| | Date: Jun 25, 2018 | Source: جريدة الحياة | | أهلاً بالمرأة في الجيش الجزائري ولكن - دالية غانم - يزبك | تقتحم المرأة صفوف الجيش الجزائري بأعداد متزايدة، إنما لا تزال تصطدم بسقفٍ جندري في ما يتعلق بأنواع الأدوار التي تؤدّيها.
من غير الشائع تجنيد النساء في الجيوش العربية، حتى في الأدوار غير القتالية، والسبب الأساسي هو أن المسألة لا تزال محطّ سجال على المستويَين الاجتماعي والسياسي. وفي حين أن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم العربي التي عمدت إلى ترقية المرأة إلى مراتب أعلى في الجيش، منذ حرب الاستقلال (1954 - 1962)، إلا أن تحقيق الاندماج الجندري في القوات المسلحة هو معركةٌ مستمرة منذ وقت طويل.
أخيراً، سعت السلطات الجزائرية إلى القيام بخطوات مهمّة نحو تجنيد النساء ومنحهن المساواة داخل المؤسسة العسكرية. في 2006، نصّ مرسوم رئاسي على جعل مكانة المرأة في الجيش مساوية من الناحية القانونية لمكانة الرجل. وقد وضع الجيش الجزائري سياسة رسمية لتحقيق المساواة في الحقوق والفرص، وبُذِلت جهود من أجل تطبيقها.
في 2009، رُقِّيت فاطمة الزهراء عرجون، المديرة العامة لمستشفى عين النعجة العسكري، إلى رتبة عميد، فأصبحت أول سيدة تصل إلى هذه الرتبة في الجيش الوطني الشعبي. وتبعتها ثلاث سيدات أخريات، بينهن فاطمة بودواني التي كانت أول امرأة تتم ترقيتها إلى رتبة لواء في 2017. لكن على رغم هذه المكاسب، لم تُدمَج النساء بالكامل في الجيش الوطني الجزائري، ولم يُرفَضن. بل يبدو أن دمجهن غير مكتمل.
تبلورت المواقف حول المرأة في الجيش خلال حرب الاستقلال. وحتى لو أن الصورة التي جرى ترويجها آنذاك كانت للمرأة المقاتلة التي تناضل من أجل الحرية، والتي جسّدتها نساء شجاعات على غرار جميلة بوحيرد، وزهرة ظريف، وحسيبة بن بو علي، إلا أن هؤلاء السيدات كنّ الاستثناء أكثر منه القاعدة. فواقع الحال هو أن نحو 82 في المئة من النساء المشارِكات في الحرب كنّ مسؤولات عن جمع الأموال أو الأدوية أو الأسلحة، أو عن أداء وظائف سكرتارية أو تمريضية. وشكّلت النساء ثلاثة في المئة فقط من المجاهدين، في حين أن 2 في المئة فقط من مجموع النساء شاركن في النزاع.
عند نيل الاستقلال، وغداة تحوّل جيش التحرير الوطني الذي كان قائماً أثناء الحرب، إلى الجيش الوطني الشعبي، استمرّ تهميش النساء، ولم توضَع أي سياسة لتجنيدهن في الجيش. كان في إمكان المرأة العمل في الجيش بصفة مدنية في مناصب إدارية، ولم تشهد البلاد نقطة تحوّل في هذا المجال سوى في 1978، عندما أصدر الرئيس آنذاك هواري بومدين مرسوماً يُجيز للمرأة الالتحاق بالجيش الوطني الشعبي برتبة ضابط وضابط صف. أخيراً، فُتِح أمام النساء الباب الذي يؤدّي إلى «معترك الرجال».
كانت خطوة أولى أساسية، إنما لم تعمّر طويلاً، إذ توقّف تجنيد النساء في 1986. فتجنيد النساء وتدريبهن، وبناء المنشآت، وتطوير رأس المال البشري، وتغطية النفقات المتعلقة بدمج المرأة وإجازة الأمومة، شكّلت عبئاً مالياً كبيراً على كاهل المؤسسة العسكرية، ما أدّى إلى تعليق سياسة تجنيد النساء. وفي نهاية المطاف، غادرت النساء في معظمهن الجيش الوطني الشعبي إما لتأسيس عائلة أو للعمل في القطاع الخاص.
في 2001، استؤنِف تجنيد النساء، وبدأت المرأة تؤدّي عدداً مضطرداً من الأدوار. استُتبِع المرسوم الرئاسي الصادر في 2006 بخطوات إضافية لتحقيق مساواة المرأة في التجنيد والتدريب والترقية والحقوق والواجبات. واتُّخِذت إجراءات عملية، منها إجازة الأمومة، لوضع المكانة الجديدة للمرأة حيّز التطبيق، وتسهيل مشاركتها في الجيش الوطني الشعبي.
