| | Date: Apr 14, 2018 | Source: جريدة الحياة | | سمات الحرب المقبلة: مفتوحة ومشتركة ومتعددة الأطراف والأهداف - ماجد الشّيخ | ليس عادياً سيل المعلومات والمؤشرات عن حرب قادمة في المنطقة، حرب قد لا توازي حروباً قائمة، لكنها «الحرب القادمة»، تلك التي طالما جرى الحديث عنها في أعقاب حرب لبنان الثانية عام 2006، وفي أعقاب انتهاء حرب العام 2014 على غزة.
النُّذُر التي أطلقت على مدار الشهرين الفائتين، باتت تسمح بالاستنتاج المنطقي، أن حرباً قد تقع، لكنها حرب متشعبة ذات فروع ومستويات وسياقات ومنعرجات ومنسربات، غير خاضعة لأي منطق سياسي، بقدر ما هي أقرب إلى غياب مثل هذا المنطق، وحضور منطق التضاد ومعاداة السياسة ومنطقها العقلاني، الذي أفلح في تغييب آفاق الحلول الممكنة، وأجبر مجموع الانسدادات على مراكمة أسباب وعوامل، أدت إلى قطع الطريق أمام المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية من التدخل الفاعل، لمنع الكارثة أو الكوارث التي تحملها حروب غير خاضعة للضبط والانضباط، وتداخل وتعدد أطرافها، كما جراء استخدام تقنيات الحداثة الراهنة، وما يجري تطويره من تكنولوجيات وأيديولوجيات موجات التقنيات الأكثر حداثة، في عالم لم تعد فيه عوامل الانكشاف تمنع رؤية ما قد يحيق بنا من أخطار كارثية، نعرف نتائجها سلفاً، ولكننا نقدم عليها بدم بارد.
هناك توافق مطلق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما بدت وتبدو حال «استراتيجية» الطرفين، إزاء نظام طهران ودوره ونفوذه في المنطقة، وإن أدى الأمر إلى حرب تنطلق من سورية، الهدف منها تقليص النفوذ الإيراني إلى أبعد حد، ولو أدت إلى الإضرار أو المس بالنظام السوري، ليس إلى حد إسقاطه، طالما هو تحت «الحماية» الروسية، وطالما هو أقرب إلى ضمان حماية الأمن الإسرائيلي، عبر مظلة المصالح الموضوعية المشتركة، تلك التي يستفيد منها الطرفان، كل لحساباته الذاتية الخاصة، ومن دون المس بالمعطيات الجيوسياسية لكل طرف.
في أجواء ما فتئت تتلبد غيومها، هناك بحث عن مخارج لانسدادات سياسية، لها طابع الخطط العـــسكرية، أسفرت عن وجهها أخيرا مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للولايات المتحدة، في آذار (مارس) الماضي، حيث أفيد عن أن نتانياهو استعرض مع ترامب، ولاحقاً مع كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي الأميركي، وعلى رأسهم وزير الدفاع جيم ماتيس ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ومدير الـ «سي آي إيه» مايك بومبيو (جرى تعيينه وزيراً للخارجية في أعقاب إقالة ريكس تيلرسون على خلفية خلافه مع ترامب بشأن الملف النووي مع إيران) ما سُمّي «خطة تحرك عسكري شامل» مهمتها التصدي لامتدادات إيران، وتشمل العراق وسورية ولبنان. كذلك ناقش نتانياهو في واشنطن تقييماً إسرائيلياً لوضع روسيا في سورية، خلص إلى أن موسكو وصلت إلى ما يشبه الحائط المسدود في عمليتها العسكرية والسياسية، وأن قدرتها على منع ضربة عسكرية إسرائيلية كبرى ضد إيران باتت ضئيلة.
وذكرت مصادر إعلامية أن إسرائيل ناقشت بالتفصيل المواقع والقواعد التي ستضربها في سورية، مبدية استعدادها للمساعدة في قطع «طريق طهران- بغداد- دمشق- بيروت» الذي تسعى إيران إلى تأمينه من طهران حتى البحر المتوسط، ومنع ميليشياتها من التمركز في النقاط الحدودية بين العراق وسورية والأردن.
