينية وافريقيا والبلاد العربية)، ومؤسسات دولية كبرى (كالبنك الدولي، ودول العشرين الكبار الخ...). نشرت "منظمة الشفافية الدولية" في شباط ٢٠١٤ تقريراً يُظهر حجم الفساد المستشري في الاتحاد الاوروبي والذي يبلغ ١٢٠ مليار أورو سنوياً، ويحذر التقرير من خطورة افتقاد "الأخلاق والشفافية والرقابة على الأموال العامة" . 

تستند الشرعية في المجتمعات الغربية المتحضرة، إلى سلطة تقوم على أسس قانونية أو على قيم أخلاقية أو سلوك أخلاقي، تسمح بالحصول على موافقة كافة أعضاء المجتمع. ولكن تهتز صورة هذه الشرعية عندما تنشر الصحف فضائح فساد ابطالها القيمين انفسهم على ثروات الدولة وأمنها، كتلك الفضيحة المالية السياسية الكبرى التي هزت فرنسا عام ٢٠١٢ والتي نشرتها صحيفة "ميديابار" (صحيفة استقصائية). يتحدث الخبر عن وزير مفوض مسؤول عن الميزانية، "نسي" ان يصرح عن أمواله الموجودة في سويسرا وسنغافورة!! انكر الوزير في البداية الاتهامات الموجهة إليه أمام النواب في الجمعية الوطنية. ولكن بعد ان أقالته من مركزه، اعترف أمام قضاة التحقيق بما فعله (غسيل أموال وتهرب ضريبي). حكم على الوزير السابق بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وبعدم الأهلية خلال خمس سنوات. كان لا بد بعد هذه الفضيحة التفكير في قوانين تؤمن شفافية الحياة العامة. شرّع البرلمان الفرنسي بمبادرة من رئيس الجمهورية عام ٢٠١٣ قوانين لمكافحة تضارب المصالح وضمان الشفافية الديمقراطية.

رغم اعتبارها من أكثر الدول فعالية في مكافحة الفساد وتمتع بيروقراطيتها ومحاكمها وأطرها القانونية بالمصداقية بشكل عام، فان الانهيار المالي الذي اصاب قطاع المصارف في الولايات المتحدة الاميركية عام ٢٠٠٨ كشف حجم الممارسات الفاسدة في هذا القطاع، فقد تسبب بافلاس العديد من المصارف الكبرى وتسريح اعداد كبيرة من الموظفين. اسباب هذا الانهيار تعود الى ازمة "الرهن العقاري" ٢٠٠٧ و"القروض العقارية الفاسدة" التي روّج لها بنك "غولدمان ساكس"، والذي راكم ثروات كبرى من خلال مراهنته على إفلاس العائلات التي شُردت من منازلها. عرّض هذا البنك "اللانساني" البلاد الى أخطر أزمة مالية عالمية منذ عام 1929.

السؤال الآن : من يتحمل المسؤولية السياسية لهذه الأزمة، ومن يدفع ثمن هذه الجريمة الاجتماعية؟ الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذي كان في الحكم في تلك الفترة اعتبر أن دور الحكومة الاميركية محدود في هذه القضية ، وأنه ليس من وظيفته إنقاذ المضاربين أو المستثمرين الذين اتخذوا قرارات سيئة. اي ان الدولة غير مسؤولة اخلاقياً وسياسياً واجتماعياً عما حصل !! من يحمي اذاً المواطن الذي وقع ضحية ممارسات مؤسسات مصرفية جشعة !! ينطبق ما يقوله "روسو" حول هذا الموضوع على الواقع الاميركي: "ان الذين يرغبون فى معالجة الاخلاق والسياسة بشكل منفصل لم يفهموا أياً منهما".