Date: Apr 26, 2011
Source: جريدة الحياة
ضد «الفساد» - عبد السلام بنعبد العالي

حتى وقت غير بعيد كانت الحركات الاحتجاجية الكبرى التي يعرفها بعض البلدان العربية تتخذ المدارس والجامعات «ميداناً» لها، وكانت الحركات الطالبية بمختلف اتجاهاتها هي التي تبلور التناقضات الاجتماعية والصراعات السياسية.
وقته كان الحق في التعلم والحصول على الشهادات، لا يعني فقط اكتساباً لمعرفة، وإنما أساساً رقياً اجتماعياً وانتصاراً طبقياً. وهكذا، وجد الثقافي طريقه الى السياسة.


لم يكن الأمر على النحو نفسه من قبل، حيث كان الاقتصاد هو الذي يغدو سياسة، وحيث كانت ميادين الصراع هي المصانع والمقاولات، والحركات النقابية هي المجسد الفعلي للصراع الاجتماعي، ذلك الصراع الذي لم يكن أساساً صراعاً حول «الثروات الثقافية» وإنما حول الخيرات والموارد المادية. حينئذ لم تكن الشعارات ثقافية تنادي بالحق في التعلم والتكوين، وإنما اقتصادية اجتماعية تنادي بالحق في الملكية وتطالب بالتوزيع العادل للثروات، والاستفادة المتكافئة من عملية الإنتاج.


لا يظهر أن الحركات الثورية التي يعرفها العالم العربي الآن تجسد هذا التحول للاقتصاد ولا حتى للثقافة والتعلم الى سياسة، وإنما يبدو أن ما يهيمن اليوم على السياسة هو الأخلاق.
لعل الأمر يتضح لنا بجلاء إن نحن تأملنا الشعارات الأساسية التي ترفعها هذه الحركات: فهي لا تنادي أساساً بالحق في الملكية والتوزيع العادل للثروات، كما أنها لا تتخذ المدارس والجامعات ميداناً لها، ولا ترفع شعاراً لها الحق في «التغذية الثقافية»، وإنما تنادي أساساً بمحاربة الفساد وتوفير الكرامة للمواطن.
ذلك ما عبر عنه ربما أحسن تعبير ذلك الشاب المصري حينما صرّح في الأيام الأولى لاندلاع الثورة: «أنا لا أريد من الشرطي أن يسامحني إن أنا عبرت الطريق والضوء أحمر، وإنما أنتظر منه أن يطبق علي ما يُلزمني به القانون عند مخالفته، وأن يوجه إليّ تحية الشرطي في النهاية».


«شباب» الثورة لا يدافعون أساساً عن أنفسهم كعمال منتجين، ولا حتى كأفراد لهم أساساً الحق في التعلم والتكوين، وإنما كمواطنين ذوي كرامة.
لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن هؤلاء «الشباب» لا يدركون ضرورة المطالب الأخرى، وأن الأخلاق حينما تحولت الى سياسة قد ضحت بالمطالب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كما لا يعني أن المواجهات الأخرى قد وجدت حلولها، وأن الإضرابات النقابية و «الاضطرابات» الجامعية لم يعد لها مكان. كل ما في الأمر أنها غدت تجد حلها غالباً في المفاوضات والحوار والتراضي.


* كاتب مغربي