Date: Feb 23, 2018
Source: جريدة الحياة
حرب عفرين تفتتح مرحلة «الأردوغانية» وتختتم «الأتاتوركية» المترهلة - حسين جمو
في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2017 اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقادة حزبه، «العدالة والتنمية»، وطلب منهم الاستعداد لانتخابات 2019، وهي ثلاث: الأولى الانتخابات البلدية في آذار(مارس)، والانتخابات التشريعية والرئاسية في تشرين الثاني(نوفمبر). في ذلك الاجتماع حدد أردوغان أهمية الانتخابات الثلاثة بتعبير جامح: «ستحدد انتخابات 2019 مستقبل تركيا لنصف قرن مقبل».

الاطلاع على المشهد المحلي للأحزاب السياسية في تركيا يضع مقولة أردوغان - نصف قرن في إطارها الواقعي. هي ليست مبالغة ولا عبارة هدفها التحشيد الفارغ من المحتوى. هذا ما ستؤسس له الانتخابات الثلاثة العام المقبل في أول انتقال للنظام الرئاسي الذي يتم تطبيقه فعلياً منذ عام 2015.

ما الذي يمكن أن يحول دون سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على مفاصل «مستقبل تركيا» ؟ إنها عفرين!

ما الذي يمكن أن يكرس هزيمة مبكرة لكل أحزاب المعارضة ويفتح الباب أمام مرحلة «الأردوغانية» في الحياة السياسية التركية واختتام «الأتاتوركية المترهلة ؟ إنها عفرين!

أظهرت خريطة التحالفات الحزبية خلال العامين الماضيين أن إلحاق الهزيمة بالتحالف القومي– الإسلامي المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية والجناح الشرقي (الأوراسي) من تنظيم أرغنكون، مهمة مستحيلة بالاعتماد على الديناميات المحلية في تركيا.

قرار الحرب على عفرين اتخذه هذا المثلث الذي يقود تركيا برؤية مشتركة. العضو الأخطر في هذه الدائرة العليا للقرار التركي يدعى دوغو بيرنجيك. وكان أحد أبرز المتهمين ضمن عصابة أرغنكون. وحكم عليه بالسجن 117 سنة في عام 2013. إلا أن تغير التحالفات الداخلية دفعت بأردوغان إلى إيجاد مخرج قضائي لإنهاء محاكمة كل المحكومين، بمن فيهم بيرنجيك، عام 2014 بحجة أن الأمن والقضاء كانا مخترقين من «الكيان الموازي» الذي يقصد به جماعة فتح الله غولن.

وقضية أرغنكون بدأت مع ضبط 27 قنبلة يدوية في إحدى الشقق بحي عمرانية في إسطنبول يوم 12 حزيران(يونيو) 2007، واستمرت القضية في المحكمة 6 أعوام وشهرين. لاحقاً، حين شن أردوغان الحرب على فتح الله غولن لم يجد حليفاً أفضل من مخضرمي «أرغنكون» لمواجهة ما سمّي «الكيان الموازي». ولم تقم الحكومة بعرض أي أدلة قاطعة على تورط «الكيان الموازي» في مؤامرة ضد أردوغان قبيل تفجر الخلاف بين الطرفين عام 2014، وتم تحويل تحضيرات جماعة فتح الله غولن بكيفية الحفاظ على الطابع الإسلامي للحكم في حال سقوط حزب «العدالة والتنمية» إلى مؤامرة روجت لها الحكومة أكثر مما هي موجودة في الواقع. كان انشغال غولن بموقع حركته في تركيا ما بعد أردوغان خطأ لا يغتفر في نظر الأخير.

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تموز(يوليو) 2016، أنشأ أردوغان تحالفاً ضم زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، وزعيم «الحزب الوطني» دوغو بيرنجيك. هذا المثلث تأسس لمواجهة أعداء مشتركين: فتح الله غولن، حزب الشعوب الديموقراطي، منافسو أردوغان في حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم أحمد داوود أوغلو وعبدالله غل، ومنافسي باهجلي في حزب الحركة القومية (ميرال أكشنر).

لم يحصل الحزب الوطني سوى على 0.25 في المئة في الانتخابات البرلمانية في 2015. وهو يعد أصغر أحزاب تركيا. لكن خطورته تكمن في تأثيره الاستثنائي في القرار التركي. هذا يعني أن قوته الظاهرية عبر حزبه الصغير غطاء لموقعه الحقيقي، فهو عرّاب العلاقات التركية مع روسيا، وصديق مقرب جداً من حليف بوتين (ألكساندر دوغين)، وكان بيرنجيك بمثابة الرئيس الفعلي لـ «الدولة الخفية» في تركيا، وهي معطيات كشفتها ملفات المحاكمات التي رافقت قضية أرغنكون.

