Date: Mar 17, 2018
Source: جريدة الحياة
الانتخابات النيابية ترفع وتيرة التصعيد بين أهل الحكم - خالد غزال
شهد لبنان أخيراً موجة من التصعيد الكلامي بين بعض أهل الحكم من ممثلين للشيعية السياسية وآخرين للمسيحية السياسية. ليس غريباً اندلاع مثل هذه السجالات بين حين وآخر، فهي انعكاس للخلافات السياسية ووسائل معالجة المشكلات. لكن السجال هذه المرة تميز بنبرة حادة غير مسبوقة في التعبير الذي جاء من الطرفين حاملاً ألفاظاً سوقية ومبتذلة، لا تليق بوزير ولا حتى بمواطن عادي. والغريب أن السجال اندلع على قاعدة اتهام كل طرف للآخر بالفساد وسرقة المال العام وتعطيل عمل المؤسسات، وهي اتهامات تتشارك فيها الأطراف المتساجلة، بحيث يمكن القول إن كل واحد منهم كان ينطق بالحقيقة عن الطرف الآخر. تكمن وراء السجال عوامل متعددة تتعلق بالوضع الراهن ومستقبل البلد بعد الانتخابات.

العنصر الأول في تسعير السجال يتصل بالانتخابات النيابية التي انطلقت عملياً، ووضعت القوى السياسية أمام استحقاقات غير معروفة النتائج. ليس الخوف على هذه الطبقة أن تخترقها قوى ديموقراطية تغييرية، بل من الصراعات المندلعة بين بعضها البعض على المقاعد النيابية. تعتبر هذه الانتخابات جديدة على القوى السياسية وعلى الشعب اللبناني. فالقانون الجديد القائم على النسبية، بدأ يدخل القلق إلى الكتل الرئيسية من النتائج التي سيرتبها، بعد أن زالت المحادل التي كان يفرضها القانون الأكثري. مما جعل التحالفات تزيد الأمر تعقيداً بين الكتل والتيارات السياسية. وأسوأ ما في القانون هو ما بات يعرف بالصوت التفضيلي الذي يُعطى لمرشح واحد فقط في اللائحة، ما جعل الصراع والتنافس قوياً بين أفراد اللائحة المرشحة نفسها حول من سينال الصوت التفضيلي. هكذا تحولت الانتخابات إلى ما يشبه مشفى مجانين، يختلط فيها الحابل بالنابل. ولأن القانون يعتمد الطائفية قاعدة للانتخاب، يصبح من لزوميات المعركة استخدام التزخيم الطائفي وشد عصبه من الضروريات التي لا بد منها. في هذا السياق يندرج احد عناصر السجال المندلع.

العنصر الثاني الذي تسبب في السجال، والمتوقع ازدياده، هو اندراجه ضمن صراع المحاصصات الطائفية على المواقع الأساسية في الدولة. تصعّد المسيحية السياسية من معركتها تحت عنوان استعادة الصلاحيات المسروقة منها في اتفاق الطائف. في المقابل، يندرج تصعيد الشيعية السياسية في سياق تعديل اتفاق الطائف بما يعطيها موقعاً في السلطة يتناسب مع حجمها العددي، ومع السلطة التي يؤمنها لها سلاح حزب الله، وهي تسعى من أجل ذلك لتكوين كتلة متراصة تشكل «بيضة القبان» في الحكم المقبل، وتمكنها من التحكم برقاب الحكم والحكومة. لا يعني ذلك أن سائر القوى غير مهتمة بأوزانها في البرلمان المقبل، لكنها تعاني من الانقسامات الحادة وعدم القدرة على بناء تحالفات موحدة، فكل كتلة تريد المواقع على حساب الأخرى. ولا تتورع أي قوة عن استخدام التحريض الطائفي والمذهبي لشد الجمهور إليها.

العنصر الثالث يتصل بمرحلة ما بعد الانتخابات. لا يخفى أن الجميع يتعاطى مع النتائج التي ستسفر عنها بوصفها ستحدد مصير البلد مستقبلاً. فالمجلس الجديد سينتخب رئيس الجمهورية المقبل، وسيمكنه إدخال تشريعات جديدة تطال بنية النظام ومجمل التركيبة الطائفية، إذا ما تمكنت الكتل الداعية لهذا التعديل من المجيء بقوة برلمانية تتيح لها إقرار مثل هذه التعديلات. يسود كلام كثير في أروقة القوى السياسية عن الأهداف البعيدة التي تسعى إليها قوى محلية وإقليمية لتغيير صورة لبنان الحالية أو الموروثة، وذلك عبر انقلاب سلمي يتم بواسطة السلطة التشريعية.

أين تقف قوى الاعتراض وسط هذه المعمعة؟ إن ما كان يعرف بمعارضة ديموقراطية وعلمانية في العقود الماضية تعاني من الهامشية والتهميش، ولا مكان لها سوى إعادة بناء نفسها مستفيدة من الانتخابات كفرصة للتحريض وتقديم البرنامج البديل. أما ما يعرف بقوى المجتمع المدني التي نبتت كالفطر في الأشهر الأخيرة، فقد أتت الانتخابات لتكشف ضحالتها السياسية وتخبطها، وعجزها عن التوحد في لوائح معارضة. بدا التنافس الفردي والنرجسية لدى البعض عنصراً يزيد من خلافاتها، بما سيجعلها عاجزة عن تحقيق أي اختراق.

تبقى كلمة في شأن البرامج الانتخابية التي تطلقها كل كتلة سياسية عند تقديم ترشيحاتها. جميع البرامج مكللة بالورود والوعود في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. المدهش أن هذه القوى السياسية– الطائفية حكمت البلد، ولا تزال، منذ عقود، فلماذا لم تحقق هذه الإصلاحات التي تعد بها الآن. هذه القوى والكتل امتهنت نهب المال العام وأشاعت الفساد في كل مرفق من مرافق الدولة، وانتهكت القوانين... لم تترك مجالاً إلا وعبثت به، وهي تطل على اللبنانيين بوعود وبرامج إصلاحية. كيف يمكن لفاسدين ومفسدين أن يتجرأوا على تقديم هكذا أطروحات، والمحاضرة بالعفة في شكل لا يصدقه العقل؟

* كاتب لبناني