Date: Jun 14, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
البرلمان اللبناني الجديد: الأكثريات التي انتخبت رؤساء جمهورية ليسوا منها - أسعد الخوري
سأل مراسل تلفزيوني عشيّة يوم الانتخابات النيابية اللبنانية (6 أيار/مايو) رئيس احدى اللوائح الأساسية في طرابلس عن أسباب تدني نسبة المقترعين في المدينة، فاجابه: اعتقد أن السبب هو "تعقيدات" القانون الانتخابي الجديد. لكن المراسل أجابه متسائلاً: أليس السبب هو عدم ثقة الناخب بالطبقة السياسية وبالمرشحين دون استثناء؟! 

السياسي اللبناني المذكور يعرف جيدًا أن اللبنانيين بكافة فئاتهم وطوائفهم ونزعاتهم السياسية باتوا يدركون أن الطبقة السياسية التي تحكم لبنان وتتحكم بمقدراته، منذ الاستقلال حتى اليوم، باتت عصية على "الانكسار"... رغم أن الدولة اللبنانية المترهلة باتت تعاني من عبء ديونٍ بالمليارات دون أن تنجح الحكومات اللبنانية المتعاقبة في حلّ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، ناهيك بأزمة النفايات والكهرباء والازدحام، والبنى التحتية التي تحتاج الى مليارات كثيرة لإصلاحها وترميمها وإقامة بنى جديدة، وبناء طرقات وجسور ومعامل كهرباء ونفايات وسواها...

أمر آخر، أثبته الانتخابات وهو أن الأحزاب هي التي قادت العملية الانتخابية بشكل أساسي. بل أن القانون الانتخابي الجديد - رغم كل علاّته - هو الطريق الذي يقود لتأسيس أحزاب وتيارات سياسية في البلاد، وأن لا أدوار فاعلة لشخصيات سياسية قوية سوى الالتحاق بلائحةٍ ما، بانتظار الحصول على "منّة" (الحاصل الانتخابي) و(الصوت التفضيلي) من رئيس الحزب - رئيس اللائحة!

لقد أبعدت الانتخابات النيابية الحالية عددًا وفيرًا من النواب المشرّعين عن المجلس الجديد، بعدما تحوّل "الصوت التفضيلي" الى سلعة للشراء من قبل رجال الأعمال الأثرياء الذين كلّفتهم المعركة الانتخابية ملايين الدولارات. (مع غياب شبه كامل لدور الهيئة العليا للانتخابات).

كذلك تمَّ إبعاد العديد من "المناضلين" الحقيقيين في الأحزاب والتيارات السياسية لصالح رجال الأعمال الأثرياء القادرين على تمويل اللوائح... ورؤسائها. وقد حلّ المرشحون الأثرياء "ضيوفًا ثقلاء" على اللوائح والناخبين، لكن في النهاية استطاع معظمهم، أن يدخل الندوة البرلمانية وأن يزهو بحصوله على الحصانة النيابية و"اللوحة الزرقاء"!

تبقى رئاسة الجمهورية هي الهدف الذي يسعى اليه "أقطاب" الموارنة. الرئاسة الأولى كانت محور الصراع الانتخابي بين المرشحين المحتملين خلفًا لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون: جبران باسيل، سمير جعجع، سليمان فرنجية، وجان عبيد وربما آخرين. فيما النائب الجديد ميشال معوض يسعى منذ اليوم ليكون مرشحًا محتملاً لتبؤ سدّة الرئاسة الأولى التي شغلها والده الرئيس رينه معوض، والذي اغتيل بعد أسابيع قليلة على انتخابه.

لكن حساب الحقل الانتخابي قد لا ينطبق دائمًا على حساب البيدر الرئاسي. ذلك أن ارتباط الانتخابات النيابية بالانتخابات الرئاسية قد لا يكون دائمًا قابلاً للترجمة الفعلية على أرض السياسة المحلية والإقليمية والدولية. لأن "التوافق" على رئيس للبلاد هو أساس اللعبة في لبنان، ولا رئيس للجمهورية دون توافق داخلي وخارجي. ورئاسة العماد عون هي نموذج لهذا "الواقع التوافقي"، إذ استمر الفراغ في الرئاسة الأولى أكثر من عامين ونصف العام الى حين تصاعد "الدخان الأبيض" من "المدخنة الإقليمية"!

والسؤال الأساس المطروح هو: من هي القوى القادرة على إمساك الخيط الرفيع الذي يحرّك لعبة الرئاسة في لبنان بعد أربع سنوات ونيّف من اليوم، أي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون؟

ان "المشيئة" الخارجة عن إرادة اللبنانيين في معظم الأحيان، هي كالقضاء والقدر لا تُردّ لها رغبة، هي التي تُجري الحسابات (بغض النظر عن الاتهامات بالجهل الحسابي القائمة حاليًا بين باسيل وجعجع). وان هذه الحسابات على البيدر السياسي لا يدري أحد حتى الآن، وفي هذا الوقت المبكر، من هي القوى الفاعلة التي ستتولى "الجمع والطرح" على البيدر الرئاسي.

ولا بدّ هنا من التذكير:

- المجلس النيابي الذي انتخب الشيخ بشارة الخوري رئيسًا للجمهورية كانت أكثريته مع إميل إدّه. ومع ذلك انتُخب بشارة الخوري بشبه إجماع نيابي.

- المجلس النيابي الذي انتخب كميل شمعون كانت أكثريته توقّع قبل أيام من الانتخابات على محضر تتمسّك بموجبه بالرئيس المستقيل بشارة الخوري وتتهم فيه شمعون "بالخيانة والعمالة". لكنها ما لبثت بعد أيام قليلة أن سارعت الى انتخابه رئيسًا بالإجماع!

- المجلس النيابي الذي انتخب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب كانت أكثريته الساحقة مع كميل شمعون.

- كما أن أكثرية المجلس النيابي الذي انتخب شارل حلو كانت مع التجديد للرئيس شهاب مع "التأكيد والإصرار".

- هذه القاعدة تخربطت مرة واحدة في انتخاب الرئيس سليمان فرنجية عام 1970. إذ انتقل العديد من النواب الذين شكّلوا أكثرية نيابية من ضفة ولي عهد شهاب يومئذ (الياس سركيس) الى ضفة سليمان فرنجية.

أما في مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية فصار نفوذ القوى الإقليمية والدولية أكثر "فجاجة" من اتفاق مورفي - الأسد و(مخايل الضاهر أو الفوضى)... الى "الزمن الاسرائيلي"، ثم مرحلة "الوصاية السورية" على لبنان والمشيئة السورية - السعودية - الأميركية في اختيار الرؤساء والتمديد لهم حسب الإرادة السورية التي لم يكن ليردّ لها قرار أو مشيئة سياسية.

إذًا، نتائج الانتخابات النيابية، لا ترسم بالضرورة خريطة الطريق الى الرئاسة الأولى.

صحافي