| | Date: Jun 5, 2018 | Source: جريدة الحياة | | مآسي عفرين اليوم - شيرزاد اليزيدي | تتوإلى المشاهد المؤلمة من عفرين المحتلة. فالتعريب والتتريك المتداخلان على أشدهما، وعشرات بل مئات آلاف المستوطنين القادمين عبر الباصات الخضراء من الغوطة والقلمون وعموم ريف دمشق ومختلف المناطق السورية التي سيطر عليها النظام، يفدون إلى مناطق الشمال السوري، وخصوصاً عفرين التي تتعرض لعملية تغيير ديموغرافي وتطهير عرقي منظمة، عبر الاستيطان والسلب والاستيلاء على بيوت أهلها ومزارعهم وممتلكاتهم بعد قتل بعضهم وتشريدهم وتهجيرهم.
وفي سياق آلاف الصور والفيديوات المتداولة يوميا عن حجم الكارثة المحيقة بعفرين، تلك المدينة الجبلية الخضراء المزنرة بملايين أشجار الزيتون والفاكهة على اختلافها، نشرت صورة لأحد المحلات التجارية في المدينة التي استولى عليها مستوطن ليحولها إلى دكان لبيع اللحوم تحت مسمى ملحمة الغوطة لصاحبها أبو بلال الشامي، كما هو مدوّن في اليافطة المعلقة في واجهة المحل. ليس هذا وحسب، بل يظهر في الصورة عينها جمل حي مربوط أمام الملحمة ربما كان كناية عن أنها تبيع اللحم الطازج.
فالجمل معروف أنه حيوان صحراوي ولا يمكنه العيش في المناخات الباردة والمعتدلة كمناخ عفرين. وهكذا فمجرد وجوده وسط المدينة المدنسة بالاحتلال التركي- القاعدي مؤشر بسيط، لكنه بليغ، إلى أن ثمة خللاً فاضحاً يطال حتى قوانين البيئة وثوابتها وتلاعباً بطبيعة الأشياء، أضف إلى ذلك أن ربط حيوان ضخم الجثة كالجمل في وسط سوق المدينة، وبهذا الشكل، إنما ينم عن الإيغال في العبث بجماليات المدينة وقيمها. فالاستيطان يحاول، والحال هذه، نشر طرائق معاش وطقوس حياتية لا تمت للمدنية بصلة وتعبر عن عقلية قوامها الغزو والقتل والسلب تحت مسميات الجهاد والفتح والغنائم. أولم يطلق أردوغان حملة احتلال عفرين مع الإيعاز بتلاوة سورة «الفتح» في مختلف الجوامع التركية؟
والحال أن رمزية الجمل الحي وسط سوق عفرين تكثف طبيعة المشهد ككل. فنحن حيال احتلال واستيطان همجيين لا يردعهما رادع. فعفرين والعفرينيون وفق «المنطق» الاستيطاني مشاع وغنيمة فتح، وهي المكان الذي اصطفاه سلطانهم الجديد قائد الاحتلال رجب أردوغان كي يمارسوا فيه تقليدهم لجلادهم البعثي الأسدي في محاولة للتعويض الكاذب عن الهزيمة والاجتثاث من بيوتهم ومناطقهم، ليأتوا على بعد مئات الكيلومترات منها ويقتلوا أهل عفرين ويحتلوا بيوتهم ويستولوا على مصادر رزقهم ومعاشهم وتحت حراب المحتل التركي.
الضحية وهي تتمثل الجلاد وتتقمصه حتى النخاع... هذا ما تحكيه لنا وبلا لبس مشاهد استيطان القادمين من الغوطة وغير الغوطة إلى عفرين.
* كاتب كردي سوري | |
|