لذلك، التحقت النساء، منذ ذلك الوقت، بمختلف فروع القوات المسلحة، مثل مدرسة أشبال الأمة المرموقة في وهران، حيث شكّلن نسبة 18 في المئة من مجموع المجنّدين في 2013. كذلك التحقن بأكاديمية الإدارة العسكرية والأكاديمية البحرية اللتين استقبلتا ضباطاً نساء لأول مرة في عام 2013. وتجدر الإشارة إلى أنه من أصل 92 ضابطاً في صف التخرج في الأكاديمية البحرية في ذلك العام، كان عدد الإناث 29، أي نحو 31.5 في المئة من المجموع.
كذلك قُبِلت النساء في المدرسة العليا للدرك الوطني في مدينة يسر بولاية بومرداس. في 2002 - 2003، كان عدد الإناث في المدرسة 18 فقط. لكن منذ ذلك الوقت، «أفادت أكثر من ألف امرأة من التدريب الذي يُقدَّم في مدرسة يسر»، وفقاً لمدير المدرسة العقيد رياح رباح. في إمكان النساء، الالتحاق بمختلف فرق الدرك، ما عدا مجموعة التدخل والاحتياط. يقول رباح أن المرأة مستثناة من هذه الوحدات «بسبب ظروف العيش الشديدة القسوة». بيد أن هذه النزعة الأبوية الحمائية تشكّل عائقاً أمام التقدّم المهني وأمام وصول المرأة إلى المناصب العسكرية الأرفع، حيث تُعتبَر الخبرة في وحدات القتال أو التدخّل أمراً أساسياً.
أصبحت المرأة الجزائرية أكثر حضوراً في الجيش مقارنة بالسابق – مع ازدياد أعداد النساء في الجيش راهناً بواقع ثلاثين مرة عمّا كانت عليه في عام 1978. إنما لا يزال هناك تقسيم تقليدي للعمل من منطلق جندري. فالمرأة تعمل في الغالب في قسم المعلومات والتواصل في الجيش الوطني الشعبي، حيث تصل نسبتهن إلى 17 في المئة من النساء العسكريات و51 في المئة من النساء المدنيات الموظَّفات لدى الجيش. كذلك تعمل أعداد كبيرة من النساء في قسم الصحة، في حين تشغل نساء كثيرات أدواراً تعليمية، أي مدرِّسات أو باحثات أو عالمات. في الوقت ذاته، بالكاد تُعيَّن النساء في مناصب كبرى معنيّة بصنع القرارات في الجيش. لذلك، لسن فعلياً في موقع يخوّلهن المشاركة في القرارات التي من شأنها أن تؤثّر في حياة زميلاتهن ومسيراتهن المهنية.
كذلك تُستبعَد المرأة من فرق المشاة والمدرّعات والمدفعية الميدانية. ومن هذا المنطلق، تُحظَر عليها المشاركة في القتال، ولا يمكنها بالتالي تولي قيادة العمليات العسكرية. لذلك، وفي المواقع الأعلى من رتبة رائد، تُقطَع الطريق أمام المرأة وتُمنَع من الوصول إلى المراتب ذاتها التي يبلغها الرجل، ما يُظهِر أن سياسة المساواة التي ينتهجها الجيش الوطني الشعبي لا تُطبَّق كما يجب.
ينبغي على الجيش الوطني الشعبي أن يواظب على تشجيع انضمام النساء إلى المؤسسة العسكرية، مع العمل على توسيع نطاق وظائف المرأة وتجنّب حصرها فقط بالمناصب النمطية التي يُنظَر إليها بأنها مقتصرة تقليدياً على النساء. يجب أن تتمكّن المرأة من الالتحاق بالوحدات القتالية، إذ يتعيّن عليها أن تؤدّي دوراً محورياً في عمليات مكافحة الإرهاب، ما يتيح لها المساهمة في حماية الجزائر. أضف إلى ذلك، أنه عبر فرض قيود على انضمام المرأة إلى هذه الوحدات، يتسبّب الجيش الوطني الشعبي في تحجيم المقلع الذي يمكن أن يخرج منه قادة أكفّاء، ما يحدّ من الفاعلية الإجمالية للوحدات.
في مقدور المرأة، المساهمة في التفكير النقدي والخلّاق داخل المؤسسة العسكرية، ما يُفضي إلى الاستخدام الأمثل للاستخبارات وتفعيل صنع القرارات. والأهم من ذلك، تستطيع الجزائر، عبر دمج النساء في القوات المسلحة، المساهمة في الدفع باتجاه ثقافة عسكرية مختلفة جداً في البلاد. وهكذا في إمكان المرأة، عبر المساهمة في إعادة صوغ العلاقات المدنية - العسكرية، ردم الفجوة بين الجيش والمجتمع.
* هذا المقال نُشر ضمن الدراسات الجندرية لمركز كارنيغي للشرق الأوسط | |
|