Date: Apr 27, 2011
Source: جريدة النهار اللبنانية
الأرض، ويا للأسف، كروية - جمال فهمي

أمس، كاد الحديد الذي قدّ منه قفص الاتهام المنصوب في صدر قاعة أحدى المحاكم المصرية أن يخرج عن صمت الجماد الأبدي المحكوم به عليه وينطق مذهولا من غرابة المشهد الذي وجد نفسه فيه، إذ كان يقيد ويسيج أكبر الرؤوس في منظومة أمن الرئيس المخلوع حسني مبارك بمن فيهم وزير داخليته الأطول عهدا في تاريخ مصر المعاصر، اللواء حبيب العادلي الذي يحاكم مع أبرز معاونيه حاليا بتهم ثقيلة أخطرها قتل مئات المتظاهرين المسالمين أو التحريض على قتلهم، وهما تهمتان يكفي ثبوت أحداهما لحمل المذنب إلى حبل المشنقة.


لقد بدا المشهد كأنه دليل جديد على أن الأرض كروية ولا تكف أبدا عن الحركة والدوران المزدوج حول محورها وحول الشمس، مما يجعل عشم كل من يسعى حيا فوقها في ثبات حاله ودوام أحواله، عشما يشبه تماما طمع "أبليس" في الجنة.
لقد كان المشهد بليغا ومفعما بالعبر والمفارقات الصارخة، أولاها أن الذين لطالما استسهلوا الزج بألوف الناس في السجون لمجرد الخلاف السياسي مع النظام، صاروا هم السجناء.


لكن المفارقة الأعظم دويا في مشهد أمس تجلت فاضحة في تركيبة المحكمة التي وقف العادلي وشركاؤه بين يديها، فهي عينها محكمة المستشار عادل عبد السلام جمعة المسجل أسمه في سجل القضاء المصري الحديث باعتباره ، ليس فقط صاحب الأحكام الأكثر تسييسا، وإنما الأشد قسوة كذلك بدليل استحواذه على أطول قائمة أحكام بالإعدام ذهبت نسبة معتبرة منها إلى بعض خصوم نظام مبارك.
والمفارقة هنا أن رئيس المحكمة هذا تمتع (بفضل المؤهلات السابقة) بحظوة ورعاية فريدتين من أجهزة العادلي، آية ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن الأخير أمر بتوفير كل مظاهر الأبهة للرجل فمنحه وحده سيارة كانت ولا تزال تتبختر بالقاضي جمعة في الطرق والشوارع مصحوبة بموكب حراسة مهيب قوامه نحو 11 عنصرا من عناصر جهاز مباحث أمن الدولة المنحل.


ولعله من نكد الدنيا على الوزير ورفاقه أن قاضيهم ذهب أمس ليحاكمهم وهو يمتطي السيارة عينها ويتألق وسط فرقة الحراس أنفسهم الذين التحقوا بخدمته بأوامر مفرطة في الكرم كان العادلي وصحبه أصدروها قبل أن تغرب شمسهم بفعل ثورة شعبية عارمة أسقطت مبارك ونظامه ورجاله أجمعين، وإن لم تسقط بعد رموز العدالة "المسيسة".
اذاً حذار، فمن نَصَّب قاضيا "مخصوصا" لأخيه قد يقع هو فيه، لأن الأرض، ويا للأسف، كروية.