Date: Jun 2, 2018
Source: جريدة الحياة
موسكو وواشنطن لطهران: كفى - مرح البقاعي
في اتصال مباشر مع أحد قادة فصائل الجيش الحر المعارضة والمتمركزة في منطقة درعا منذ 2011، سألت قائد الفصيل عن موقفهم في حال اندلاع معركة الجنوب مع النظام وحلفائه، وأخبرته من أجل الشفافية، أنني سأنقل إجابته إلى الإعلام فقال: «لن نقوم بالمبادرة حالياً، ولن نفتح أية معركة بسبب عدم اكتمال الرؤية الإقليمية التي نتأثر بها. الآن نكتفي بالتجهيز لأسوأ سيناريو وهو هجوم من قبل ميليشيات الأسد وحلفائه. برنامجنا الحالي الصمود ودحر العدوان بقوة».

تصدرت منطقة خفض التوتر في الجنوب الغربي السوري الأخبار أخيراً إثر بيان رسمي أطلقته قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري، جاء فيه أن «انتهاء اتفاقية خفض التصعيد في مدينة درعا جنوبي البلاد ستكون حتمية في ظل استمرار تواجد متطرفين ينتمون لتنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين». وذلك في إشارة روسية مضمرة إلى أنها تريد تحريك الراكد في آخر منطقة لخفض التوتر في سورية، وهي المناطق التي تم وضع خارطتها نتيجة اتفاق دولي بين الولايات المتحدة وروسيا بحضور الأردن، وتم إقرارها في آستانا الأول، وهي مناطق تقع في إدلب، وفي شمال مدينة حمص، والغوطة الشرقية، وعلى الحدود السورية مع الأردن في محافظة درعا.

أما الخارجية الأميركية فلم تقف صامتة خلال تطورات الجنوب السوري، وأصدرت بياناً أعربت فيه عن قلق الولايات المتحدة من الحديث عن معارك مرتقبة للنظام السوري في جنوب سورية، وتحديداً في المناطق التي تمت فيها اتفاقيات لوقف النار وخفض التوتر، وأعلن عنها الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. إلا أن المستجدات الأعلى أهمية والتي تكاد تتفوّق بدلالاتها على كافة الأحداث الأخرى المتعلقة بالقضية السورية فهي الأنباء الواردة من الجبهة الجنوبية، والتي تتحدّث عن انسحابات متوالية للميليشيات الإيرانية، وفي مقدمها حزب الله، من الجنوب السوري.

فلماذا تنسحب إيران الآن من مواقع دفعت الكثير، مادياً وبشرياً، للاستيلاء عليها وفرض نفوذها من خلالها وبالقوة على سورية؟ وهل لتوقيت الانسحاب أسبابه أيضاً في ظل تعاظم الحصار الدولي والإقليمي على إيران الذي نتج عن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، والعقدة الاقتصادية التي تمر بها أوروبا نتيجة لذاك الانسحاب؟ وهل ستكون أوروبا بيضة القبّان التي ستكسر العَقد العالمي مع طهران بهدف لجمها في شكل قطعي ونهائي عن مطمعها العسكري النووي الذي تريد اتخاذه سلاحاً للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط برمّتها؟!

من نافلة القول إن إيران أدركت بسرعة أن دخولها في معركة في الجنوب السوري سيحفر قبرها بيدها، لا سيما في ظل احتمال كبير لوقوف روسيا على الحياد وعدم مساندتها النظام في المعركة المفترضة. لذا سارعت إيران إلى إبرام المحادثات والتفاهمات لتقليص خسائرها في سورية بالقدر الممكن والاحتفاظ بما تبقى لها هنا وهناك، لا سيما في ما تعتبره منطقة نفوذ استراتيجي لها في محيط دمشق وجبال القلمون. وفِي هذه الحال، لن يتجرأ النظام السوري على خوض المعركة منفرداً، وستتحول المنطقة «المنخفضة التوتر» التي مركزها مدينة درعا، مع مرور الوقت، إلى منطقة آمنة بالكامل. وهنا يأتي دور المعارضة المسلحة وفصائل الجنوب بتمكين مكتسبات الثورة والتفاوض بقوة في ضوء وجودها الأصيل في المنطقة منذ بدايات الثورة، وابتعادها التام عن التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تدعي حمل لواء الثورة زوراً وبهتاناً، وذلك بعيداً عن المصالحات المجانية مع النظام أو التهجير القسري للسكان الأصليين. عندها فقط قد تتوفر لأول مرة شروط انتصار سياسي ما يمكن أن تحققه المعارضة من خلال الفهم العميق واغتنام فرص التناقضات والتجاذبات الإقليمية والدولية في الجنوب، وتكون سبباً ليولد هذا الانتصار من رحم درعا الأبية حيث ارتفعت أول صرخة لولادة الثورة في آذار (مارس) ٢٠١١.

فصل المقال يكمن في شبكة حسابات روسيا المعقّدة مع الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، تلك الحسابات التي تريد موسكو دفع أقل التكاليف لتسديدها، لا سيما في عقدة مشكلاتها معهم، وهي ضمّها لشبه جزيرة القرم. فهي للسبب الآنف الذكر تقترب أكثر فأكثر من أميركا وأوروبا وتنأى بنفسها عن إيران. من جانب آخر، فإن روسيا لن تنسى استعراض علي أكبر ولايتي لدولته في الغوطة الشرقية إثر ساعات فقط من استكمال تهجير أهلها منها قسرياً، ودخوله مع الكاميرات إلى مدينة دوما المدمرة مستبقاً قوات النظام والشرطة العسكرية الروسية، كي يقول لبوتين: هذه الأرض لنا. وكما ردد وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، في مستهل خطابه الذي أعلن فيه عن استراتيجية أميركا الجديدة تجاه إيران: كفى، كفى، كفى... (بالثلاثة)، فإن موسكو تقول الآن أيضاً لطهران ضمن رسائل مضمرة لكن فاعلة: كفى... «لحد هون وبس».

* كاتبة سورية