Date: Apr 8, 2018
Source: جريدة الحياة
الاستراتيجيا الإعلامية لـ «داعش» وحتمية المواجهة في ظل «فقه التوحش» - مصطفى حمزة
يلعب تنظيم «داعش» دوراً محورياً في الحرب بالوكالة التي تخوضها دول –في شكل غير معلن- ضد منطقة الشرق الأوسط، ويعتبر الإعلام الجديد عبر»الإنترنت» أحد أهم أدوات هذه الحرب، وهو ما بدا واضحاً في إصدارات التنظيم، التي تستند إلى استراتيجية إعلامية واضحة المعالم، تتسق مع الاستراتيجية الفكرية والعسكرية العامة لـ «داعش». ولكي نتعرف إلى الاستراتيجية الإعلامية لهذا التنظيم كان لا بد من الغوص في بعض أدبياته، وأهمها وثيقة بعنوان «مجاهدٌ أنت أيها الإعلامي»، وكتاب «إدارة التوحش» لقيادي داعشي يدعى أبو بكر الناجي. وتكشف هذه الأدبيات أن «داعش» ينظر إلى الإعلام الذي تمارسه عناصره على أنه «جهادٌ في سبيل الله»، لا يقل أهمية وخطورة عن الجهاد العسكري، وأن عناصره الإعلاميين «مجاهدون»! يخوضون حرباً بلا سلاح، بل يعتبرون أن سلاح الكلمة قد يكون أقوى من القنابل الذرية، وأن نصف المعركة العسكرية يتوقف على سلاح الإعلام.

وتتميز هذه الاستراتيجية بالمهنية في تنفيذ الخطاب الإعلامي ووسائله، بما يتناسب مع الجمهور المستهدف، سواء كان أوروبا ودول الغرب، أم الحكام العرب، أم التنظيمات الإسلاموية الأخرى، أم فئة «العوام»، التي يعمل التنظيم على تجنيدهم ليكونوا ظهيراً ومدداً له في المستقبل، ولذا يوجه إليهم البيانات التي تبرر جرائمه، والتي تتضمن عدداً من الأدلة «الشرعية والمنطقية». وفي شكل مدروس يلجأ التنظيم لاستخدام الاستمالات العاطفية، للفوز بمعركة كسب العقول والقلوب، مثل استمالة الخوف، التي يكثر من استخدامها بإظهار التوحش من خلال مشاهد الذبح والحرق، والمبالغة في ذلك لتنقسم المعركة إلى معسكرين؛ معسكر إيمان لا كفر فيه، ومعسكر كفر لا إيمان فيه، بحيث يجد المترددون أنفسهم أقرب إلى الموت المحقق، فيقررون الانضمام للتنظيم للموت على الحق بدلاً من الموت على الباطل، على حد اعتقادهم الفاسد. وكما أن نجاح استراتيجية «داعش» يتوقف على فهم السياسة الإعلامية لخصومه، فإن نجاح أي استراتيجية لمواجهة التنظيم لا بد أن تبدأ من دراسة التنظيم جيداً، ووصول المواد والإصدارات إلى جمهورها المستهدف. فعلى سبيل المثال يؤمن التنظيم بأن الولايات المتحدة تصنع لنفسها هالة إعلامية تضخم من حجمها الطبيعي وقوتها على الأرض، ومن ثم يضع استراتيجية مواجهة تعتمد أيضاً على المبالغة في التوحش، وفي إظهار قوة التنظيم. وتتضمن الاستراتيجية تكتيك خطف الرهائن، من خلال عملية عسكرية، لإثارة ضجة إعلامية، تجبر مراسلي المحطات والشبكات على بث بيان للتنظيم يريدون ترويجه، مقابل تسليم الرهائن. ولتنفيذ الاستراتيجية شكل «داعش» جيشاً إلكترونياً أشبه بأجهزة الاستخبارات، يضم قسماً للرصد والمتابعة بعامة وآخر لرصد أشخاص بعينهم ومتابعة أقوالهم وتحركاتهم، تمهيداً لتوظيف مواقفهم وآرائهم ضمن إصدارات مشوقة تسقط تلك الشخصيات الجماهيرية من أعين المتابعين، وبحجج منطقية وأدلة تلقى رواجاً، ويستخدم عناصره لغزو «فايسبوك» و«تويتر»، إلى جانب تطبيقي «تيليغرام» و«بالتوك» وغيرهما.

ينقسم الإعلام الداعشي إلى قسمين، إعلام رسمي ويضم المؤسسات التابعة لما يسمى «ديوان الإعلام المركزي» في التنظيم، والذي يعد بمثابة وزارة إعلام «الدواعش»، ويبلغ عدد مؤسساته 44 مؤسسة ومركز إعلامي، من بينها (وكالة أعماق، وإذاعة البيان، ومؤسسة الفرقان، ومكتبة الهمة، ومؤسسة أجناد، ومركز الحياة، ومؤسسة الاعتصام)، بالإضافة إلى 37 مركزاً إعلامياً تمثل 37 ولاية من ولايات التنظيم والمناطق التي كانت تحت سيطرته، والقسم الثاني هو إعلام غير رسمي، يتمثل في المؤسسات والمراكز الإعلامية المناصرة.

وبلغت إصدارات المؤسسات الرسمية 3975 إصداراً، خلال الـ12 سنة الماضية من بينها إصدارات بـ11 لغة، مثل مجلة «رومية». وتتلخص استراتيجية المواجهة في نقاط عدة:

1- وضع استراتيجية إعلامية مستدامة تتعامل مع واقع الإرهاب من دون تهويل أو تهوين، مع البعد من استخدام سلاح الإشاعات ضد هذه التنظيمات، فواقعها الإجرامي يكفي للإدانة، حتى لا يفقد إعلام المواجهة صدقيته.

2 – استخدام كتاب أسلوب (Style Book) عربي لا يصف «داعش» بـ «الدولة الإسلامية»، ولا «دولة الخلافة»، ولا يستخدم مصطلح «التنظيمات الجهادية»، ولا «الجهاد الإلكتروني».

3 - تدشين جيش إلكتروني مدرب لمحاربة جيش «داعش» عبر فضاءات التواصل الاجتماعي.

4 - الحد من جرعة الإسفاف في وسائل الإعلام لأن العلاقة بين الإسفاف والتطرف طردية، فكلما زاد الإسفاف زاد التطرف، والعكس بالعكس.

5 – مراعاة البعد الديني عند وضع الاستراتيجية، باعتباره أحد المكونات الاجتماعية الأساسية في المجتمع العربي «مجتمع المواجهة».

6 – ميثاق شرف إعلامي عربي لضبط الإيقاع الإعلامي، ونقل إعلام المواجهة من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد.

7 – تحليل مضمون المحتوى الإعلامي للتنظيمات الإرهابية.

8 – تفعيل دور الإعلام الوقائي بعمل أفلام كارتون خالية من العنف، تدعو للحب والسلام.

9 - دعم الدراما الرمضانية.

10 – استخدام نظرية الإلحاح بتخصيص برنامج أسبوعي بعنوان (الإرهاب في أسبوع) يحلل الظاهرة من خلال الخبراء.

11 – تشجيع التنافسية في هذا المجال بتخصيص جائزة لأفضل برنامج وأفضل إعلامي له دور في إعلام المواجهة.


* كاتب مصري