Date: May 17, 2018
Source: جريدة النهار اللبنانية
قانون الانتخاب تشابك الاسوأ بين النسبي والاكثري - فريد الخازن
اما وقد جرت الانتخابات، فلا بد من قراءة هادئة للقانون ومفاعيله بعدما خضع للاختبار. صحيح ان نظام الاقتراع النسبي أكثر عدالة من الأكثري لجهة فرص التمثيل، لكن بشرط ألا تكون النسبية مشوّهة أو مبتورة، مثلما هي في لبنان. وصحيح أيضاً ان القانون يعكس الاحجام الحقيقية للمرشحين، إلّا ان ذلك لم يحل دون وصول نواب "بأحجام" لا تعبّر عن خيارات غالبية من المقترعين. فعندما يفوز من نال أصواتاً بالمئات (أو حتى أقل من مئة صوت) ويخسر من نال الآلاف، تكون عدالة التمثيل منتقصة والاحجام بلا جدوى، فضلاً عن جائزة "اللوتو" المتمثلة بالكسر الاكبر من نصيب اللوائح المحظوظة. وأين العدالة عندما تشطب أصوات مرشحي اللوائح التي لم تنل الحاصل، وما الفرق عندئذ بين النسبي والاكثري؟ النسبية مبنية على مبدأ عدم اضاعة أصوات المقترعين وعلى اللوائح المتجانسة، خلافاً لما حصل في لبنان. 

نظام الاقتراع النسبي بالغ التعقيد في المجتمعات المتجانسة، وهو أكثر تعقيداً في الحالة اللبنانية، كما ان آلية احتساب الاصوات يضعها خبراء في علم الرياضيات بعد اتخاذ القرار السياسي بشأن نظام الاقتراع. لبنان في هذا المجال حالة خاصة لان النظام السياسي يرتكز على نسبية يلحظها الدستور في التمثيل الطائفي والمذهبي. فاذا كان المطلوب اعتماد نسبية صحيحة، فلا يمكن عندئذ مراعاة الاعتبارات الطائفية وسواها ولا بد من اعتماد دوائر موسعة، وهذا عملياً غير متاح لاسباب عديدة. النسبية المعتمدة "ملبننة"، منقوصة في أحسن الاحوال ومبتورة في اسوئها. وفي حال عدم امكان التزام معايير النسبية المعروفة والمجرّبة والتي تفي بالغرض التمثيلي المطلوب، فلا بدّ من الاقرار ان النسبية غير ملائمة للحالة اللبنانية.

في السنوات الاخيرة، جاء الكلام في النسبية أشبه بالمزاد العلني، اذ تم تظهيرها وكأنها الدواء الشافي لامراض المجتمع والنظام السياسي. وبات النقاش أسير الشعارات، الى حد الادعاء ان النسبية ستحدّ من الطائفية وتضع حداً للفساد والمال الانتخابي وتوحّد البلاد وتعزّز الديموقراطية وتؤسس لاحزاب عابرة للطوائف، فيسود الوئام بين الناس والانتظام العام. لكن ما حصل انه تم اعتماد الاسوأ بين أنظمة الاقتراع النسبي المعروفة، مضافة اليها الصيغة الاكثر تشدّداً بين انظمة الاقتراع الأكثري (one person one vote)، وهي نقيض النسبية، فجاء القانون خليطاً هجيناً وفي تناقض مع أنظمة الاقتراع المعتمدة في العالم منذ أواخر القرن التاسع عشر الى اليوم.

الغائب الاكبر في الانتخابات الرأي العام، أو التوجهات الكبرى لآراء الناخبين حول مسائل معينة. وجاء قانون الانتخاب ليساهم في تراجع الخطاب السياسي الوطني أو المواقف المحددة في الشأن العام، ومن حاول ابرازها، وخصوصاً في أوساط الحراك المدني، لم يكن لها أي تأثير وازن. في نظر الناس، للقانون عوامل جذب، على حساب القضايا العامة: العلاقات الشخصية والخدمات الخاصة والمال الانتخابي. وكان منتظراً ان يساهم القانون، في شقيه النسبي والاكثري، في رفع نسب الاقتراع، خصوصاً ان اعداد الناخبين ارتفع نحو 6% منذ 2009، إلّا أن نسب الاقتراع انخفضت عن نسب 2009 وما قبلها. ولهذا الواقع دلالة تعكس حالة اللامبالاة تجاه القانون والعملية الانتخابية. طغى على الانتخابات همّ كسب المعركة بأداة الصوت التفضيلي على حساب التحالفات والخطاب السياسي. المصلحة العامة كانت الاقل شأناً، والزبائنية فرضت نفسها داخل الاحزاب وخارجها وأدت الى "خصخصة" الرأي العام. فلكل مرشح خطابه وبرنامجه وماله وخدماته واعلامه. وعلى المستوى الوطني، التحديات مختلفة، والسعي الآن الى الترميم عبر تحالفات ما بعد الانتخابات ومحاور الفرز والضم في تكتلات ليس للشأن العام فيها أي حساب.

أُقرّ القانون تحت ضغط المهل وبعد مخاض طويل. ولا بد من تقويم مسؤول لتجربة القانون والانتخابات. صيغ قوانين الانتخاب ليست واحدة من اثنين (نسبي/اكثري)، بل ثمة صيغ أخرى ركيزتها الدوائر الانتخابية ودور الدائرة محوري في التركيبة المجتمعية في لبنان، اضافة الى صيغ تأهيل وسواها. نزوة القانون المتشابك بين النسبي والاكثري الذي أتى على حساب الشأنين السياسي والوطني مرّت بسلام. لكن في انتخابات "الولايات اللبنانية المتحدة"، لا بد من مراجعة وجردة حساب.