Date: Jun 19, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
لبنان والعودة: الصرامة السيادية أم اللامنهجيّة؟ - زياد الصَّائغ
بعد نكبة اللاجئين الفلسطينيين وتعطّل عودتهم حتى الآن - أشدّد حتى الآن -، تأتي أزمة النازحين - اللاجئين من سوريا ليفترض فيها البعض، وفي مقاربةٍ غير موفّقة، أن هؤلاء باقون عندنا، بل يمعنون في الاسترسال في تخوين المجتمع الدولي بأنه متورّط في خيار توطينهم في جغرافيّتنا الصغيرة المستنزفة، ويطلق اشتباكاً ممنهجاً في الداخل ومع الخارج، في ظل غياب سياسةٍ عامة للدولة اللبنانية تجاه اللجوء - النزوح حتّمتها أيضاً الديماغو - شعبوية على مدى ثماني سنوات مضت. 

ليس ما سبق تخفيفاً من مآزق اللجوء - النزوح وأعبائه، أو تعميّة عن مبدأ العودة - الأولوية، أو تبنّياً للدفاع عن المجتمع الدولي وأذرعته التنفيذية في الأمم المتحدة، أو اشتراكاً في الانقسام الداخلي الممكن أن نتابعه بالعمق المؤرِق في المُقبل من الايام اكثر احتداماً مما بدأ، بل ما سبق وما سَيَلي مقاربة في ما كان يجب علينا أن نقوم به نحن معاً - هذا إذا ما كنا ما زلنا مسلّمين بإمكان استنهاض مبادرة دولتية (Etatique) في أزمة الدُويلات المتنامية - وليس فقط ما كان يجب علينا أن نقوم به، بل ما يُفترض بنا أن نقوم به الآن بعيداً عن روحية الاستنفارات المؤذية، والمواجهات العبثية، والادعاءات السوريالية ببطولات من مثل كسر إرادة هذا أو ذاك، والتحرّكات المكوكية ذات السمات الاستعراضية. 

ما كان يجب أن نقوم به بدايةً، وما زلنا مدعوّين للقيام به، هو إقرار سياسةٍ عامة تجاه النزوح - اللجوء من سوريا بعد فشل ثماني سنوات، والمسودة المتكاملة لهذه السياسة العامة موجودة، وفي صلبها خارطة طريقٍ للعودة، موجودة في عُهدة اللجنة الوزارية المكلّفة هذه القضية، وقد أعدّتها وزارة الدولة لشؤون النازحين، بالتعاون مع كل الوزارات. ثُم إن اقرار هذه السياسة العامة يقتضي اجتماعاً للجنة الوزارية، وتشاوراً بين فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة، ولو في مرحلة تصريف الاعمال، مع وضع الملاحظات على أداء أي مؤسسة أُممية - هذا إن كان من ملاحظات - وضعها في إطار معالجة أزمة النزوح - اللجوء، لا إضافة إرباك داخلي وخارجي عليها.

مفاد الارباك الداخلي استعادة انقسامات عمودية وأفُقيّة، أتخوّف من انتقالها الى الشارع، مع نفسٍ طائفي - مذهبي، كُنا تجاوزناه أقلّه في قضية اللجوء الفلسطيني بعد إقرار مبادئ سياسة عامة موحًّدة أتت نتيجة منهجية حوارية تراكمية للجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في رئاسة مجلس الوزراء منذ تأسيسها في العام 2005، لِتُتَرجم بين الأعوام 2015 - 2017 توافقاً على رؤية لبنانية جامعة نأمل أن تنقلها الحكومة العتيدة الى حيّز التبني. الأجدى بدل التفرّد وتسعير الخلافات الداخلية، العودة الى نهج السياسات العامة المستنِد الى حركيّة مؤسّساتية دستورية أساسها التشاركية البنّاءة بدل النديّة المتفلتة من معايير مقاربة الأزمات الكيانية. على الهامش يجب فهم ما ارتكبناه من أخطاء في مقاربة اللجوء الفلسطيني، وأساسه اتفاق القاهرة (1969)، يجب فهمه علمياً، لا من باب الخبريّات والتناقلات، وبالمناسبة ما كانت أبداً أدبيّات الجبهة اللبنانية ضد فلسطين، أو الحركة الوطنية ضد لبنان، وسياق هذا التأكيد مبنيٌّ على نقدٍ ذاتي أنتج مصالحاتٍ لبنانية - فلسطينية راسخة فاقتضى التنويه، نُصحاً لمن يحاولون الاستنساخ في أزمة اللجوء - النزوح السوري.

أما مفاد الارباك الخارجي، فهو تقصّد التهويل على المجتمع الدولي بغية دق جرس انذار امامه بأن الوضع الاقتصادي - الاجتماعي لم يعد يحتمل، متناسين المعطوبية البنيوية في اقتصادنا والفساد الهدر والزبائنية، فيما نتسوّل على ابواب المجتمع الدولي لنؤمن استمرارية موقّتة هشّة، نأمل أن تكون تجربة منصّة "سيدر" في هذه الاستمرارية متمايزة. بين التهويل والتسوّل أليس من مكانٍ لديبلوماسية التعاون على قاعدة خارطة طريق منها الانخراط في مسار جنيف، وصوغ إطار تنسيق إقليمي مع تركيا والاردن، وبلورة مسار هادئ في الإعداد لعودة النازحين - اللاجئين من خلال مجموعة الدعم الدولية للبنان وصولاً الى مجلس الأمن حيث لبنان قادر على تأدية دورٍ ريادي مع فلسطين شعباً وسوريا شعباً؟ حاولت جاهداً أن أفهم مغزى تخوين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، مع اعترافي بتقصير من المجتمع الدولي في إنجاز حل سياسي في سوريا، وتضاؤل التقدمات للبنان بسبب تعب الدول المانحة من طول الأزمة، ولم أجد مستقراً لهذا المغزى عدا تغييب السياسة العامة، وتجهيل مسبّب النزوح، والانزلاق في توتّرات محلية وإقليمية ودولية تؤذي مناعة سيادتنا أكثر مما تُقوّيها. وهنا ما يجب أن نقوم به أساسه التشاور مع مخضرمين في الديبلوماسية اللبنانية ما زالوا احياء علّهم يعيدوننا الى مواثيق الشرعيتين العربية والدولية من باب القدرة على التأثير الإيجابي أكثر منه التقابل الصدامي.

الصرامة السيادية والحكمة الديبلوماسية... متى يعودان العمود الفقري لأدائنا السياسي في الداخل والخارج؟ حتى حينها يجب أن نقبل لبنان العودة باللامنهجية واللادولتية!.

خبير في شؤون اللاجئين