| | Date: Jun 17, 2018 | Source: جريدة الحياة | | عن الإنفاق العسكري ودوره في التخلّف التنموي - كرم الحلو | أياً تكن الخلفيات أو الأهداف أو المآلات المستقبلية لبنود الاتفاق الذي أبرم بين ترامب وكيم جونغ أون، فإن لقاء الزعيمين برهن بحد ذاته على أن ثمة شكلاً آخر للتعامل بين الشعوب والأمم، غير التهديد بالمحرقة النووية، وغير ذلك الذي ميّز الحقبة الأطول من تاريخ الإنسانية، حيث كانت الحرب بكل وجوهها المقيتة والبربرية هي الشكل السائد للعلاقات البشرية.
لقد انقضى زمن طويل قبل أن يصل البشر إلى تصور عقد اجتماعي يضع حداً لنزاعاتهم الأبدية ويخرجهم من حالتهم الطبيعية إلى الوجود السياسي الاجتماعي بصورته التعاقدية. لكن روح الحرب والعدوان وإرادات الهيمنة والاستئثار ظلت تتحكم بالسياسة، فبعد مئة سنة على الحرب العالمية الأولى وأهوالها وبعدها الحرب العالمية الثانية، يبقى الإنفاق العسكري العالمي مرتفعاً ومتقدماً في كثير من أقطار العالم ومن بينها أقطارنا العربية،على الإنفاق على التعليم والصحة، بل إن الإنفاق العسكري ارتفع في الشرق الأوسط من 4 في المئة من الناتج المحلي في 2008 إلى 6 في المئة في 2016. وقد ضمّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثماني دول على الأقل، من بين الدول العشر، ذات العبء العسكري الأقصى في 2016. وتشير الدراسات إلى أن الإنفاق العسكري في دول الخليج العربية الغنية يشكل 4,8 من الإنفاق العسكري العالمي، مع أنها تشكل 0,6 بالمئة من السكان في العالم. وبينما زادت واردات المنطقة من الأسلحة بنسبة 68 في المئة بين الفترتين من 2007– 2011 إلى 2012– 2016، حلّت خمسة بلدان من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين مستوردي الأسلحة العشرة الكبار في العالم في 2016، وقد صدّرت الولايات المتحدة 47 في المئة من إجمالي واردات المنطقة من الأسلحة، بين عامي 2012 و2016 فيما صدّرت فرنسا 8,1 في المئة والمملكة المتحدة 7,7 في المئة.
من المفارقات اللافتة بقاء بلدان العالم الثالث الأكثر فقراً في طليعة المنفقين على السلاح، فقد أنفق هذا العالم في العقدين الأخيرين من القرن الماضي آلاف بلايين الدولارات على السلاح، فيما هو الأكثر معاناة من الفقر والمرض والأمية، حيث تفوق احتمالات الوفاة نتيجة الأمراض وسوء التغذية عشرات المرات احتمالات الموت جراء عدوان خارجي. وليس من دون دلالة ارتفاع الإنفاق العسكري بين عامي 2007 و2016 من 2,9 في المئة من الناتج المحلي إلى 6,7 في الجزائر، وفي مصر من 1,6 إلى 2,5، وفي عمان من 10,3 إلى 16,7، وفي تونس من 1,3 إلى 2,3. فثمة علاقة أساسية في رأينا بين الإنفاق العسكري الذي بلغ في العقود الماضية في العالم العربي آلاف بلايين الدولارات، وبين تزايد أعداد الفقراء وتفاقم نسب البطالة واستشراء الأمية وتخلف الإنتاج العلمي.
إن النتيجة التي حصدها العالم الثالث، وخاصة عالمنا العربي، جراء هذه السياسة الاقتصادية والعسكرية، هي الانحطاط المتواصل في واقعه الإنساني والاجتماعي والبيئي، حيث أصبح ثلث الناس يعيشون تحت خط الفقر، ولم تعد الشعوب قادرة على إيفاء ديونها المتفاقمة، واستنزفت الموارد الطبيعية وأبيدت الغابات وتعاظم التلوث.
يستدعي ذلك كله خطوات إنقاذية تكون أولاً بالمبادرة الشجاعة إلى حل النزاعات مهما تكن من الحدّة والجذرية، بالحوار والتفاهم، إن بين الأمم أو بين الأحزاب والجماعات، الإثنية أو الطائفية أو الإقليمية، وتبريد بؤر الصراع بأساليب سياسية وتفاوضية، وتقليص الإنفاق العسكري وتوجيه الاهتمام إلى البناء الاقتصادي والتنمية والعمران. وثانياً بإقامة حظر دولي على مبيعات الـــسلاح وإنتاجه الذي يستنزف مئات بلايين الدولارات من خزائن البلدان النامية وعالمنا العربي، والتشجيع بدل ذلك على الحوار السلمي. وثالثاً بحثّ الأنظمة، وخاصة أنظمتنا العربية، على مصالحة شـــعوبها بكل طبقاتها ومكوناتها الطائفية والمذهبية والإثنية، بدل أن تعمد إلى إرهابها بالأسلحة المتطورة والفتاكة، التي طالما استخدمت في قمع الحركات الديموقراطية وحماية الديكتاتوريات، لا في الدفاع عن الأمم والذود عن الأوطان.
ألا يؤدي مثل هذا التوجه إلى عقد اجتماعي جديد قوامه التكامل الإنساني ومشاركة كل أطياف المجتمع في البناء والعمل والإنتاج والتأسيس تالياً لحياة إنسانية أرقى وأبعد عن كوارث الحرب والاقتتال العبثي؟ | |
|