| | Date: Jun 3, 2018 | Source: جريدة الحياة | | عودة العبادي إلى الحكومة تمرّ عبر الصدر - مصطفى كركوتي | أياً كان رئيس حكومة العراق المقبل، فإنه لا بد أن يأخذ في الحسبان رؤية الزعيم السياسي الصاعد مقتدى الصدر في إدارة شؤون البلاد.
لقد اكتسب السياسي الشيعي الشاب، زعيم تحالف «سائرون» الجديد، لقب «صانع الملوك»، ليس لحصول تحالفه على الكتلة البرلمانية الأكبر في مجلس النواب العراقي الجديد، بل لما أظهره من نشاط وشجاعة لافتين قبيل وأثناء حملة الانتخابات الأخيرة. الإعلام الأوروبي شبّهه بظاهرة حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قيادته لحزب «الجمهورية إلى الأمام».
وعلى رغم كل هذه الهالة التي أحيطت بالصدر بعد ظهور نتائج الانتخابات، فإن مهمة حراكه السياسي الراهن بالغة التعقيد والأهمية في آن. إلا أن أهم ما يواجه الصدر هو تمكّنه من الحد من التدخل الإيراني في تسيير شؤون الحكم في العراق. فقد أعلنت طهران قبل حملة الانتخابات عن رغبتها الحؤول دون وصول تحالف الصدر إلى الحكم. قائد العمليات الخارجية لوحدات «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال قاسم سليماني عبر إلى بغداد عند انتهاء فرز الأصوات والتقى سياسييها، للتأكيد على أن أي حكومة جديدة في العراق لا بد أن تحصل على رضا طهران.
فسليماني رجل إيران الأكثر نفوذاً على صعيد العمليات في طهران وبغداد، بات مصدر سلطة الأمر الواقع في العراق إثر الفراغ القيادي الناجم عن قرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما سحب قوات بلاده من العراق قبل نحو ثماني سنوات. واللافت أن الصدر غرد على حسابه مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات بان «الإصلاح ينتصر... والفساد ينكمش». واعتبر كثيرون أن التغريدة كانت رسالة مبطنة موجهة إلى قيادة طهران وأتباعها في بغداد.
صحيح أنه ليس لدى الصدر بالضرورة نية لخوض أي مواجهة مع الإيرانيين في العراق، ولكن الأرجح أنه سيلعب دوراً موازناً في صوغ العمل السياسي في بلاده في السنوات الأربع المقبلة، أي عمر مجلس النواب الجديد. فهو يدرك جيداً كم هو العراق حيوي لتقدم ونجاح مشروع إيران في الإقليم. فوفق الاعتقاد السائد، فإن العراق بالنسبة لاستراتيجية طهران في الإقليم أهم من سورية أو لبنان أو حتى اليمن. أضف إلى ذلك أن الصدر نفسه لا يمكن أن يصبح رئيساً للوزراء لأنه ليس نائباً في البرلمان، ولكن انتصار تحالفه يضعه في موقع قوي (وقد يكون حاسماً) أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة في الأسابيع المقبلة.
تحالف الصدر حلّ الأول في الانتخابات إذ حصد 54 مقعداً من 329، بزيادة 20 مقعداً عما حصل عليه في انتخابات 2014. تكتل «فتح» الحديث التكوين، بزعامة الجنرال هادي العامري المعروف بروابطه التاريخية مع إيران وعلاقته الشخصية مع سليماني، حصل على 47 مقعداً. العامري قائد جيش «قوات الحشد الشعبي» المدعومة بالكامل من طهران، والتي باتت أكبر قوة عسكرية ضاربة في العراق بعد الجيش الوطني. «قوات الحشد» تم تشكيلها على نسق «الحرس الثوري» الإيراني.
تكتل رئيس الحكومة المنتهية ولايته «نصر» حل ثالثاً بـ42 مقعداً، فيما هبطت حصة تحالف «دولة القانون» لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، من 92 إلى 25 مقعداً. الكتلة الشيعية الخامسة «الحكمة الوطنية» بزعامة الأمام عمار الحكيم، هبط تمثيلها من 29 إلى 19 مقعداً. كتلة «الوطنية» العابرة للطوائف بقيادة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي حافظت على حصتها السابقة وهي 19 مقعداً. الحزبان الكرديان الرئيسيان (الحزب الديموقراطي والاتحاد الوطني) حصداً 25 و19 مقعداً على التوالي، وحصل التحالف السياسي في مناطق السنّة بزعامة أسامة النجيفي على 14 مقعداً بعدما كان 19.
توزع مراكز القيادة الرئيسية في العراق طائفيا يتماثل تقريباً مع لبنان، إذ تذهب رئاسة الحكومة إلى الشيعة ورئاسة المجلس إلى السنّة ورئاسة الجمهورية إلى الأكراد.
نجاح مقتدى الصدر قد يشكل منعطفاً مهماً بعد 15 عاماً من الكساد السياسي والفساد المالي ومظاهر عنفٍ أليمة. ويرى كثيرون فوزه بمثابة فرصة سياسية قد توفر للعراق الظروف الأساسية لتحسين الأداء الحكومي. ولكنْ يرى آخرون أن الصدر الذي ذاع صيته إثر قيادته لانتفاضتين عنفيتين ضد القوات الأميركية، قد نُحّي جانباً لسنوات عدة من قبل القوى المنافسة والمدعومة من إيران.
لذلك يعتبر فوز كتلته الأخير في الانتخابات بمثابة تحدٍّ مباشر لمنافسيه الشيعة الأقوياء المتربعين على رأس السلطة لمدة طويلة والمتَّهَمين بنشر الفساد من قبل شرائح واسعة -بما في ذلك الصدر نفسه. في بيانها الانتخابي لكتلته التي ضمت شيوعيين وعلمانيين ومرشحا كردياً مقرباً من مسعود بارزاني، شن الصدر هجوماً عنيفاً على التدخل الخارجي في العراق سواء كان مصدره طهران أو واشنطن.
وبغض النظر عن مسار العمل السياسي قبل وبعد تشكيل الحكومة، فالواقع السياسي الراهن يزيد من صعوبة مهمة الصدر جراء كثرة كارهيه، وهو الشيء الناجم عن حملته ضد النخب الحاكمة ومخاطبته الجمهور العراقي كسياسي مستقل فوق الطائفة. وأن يكون الصدر منتقداً فذاً لتدخل إيران في سياسات العراق وأن يطالب بنهاية نظام الرئيس بشار الأسد ويلتقي في الوقت نفسه مع صناع القرار في الرياض وأبو ظبي فيما هما في ذروة المواجهة مع طهران في حرب اليمن، فهذا يوضح طبيعة مواقف هذا الزعيم من أزمات الإقليم.
والصدر يواجه الآن حالة غير مسبوقة في المشهد السياسي في العراق: إنه احتمال أن يجد نفسه في الموقع الحاسم في تحديد رئيس الحكومة المقبل. والعبادي هو الأكثر ترجيحاً لملء المنصب لكن المتوقع أن يكون العبادي «الجديد» مختلفاً عن «عبادي» السنوات الأربع الماضية، أي أقل إيرانية وأكثر انفتاحاً على دول الجوار الأخرى. والصدر في النهاية ليس عدواً لإيران، مثله في ذلك مثل رؤساء التكتلات الشيعية الأخرى في البرلمان العراقي، ولكنه الأكثر براغماتية الذي يضع مصالح العراق الوطنية في المقدمة. وهو بقدر ما يستطيع المحافظة على هذه السياسة، فإنه ينجح في أن يُبْقي إيران على بُعد بوصة أو اثنتين من العراق. | |
|