Date: Apr 28, 2011
Source: جريدة الحياة
قوانين سوزان في مهب الريح بعد عقود على إطاحة حقوق جيهان

القاهرة – أمينة خيري


بات المصريون يسخرون بأنه لم يتبقَ خارج مجال الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات التي تعم أرجاء البلاد منذ انتهاء «ثورة 25 يناير»، إلاّ أفراد الأسرة الواحدة. فالجميع بات يشكو الجميع أمام النائب العام، أو من خلال خطوط هواتف الفساد الإداري، من خلال تقديم بلاغات، الكيدي منها والفعلي فقد أبى أفراد الأسر المصرية أن يبقوا غير مواكبين لصرعة الاعتراضات، وشكوى بعضهم بعضاً، وها هي تظاهرات الآباء واحتجاجاتهم تتأجج، تارة أمام دار الافتاء، وتارة أخرى أمام دار القضاء العالي، وتارة ثالثة أمام مجلس الوزراء.

 

ائتلافات وتجمعات وأفراد يمثلون الآباء المصريين المطلّقين، وأجداد الأطفال لآبائهم، ورجال غير مطلّقين وربما غير متزوجين أصلاً لكنهم شعروا بالحاجة إلى تأمين مستقبلهم في حال تزوجوا ورزقوا بأطفال ثم وقع الطلاق. بعضهم يعكس تيارات دينية سلفية، والبعض الآخر ذو جوهر ذكوري، والبعض الثالث يقدّم نفسه على اعتباره حامي حمى الأسرة المصرية. العامل الوحـيد الذي يـجـمع بينهم هو الذكورة!

الرجال يطالبون بإسقاط قوانين «سوزان». الأيام القليلة الماضية شهدت سلسلة من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية لرجال يحملون لافتات تشير إلى أن «قانون الأسرة دمّر الأسرة» أو تنادي «يا عدل فينك فينك؟! قانون الأسرة بينا وبينك»! وذلك على وقع هتافات مثل «واحد إثنان حق أولادنا فين؟» و «أريد رؤية أحفادي».

 

تظاهرات الرجال المطالبة بإسقاط كل القوانين التي تمّ سنّها في فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك والتي كان لزوجته السيدة سوزان مبارك دور كبير في إصدارها، اصطبغت بصبغة الثورة وتلونت بلون السياسة وركبت موجة محاربة الفساد السائدة. ولأن كل ما يتعلق بعهد الرئيس السابق بات موصوماً بوصمة مفجعة بسبب حجم الفساد والطغيان، فقد قرر الآباء المتضررون وأصحاب الاتجاهات الدينية السلفية صبغ احتجاجاتهم إما بصبغة إفساد الأسرة والعمل على تشتيتها وتدميرها، وإما باتهامها بأنها مناهضة لأحكام الشرع.

 

قانون الرؤية الذي حدّد أوقاتاً بعينها ليرى الأب المطلّق أو الأم المطلّقة غير الحاضنة (لكن الغالبية تكون من الآباء)، الأبناء في حديقة عامة خوفاً على الصغير من الخطف من قبل الطرف غير الحاضن. كما لا يسمح للأجداد والأعمام والأقارب برؤية الصغير، مع عدم وجود عقوبة لازمة للطرف الحاضن في حال تغيب عن إحضار الصغير في الموعد المتفق عليه. شعارات مثل «نادي إيه وحزب إيه؟ إبني بعيد عن حضني ليه؟!» و «شيخ الأزهر فينك فينك؟ صلة الرحم بيني وبينك!» دفعت مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة قبل أيام إلى التصريح بوجود نية لإعادة النظر في قوانين الأسرة والطفل، بل أنه وصف قوانين الأسرة بقوانين «سوزان مبارك».

 

وإذا كان تصريح المفتي قد أثلج صدور المطلّقين غير الحاضنين والمنتمين الى التيارات الدينية، فقد أشعل الغضب في صدور آخرين، وتحديداً الجمعيات العاملة في مجال حقوق المرأة، إضافة إلى جموع الأمهات المطلقات الحاضنات. فبالنسبة إلى الجمعيات النسوية، عبّرت أكثر من جمعية عن الغضب الشديد من هجمة البعض ممن سمتهن بـ «الانتهازيين» و «التابعين للثورة المضادة» على القوانين المنصفة للمرأة، وهي القوانين التي استغرقت سنوات طويلة من الكفاح من أجل نيلها.

