| | Date: Jun 14, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | بانتظار ظهور أبي بكر البغدادي؟ - عبد الحسين شعبان | فجأة غاب ولم يترك له أي أثر بعد أن شغل العالم فترة زادت على ثلاث سنوات، خصوصاً منذ احتلاله للموصل في 10 يونيو/ حزيران العام 2014 وتمدّده في مناطق غرب العراق، حيث سيطر على محافظتي صلاح الدين والأنبار، وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى، حتّى وصل إلى مشارف العاصمة بغداد.
لكن الرجل الذي ظهر على نحو شبه ممسرح، بملابسه السوداء، وساعته "الرولكس"، وحركة يديه المحسوبة، وكلماته الموزونة، والهادفة، والهالة الكبيرة التي حرص المخرج على إبرازه فيها، باعتلائه منبر الجامع الأثري الكبير في الموصل، ليلقي خطبة تتناقلها محطات التلفاز، بعد أن عطّل جميع وسائل الاتصال، ليغادر بعدها مصحوباً بعشرات السيارات من لون، وموديل واحد، في موكب نحو المجهول.
ومثلما كان ظهوره أقرب إلى فيلم هوليوودي، أو عرض مسرحي تنكّري، كان اختفاؤه كذلك، بحيث لم ينشغل به أحد بعد أن ضجّت أجهزة الاستخبارات الدولية بالبحث عنه، وتناقل أخباره، وحين أعلن عن هزيمة تنظيمه المنكرة توقّف البحث عنه بعد مطاردته في الصحراء الممتدة إلى الأراضي السورية، كأن الفيلم توقّف بصورة مفاجئة، وترك المشاهد يضرب أخماساً في أسداس حول مصير البغدادي، وكيف ذاب مثل فص الملح في الماء.
وحتى بعد سقوط عاصمة الخلافة في مدينة "الرقة" السورية، لم يظهر للبغدادي أي أثر، والأكثر من ذلك لم تعد دوائر مكافحة الإرهاب، ووسائل الإعلام، والجيوش الباحثة عنه، والطائرات الاستطلاعية، تهتم بأخباره التي كانت تنقلها بعد تمليحها بإشاعات متنوّعة ووسائل ناعمة للدعاية والحرب النفسية.
فأين ذهب الرجل؟ وكيف تمكّن من الاختفاء حتى الآن في ظل الملاحقة المستمرة؟ وكيف ظلّ تنظيمه "شغّالاً" على الرغم من الضربات التي تعرّض لها؟ وهل ترك بديلاً، أو نائباً عنه؟ وهل تغيّرت استراتيجية "داعش" باتجاه المزيد من اللّامركزية في اتخاذ القرار والتنفيذ؟
الغريب أن الناس لم يعودوا يتذكّرون ما قام به من فعل إجرامي بحق البشر، والحجر، والشجر، فكيف يحصل ذلك؟ فحتى إعلانات النصر تجاهلت ذكر اسمه، وكان إعلان دولة الإمارات عن اتفاقية لإعادة ترميم الجامع الأثري الكبير ومئذنته الحدباء الشهيرة، بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية، ومنظمة اليونيسكو مناسبة لاستذكار ما قام به البغدادي، وتنظيم "داعش" من تدمير الصروح الآشورية والإسلامية: من إعدام النمرود العظيم، واغتيال الثور المجنّح، وتجريف مدينة الحضر، وتدمير جامع النبي شيت، وجامع النبي يونس، وعدد من الكنائس والأديرة، وأماكن العبادة؟
لم يعلن البغدادي هو الآخر عن اختفائه، ربما يكون قد قرر أن ينسحب بصمت وهدوء من دون ضجة، ولكن إلى أين.. فلا أحد يعلم؟ أم أنه يستعد لشيء آخر بتهيئة جيل جديد من الإرهابيين؟ علماً بأن هناك أكثر من جائزة خُصصت لمن يلقي القبض عليه حياً، أو ميتاً، أو يرشد إلى معلومات عنه، أو يدلي بما يفيد الوصول إليه، فهل وقع في قبضة واشنطن، وأخفت كل أثر له؟ مستفيدة من الانتقادات التي وجهت إليها حين قررت اغتيال الإرهابي الأول في العالم "أسامة بن لادن" في باكستان بتاريخ 2 مايو/أيار 2011، بعد اختفاء دام عشر سنوات، حيث ضاعت معه أسرار كثيرة عن تنظيم القاعدة ، كما حصل كذلك مع "أبو مصعب الزرقاوي" الذي اغتيل هو الآخر في العراق في 7 يونيو/ حزيران 2006 واختفت معه أيضاً الكثير من المعلومات، الأمر الذي يجعل مسألة اختفاء البغدادي لغزاً جديداً.
فهل يأتي هذا الاختفاء، أو الإخفاء، مقصوداً هذه المرّة كي لا يتحوّل البغدادي إلى «رمز» مثل ابن لادن بالنسبة للجماعات الإرهابية؟ أم ثمة غموض وإبهام لا يزالان يلفان المشهد كاملاً؟ ولذلك، فإنّ إعطاء حكم بهذا الخصوص سيكون سابقاً لأوانه قبل أن تنجلي غبار المعارك، وتتكشّف الحقائق وتظهر المعلومات .
لقد استهوت أفكار البغدادي مجموعة جديدة، وكبيرة من الجيل الثالث للإرهابيين، بمن فيهم الأوروبيون، والغربيون عموماً، الذين كان حضورهم يزداد، بل يتضاعف بسرعة كبيرة في صفوفه، وكان لطريقته في احتلال الأرض والبقاء فيها وإعلانه "حكم الخلافة"، وكذلك لتحالفاته مع بقايا مجموعات مسلحة وتشعر بالتهميش والعزل، أثر كبير في تجميع قوّة كبيرة، خصوصاً بعد "الانتصارات" السريعة التي حققها عقب احتلاله للموصل، إضافة إلى تشكيل وزارات، وتنظيم الحياة اليومية لسكان المناطق التي احتلها، وإقامة محاكم شرعية، وإباحة ما سمّي "بالجهاد النكاحي"، واستعباد الإيزيديات، وإجبار غير المسلمين على الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو الرحيل، ولاسيّما من المسيحيين والإيزيديين وغيرهم.
فهل كان البغدادي لغزاً، أو كومبارساً، في عملية تدمير الموصل بحيث يضطر العالم إلى إقامة تحالف دولي ضم 55 دولة، إضافة إلى إيران لمواجهته، ثم يختفي هكذا مرّة واحدة مثل شهاب. أم أنه سيظهر بعد حين؟
كاتب عراقي | |
|