| | Date: Apr 4, 2018 | Source: جريدة الحياة | | معايير اختيار نخب الحكم في مصر - كرم سعيد | «أضاع زعماء مصر فرصة تاريخية لاختيار أول حاكم مصري بإرادة شعبية، بتنصيبهم محمد علي، والياً على مصر». هكذا علّق المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي، بعد قيام عمر مكرم ورفاقه، بعزل الوالي العثماني خورشيد باشا، واختيار محمد علي في 9 تموز (يوليو) 1805. والواقع أن اختيار المصريين لمحمد علي حاكماً، جاء مسكوناً بالعواطف، ومشاعر المحتجين الإيجابية تجاه الضابط الألباني الذي رفض تنفيذ تعليمات الوالي العثماني بجمع الجباية، من دون أن يستند هذا الاختيار على أسس، وقواعد ملزمة لعملية الاختيار. والأرجح أن عائلة محمد علي تمكّنت على مدار أكثر من مئتي عام من تأميم الحياة السياسية في مصر، وظلت طريقة بناء العلاقات مع الجمهور تعتمد على المصالح المباشرة والآنية وتفتقر إلى الاستمرارية والموضوعية.
ومع قيام ثورة 1952 وتولي المؤسسة العسكرية مقاليد السلطة، تحولت العملية الانتخابية إلى طقس احتفالي، وبرزت ظاهرة الاستفتاءات الرئاسية التي كرسها البناء الدستوري والقانوني. فالدساتير والإعلانات الدستورية التي صدرت بدءاً من دستور 1923 وحتى دستور 1971 وتعديلاته والتي كان آخرها في العامين 2005 و2007 لم تتم صياغتها بمشاركة شعبية حقيقية. وعلى رغم أن الرئيس السابق حسني مبارك فاجأ الجميع بمبادرة 26 شباط (فبراير) 2005 بتعديل المادة 76 من الدستور، والتي ضمنها بمجموعة من الشروط التي رآها ضمانات مهمة للتحول من طريقة الاستفتاء لطريقة الانتخاب الحر المباشر بين مرشحين متعددين، فإن هذا التعديل فقد زخمه في أول اختبار.
غير أن مشهد الانتخابات في مصر شهد تغيراً نوعياً منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وما تلا ذلك من تغيرات سياسية انعكست على طبيعة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، إذ حرّكت المياه الراكدة في بحر السياسة المصرية، إلا أن محددات التصويت في اختيار المصريين لمن يحكمهم ما زالت غير متسقة وتعتمد على الهوى وليس البرنامج.
ويخطئ من يظن أن المصريين تحكمهم قاعدة في اختيار رئيسهم، فثمة معايير عدة، أولها القبول النفسي للمرشح، وتلعب اعتبارات الشكل ونبرة الصوت وملامح الوجه دوراً معتبراً لدى قطاعات واسعة من الناخبين، وكان بارزاً، هنا، قناعة قاعدة معتبرة من الهيئة الناخبة بالمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي باعتباره رجل دولة، ناهيك عن صورته النمطية في ذهنية البسطاء كونه الذي أنقذ البلاد من تيار راديكالي أدخلها في سلسلة من التراجع الاقتصادي والفضائح السياسية. ويرتبط المعيار الثاني الذي يحتكم إليه آخرون في تصويتهم للحاكم على ثقافة السمع التي تغزو مجتمعاتنا، سواء عبر الإعلام المرئي أو ومواقع التواصل الاجتماعي، وبرز ذلك في جدل شهدته مواقع التواصل الاجتماعي، والفضائيات في شأن جدوى المشاركة في رئاسيات 2018 من عدمها، وهو الأمر الذي أعاد صياغة توجهات قطاعات من الهيئة الناخبة في شأن المشاركة.
وحقيقة الأمر أن ثقافة التلفزيون والإنترنت على رغم دور لا تخطئه عين في صياغة جزء من الوعي الثقافي وانعكاساتها على اتجاهات وتوجهات الناخبين، إلا أن الاعتماد المفرط عليها يضر بالعملية الديموقراطية، إذا أنها أقرب إلى ما يمكن تسميته الثقافة البنكية التي تعتمد على الترديد والحفظ والامتثال والاستظهار ولا يبقى مجالاً للتساؤل والتفكير والفهم.
وراء ذلك يبقى معيار المصلحة، أحد محددات الاختيار لشخص الحاكم.
ويرتبط المعيار الرابع بالأيديولوجية بعيداً عن فكرة البرنامج الانتخابي، فالتوجه العقائدي كان الملمح الواضح في انتخابات 2012، على رغم هشاشة البرامج التي طرحها مرشحو الرئاسة آنذاك.
والواقع أن المصريين في كل الرهانات الانتخابية لحكامهم طوال التاريخ الحديث لم يعيروا أهمية تذكر للبرامج، ويمكن الإشارة هنا إلى مرشحي رئاسيات 2018 لم يقدموا برنامجاً انتخابياً بمفهومه السياسي، فالمرشح الأوفر حظاً السيسي اعتمد على تقديم كشف حساب لإنجازاته في فترته الرئاسية الأولى، أما مرشح الظل موسى مصطفى موسى، فكانت العبارات الفضفاضة هي عمود برنامجه الانتخابي.
وبعيداً مِن أن فكرة البرنامج الانتخابي ظلت هامشية لدى من حكموا مصر، فثمة اعتقاد قوي لدى كل من خاض الاستحقاق الرئاسي في مصر منذ العام 2011، وحتى اليوم أن الناخب المصري عموماً في فترات التحول الثوري لا يبدي اهتماماً بالبرنامج قدر ما يبحث عن المخلص الذي يستطيع إنقاذ البلاد من أكبر عملية تحرش في تاريخها المعاصر.
لذلك تعامل كل مرشحي الرئاسة في مصر مع فكرة البرنامج الانتخابي على أنها ليست أكثر من ديكور ديموقراطي، الأمر الذي لعب دوراً سلبياً في تعزيز ثقافة الديموقراطية.
صحيح أن قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى في مصر ما زالت تفتش قبل تصويتها عن البرنامج، إلا أن التغيرات في المشهد المصري، وتصاعد حالة الاستقطاب المجتمعي، جعلت الاعتبارات المصلحية، والصورة الذهنية للمرشحين في الوعي الذهني محددات لاختيار أولي الأمر. | |
|