 

المركز المصري لحقوق المرأة أصدر بياناً يعكس «قلق الجمعيات مما هو آتٍ»، ويشير البيان إلى أن «الجهود المتواصلة لمنظمات المجتمع المدني التنموية ومنظمات حقوق الإنسان أدّت إلى تغيير في بعض التشريعات مثل تعديلات قانون الأسرة واستحداث قانون لمحكمة الأسرة وقانون الطفل، ولكن لم ترقَ هذه التعديلات إلى مستوى تحقيق العدالة والمساواة على أسس المواطنة، وما زالت مصر في حاجة إلى بذل الكثير من الجهد لضمان هذه الحقوق والعمل على تحقيق المزيد على مستوى النص القانوني وعلى مستوى التطبيق».

 

ويشير البيان كذلك إلى أن إصدار تشريعات تُميّز ضد المرأة أو تنتقص من حقوق الطفل أحد أهم أشكال العنف المؤسسي الذي يتناقض ومبادئ الدستور والتشريع، كما يتناقض والاتفاقات الدولية الموقِّعة عليها مصر. ويضيف بيان المركز «انه نظراً الى المتغيرات التي حدثت في الفترة الأخيرة وترتب عليها دخول مصر في مرحلة انتقالية تمهيداً لانتخابات برلمانية ورئاسية، فإن المرحلة تتطلب إصدار مراسيم بقوانين خاصة بتنظيم الحياة السياسية». إلاّ أن المركز لاحظ قيام بعض القوى السلفية والمنتفعين من إحداث إرباك سياسي واجتماعي في هذه المرحلة بنعت قوانين الأسرة بـ «قوانين سوزان مبارك»، الأمر الذي يتناقض والنضال الطويل لكل المصريين لإحداث بعض التعديلات المتعلقة بالإصلاح الاجتماعي.

 

ولكن ما يراه البعض إصلاحاً اجتماعياً متمثلاً في حق المرأة في الحصول على طلاق في زيجة فاشلة حتى تتفرغ لتربية أولادها، أو تخلّصها من سطوة زوج وجبروته في هجرها من دون أن يطلّقها يراه آخرون تشجيعاً للمرأة على «النشوز» وعدم طاعة الزوج وترك بيت الزوجية في أي وقت، مهرولةً إلى النيابة وأقسام الشرطة والمحامين «من دون حياء». ويرون أن ذلك قد يصل بالمرأة إلى حدّ خيانة زوجها في حماية قوانين الفساد، بينما يُمنع الزوج من الدفاع عن نفسه أو حتى طلب التحقق من هذه الدعاوى والمحاضر الكاذبة. وتبادل الاتهامات بين الرجل والمرأة ظاهرة تاريخية، وليست وليدة الثورة أو نتيجة الفوضى. كذلك تظاهر الرجال من أجل إسقاط ما اكتسبته المرأة من حقوق بعد عقود طويلة ومضنية من العمل والإقناع والتوعية ظاهرة تاريخية أيضاً.

 

وإذا كان حق المرأة في خلع زوجها، والتنازل عن كل مستحقاتها المالية في سبيل حصولها على الطلاق ظلماً للرجل، وإذا كان تنظيم رؤية الطرف غير الحاضن للأطفال تحت أعين مسؤولين خوفاً من الاختطاف قطعاً لصلة الأرحام، وإذا كان حق المرأة في تسجيل شهادة ميلاد لوليدها بعد اختفاء الأب هدماً للأسر، فماذا يكون إصرار الزوج على الإبقاء على زوجته كـ «البيت الوقف»؟ وماذا يكون إطلاق حقّ الطرف غير الحاضن وغير الموثوق فيه من قبل الطرف الأول في رؤية الأبناء وقت ما وكيف ما شاء؟ وماذا تكون معاقبة الوليد الناتج عن زيجة غير شرعية بسلبه حقّ حمل شهادة ميلاد؟ المؤكد أن حقوق المرأة، سواء حملت لقب قوانين الأسرة أو قوانين سوزان، جديدها وقديمها، باتت هذه الأيام في مهب الريح، وهي الريح ذاتها التي هبّت قبل ثلاثة عقود وأتت على ما تبقى من «حقوق جيهان»... نسبة إلى جيهان أنور السادات!.