| | Date: Mar 4, 2018 | Source: جريدة الحياة | | الأمم المتحدة والفشل في إنقاذ طفل واحد في الغوطة - مرزوق الحلبي | أرجح أن النشر عن تقرير سريّ للأمم المتحدة يؤكّد إرسال كوريا الشمالية إلى سورية مستلزمات لبناء منشأة كيماوية يندرج في إطار الضغط على كوريا الشمالية في شأن مشروعها النووي، لا في إطار الحديث عما هو حاصل من تقتيل في الغوطة وعموم سورية. بمعنى، إن وجهة الاهتمام الأميركية هي الشرق الأقصى لا الشرق الأوسط. وهذا بالتحديد يقول أكثر من شيء واحد عن المنظومة الدولية وتعاطيها مع الأزمة السورية باعتبارها مقتلة مستمرة منذ قرابة سبع سنوات.
محصّلة المسألة أن هيئات الأمم المتحدة لم تستطع إنقاذ طفل واحد من أطفال الغوطة الشرقية في الأسبوعين الأخيرين. وهو استمرار «طبيعي» لعجزها عن إنقاذ حلب. بل أظن أن «ملصقات» الفنان السوري منير الشعراني عن حلب والغوطة أثّرت في الواقع أكثر بكثير من مواقف وأداء هذه الهيئات.
إذا ما نظرنا إلى البند السابع لنظام مجلس الأمن سنجد أنه ينطبق على الأزمة السورية المفتوحة، لجهة اقتراف النظام وحلفائه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مثل التطهير العرقي والإبادة، ولجهة استعمال أسلحة محرّمة دولياً كالأسلحة الكيماوية، ما يدخل منها في القانون الدولي وما لا يدخل. ومع هذا لم يحصل التدخّل ولو في حدود إقامة المناطق الآمنة أو فتح ممرات آمنة للمدنيين للخروج من مناطق القتال والعمليات العسكرية. بمعنى أن مجلس الأمن كآلية لوقف المجزرة لم يعمل أبداً. في تحليل نقدي لـ «أداء» مجلس الأمن الدولي في الأزمة السورية - وفي أزمات أخرى - سنجد أنه تمّ شلّ عمل المجلس بأيدي روسيا والصين كآلية لإدامة التقتيل والأزمة ليلعب «المجلس» دوراً معاكساً لغايته.
من هنا تبدأ سلسلة هزائم هيئة الأمم في سورية. فما دامت الذراع الفاعلة عاجزة وتعمل عملاً معاكساً لوظيفتها، فقد تعطّلت أعمال الإغاثة الإنسانية أيضاً أو أنها تمّت جزئياً من خلال دفع الخوة لرجالات النظام وعصاباته أو من خلال تسليمها لهم ليتاجروا بها في السوق السوداء. حتى مثل هذه المهمة تعذرت على الهيئة الأممية، الأمر الذي عكس وضعها العالمي كإرث تقادم لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. مكانة تستوجب إعادة ترميمها في ضوء التحولات الكُبرى. أقول هذا مشكّكاً في ذلك راهناً على الأقل.
لقد تغيّرت خارطة المصالح الدولية بشكل جذري منذ الحرب العالمية الثانية بفعل الزمن، وأكثر بفعل العولمة وسيرورتها الكاسحة. كما تمّ انهيار «العُرف الدولي» بوصفه قانوناً ومواثيق وتفاهمات كان هدفها، في ضوء ويلات تلك الحرب وجرائمها، تقليص مساحة النزاعات ومنع الحروب ومآسيها. صحيح أنها لم تُلغ رسمياً لكن أُرْجِئت عملياً أو وُضعت في الأدراج لأنها في ماهيتها وغايتها شكّلت منظومة من الكوابح والقيود على استعمال القوة العسكرية في داخل الدول وفي ما بينها.
يبدو أن الدول الأقوى في المنظومة الدولية غير منزعجة من هذا الهبوط والتراجع في مكانة هيئات الأمم المتحدة بل تستفيد منه وتستثمره لتعزيز ما يُمكن أن تعتبره مكاسب وطنية أو فرصة لاعتراض مشاريع تعتبرها مضادة. بل ردود الفعل الدولانية على الانهيارات التي تسببت بها العولمة تأتي على حساب الشعوب وبدمها. ومع هذا، فإن تعزيز دور الأمم المتحدة في المرحلة القريبة يستدعي ثلاثة تغييرات فورية من شأنها وقف النزيف في كثير من المواقع بما فيها سورية.
الأول - أن تتمّ زيادة عدد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من خمس دول هي العُظمى غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى 9 دول على الأقلّ.
الثاني - زيادة عدد الدول غير الدائمة العضوية إلى 25 دولة في كل دورة.
الثالث - أن تكون القرارات في حال حصول جرائم الحرب بالغالبية لا بالإجماع، أي لا مناص من إلغاء حق النقض (الفيتو) باعتباره المنفذ الذي يتسلّل منه النظام السوري وحلفاؤه إلى تنفيذ المقتلة.
مثل هذه التغييرات لازمة كجزء من التعامل مع زيادة عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالعشرات، منذ إقرار دستور الهيئات الأممية، من أجل خلق توازنات عالمية جديدة توقف الجرائم ضد الإنسانية وتمنع الحروب. وهي تطرح سؤالاً فلسفياً أساسياً وهو: لماذا تعمل الديموقراطية في الدول ذاتها (داخلها) وفق مبدأ الأكثرية مقروناً بمنظومات الكبح والتوازنات، بينما مجلس الأمن يقوم على مبدأ القرار بالإجماع؟ صحيح أن الأمر في بدايته كان انعكاساً لتوازن قوى في حينه، إلا أن آلية الإجماع هذه التي خدمت ردحاً من الزمن صارت تعمل بشكل معاكس لغايتها الأولى - فصيغة العمل هذه هي التي صارت مقصلة فوق رقاب الشعوب، وسورية مثل.
| |
|