أما في شأن الرد على استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية في الغوطة، بعد أن سجل ظهور عوارض حالات اختناق وضيق تنفس على أكثر من ستين مدنياً للمرة الثالثة خلال أيام في بلدتي حمورية وسقبا، ومؤخراً في دوما إثر ضربات جوية شنتها طائرات النظام الحربية، استعجالاً لحسم معركة الغوطة، فقد صدرت تهديدات ثلاثية من واشنطن وباريس ولندن بضرب نظام الأسد، في حين تعززت أنباء عن أن ترامب أجاز عملياً شن ضربات ضد المناطق التي شنت منها الهجمات الكيماوية، في وقت قد تتقاطع فيه مع استعدادات إسرائيلية للعب دور مباشر في الهجوم على القواعد الإيرانية في سورية، مع احتمال امتداد تلك الضربة إلى لبنان، إذا حاول «حزب الله» التصدي لتحركاتها.
وكان السفير التركي السابق لدى باريس وطرابلس، أولوتش اوزولكير، قد تحدث في لقاء مع وكالة «سبوتنيك» عن تفاصيل اجتماع، عقد يوم 11 كانون الثاني (يناير) في واشنطن، شاركت فيه 5 دول غربية وإقليمية. وكشف المعلومات صحافيان فرنسيان تحت عنوان «Syrie Leaks» وفقاً لسجلات السفير البريطاني أثناء الاجتماع. ووفقاً لأقوال الســفير التركي، فإن المجتمــعين ناقشوا تفاصيل إعادة رسم حدود الشرق الأوسط، وتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ ضمن إطار الاستراتيجية الشرق أوسطية الجديدة.
ونشرت مجلة «ناشونال إنترست» The National Interest الأميركية تقريراً قالت فيه إن إسرائيل وإيران تقفان الآن على عتبة حرب واسعة جديدة قد تبدأ عام 2019. وجاء في التقرير أيضاً، أن التوتر في الشرق الأوسط الذي يستمر منذ عقود، قد يؤدي إلى حرب مفتوحة جديدة تتجاوز الحدود الإقليمية. وذهب التقرير إلى أن إيران قد تُجنّد في حربها ضد إسرائيل قوات إقليمية، بما فيها العراقية والأفغانية والباكستانية، بالإضافة إلى جيشها الخاص وقوات الحرس الثوري. وأشار التقرير إلى أن الميليشيات الأفغانية يتراوح عددها ما بين 15 ألفاً إلى 20 ألف مقاتل، فيما يبلغ عدد القوات الباكستانية حوالي 5 آلاف، بالإضافة إلى قوات الحرس الثوري الإيراني التي يتراوح عددها بين 8 إلى 10 آلاف مقاتل والجيش الإيراني (من 5 إلى 6 آلاف)، وفقاً لتقديرات عام 2016.
وبعد ساعات قليلة من إعلان قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي اللواء كوبي باراك، أن الحرب باتت أقرب من أي وقت مضى، والتهديد باغتيال السيد حسن نصر الله؛ كشف النقاب في إسرائيل عن خطة نشر قوات كبيرة من حرس الحدود في الضفة الغربية، بهدف «ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدثه تقليص عدد أفراد الجيش الإسرائيلي في الضفة، ونقل هذه القوات للجبهة خلال الحرب المقبلة».
وكان اللواء كوبي باراك، قائد الذراع البرية في الجيش الإسرائيلي، صرح بأن خطر اندلاع حرب تضاعف هذا العام، رغم أن جميع الأطراف غير معنية بذلك، كما كان الوضع عشية اندلاع حرب لبنان الثانية عام 2006، موضحاً أن «العملية البرية في الحرب القادمة ستبدأ في مرحلة مبكرة، وستكون واسعة وسريعة ومدمرة أكثر من الماضي».
هذا غيض من فيض ما يجري تحضيره للمنطقة، وربما أبعد، فالحروب المحلية والأهلية، وحروب المجتمع الدولي ضد الإرهاب، وتلك التي تتقنع بدعم أكثر من حليف في الوقت ذاته، لا تقتصر على طابعها الإقليمي، بقدر ما يمكن أن تتعدّاه إلى «طابع دولي» سبق أن شهدناه من خلال «حرب باردة» انتهت إلى ما يشبه صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، يتم تعويضها ومتابعتها الآن بطابع تكتيكي واستراتيجي مختلف، على أيدي وكلاء مختلفين كتجار ومرتزقة، وذلك عبر دعم «الجبهات الساخنة».
* كاتب فلسطيني. | |
|