إضافة إلى روسيا، يحظى هذا التحالف الثلاثي التركي بدعم الدوائر السياسية البريطانية. في تركيا وكردستان هناك قناعة معلنة بخصوص بريطانيا. إنها تستخدم تركيا ضد أوروبا من أجل تحسين موقعها في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكنها تلحق ضرراً كبيراً بالشعب الكردي بهذه الطريقة وتدعم دكتاتورية «غير مرئية»، تجيد التخفي وراء المؤسسات. على رغم التناقض الكبير بين روسيا وبريطانيا بخصوص سورية، إلا أن الدولتين تدعمان الصيغة الحالية في السلطة التركية.

وفقاً لوجهة نظر بيرنجيك، تحتاج تركيا إلى تحالف مع روسيا، على غرار التعاون المناهض للإمبريالية مع السوفيات في أيام كمال أتاتورك.

وفقاً لهذا فإن الضلع الذي يقود المثلث الإسلامي القومي الأوراسي هو بيرنجيك الذي اعترف في مقابلة له مع موقع «أحوال» المتخصص في الشؤون التركية أن روسيا أول من حذرت من حدوث محاولة انقلابية على أردوغان. بيرنجيك يقود دفة تركيا باتجاه روسيا ويعتبر السياسات الغربية ذات جذور صليبية. ولديه كتاب بعنوان «الرجعيون الصليبيون» صدر عام 2007 اتهم فيها حزب العدالة والتنمية بخدمة المصالح الصليبية. وبعدما تحالف معه أردوغان صرح بيرنجيك أنه كان يقصد حركة «خدمة» التابعة لغولن.

هذا التحالف الثلاثي (أردوغان – بهجلي- بيرنجيك) يقود الحرب التركية على عفرين. الديناميات المحلية التركية غير قادرة على هزيمة هذا التحالف المهيمن على الحياة السياسية، وهو التحالف الذي دمر عملية السلام بين الحكومة والأكراد، وأشعل الحرب داخل تركيا.

نتيجة الحرب في عفرين تحدد الخريطة السياسية داخل تركيا. كيف؟

إذا فشلت تركيا في احتلال عفرين فإن هزيمة تركيا ستتحول إلى ورقة رابحة في البرنامج الانتخابي لحزب الشعوب الديموقراطي ضد التحالف الثلاثي (الإسلامي – القومي – الأوراسي). في الجبهة المعارضة هناك أحزاب أخرى غير متعاونة، على رأسها «حزب الشعب الجمهوري»، و«الحزب الجيد» بزعامة ميرال أكشنر. والحزبان متأقلمان مع الحرب على عفرين في الوقت الحالي لكن سيستفيدان من الهزيمة التركية للحصول على بعض الأصوات الغاضبة من التحالف الثلاثي. المعضلة التي تواجهها أحزاب المعارضة التركية أنها أبعد ما تكون عن التوافق، ولا أفق لأي تحالف انتخابي في ما بينها.

لكن ستظهر فعالية الأحزاب الثلاثة في الانتخابات الرئاسية اذا اتفقت على دعم مرشح مشترك في مواجهة أردوغان، على عكس الانتخابات البلدية والبرلمانية التي ستكون فيها أحزاب المعارضة في حالة تنافس شديد، خصوصاً أن استطلاعات رأي أظهرت أن حزب ميرال أكشنر يكتسب أنصاراً من قواعد حزب الشعب الجمهوري أكثر من القاعدة التقليدية لحزب الحركة القومية الذي انشقت عنه أكشنر.

من دون انتصار الكرد في عفرين قد يكون من الصعب على حزب الشعوب الديموقراطي تخطي الحاجز البرلماني (10 في المئة). وبناء على نتيجة هذه الحرب سيتخذ الحزب قراره الحاسم في المشاركة بقائمة حزبية (في حال هزيمة تركيا في عفرين) أو عبر المرشحين المستقلين في حال كانت نتيجة الحرب لمصلحة حزب العدالة. كما أن حظوظ «الحزب الجيد» بقيادة أكشنر قليلة في تخطي الحاجز البرلماني، وفي هذه الحالة فإنه في حال كسب الجيش التركي الحرب في عفرين فهناك أخطار قوية بأن يخفق حزبان في دخول البرلمان: حزب الشعوب الديموقراطي والحزب الجيد. وبخصوص حزب الحركة القومية فإن حظوظه منخفضة للغاية مهما كانت النتيجة في عفرين، لأن حزب العدالة والتنمية هو الذي سيحصد مكاسب الحرب. وسيكون البرلمان حكراً على حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، في نظام سياسي يعيد تركيا إلى الثنائية الحزبية التي سادت بين عامي 1950 و1960.

الملفات متشابكة بين الداخل التركي والحرب في عفرين. هزيمة تركيا في عفرين تتيح فرصة كبيرة لإزاحة هيمنة حزب العدالة والتنمية على الحياة السياسية، وسيكون احتمال إزاحة أردوغان عن الرئاسة كبيراً للغاية. وسيرافق ذلك تغيير موقع تركيا في التحالفات الإقليمية والدولية، وإعادة تشكيل السياسة الخارجية بما يتلاءم مع البرنامج التقليدي لتركيا في التقارب مع الغرب وعلاقات باردة مع روسيا وإيران. وعلى العكس تماماً، انتصار تركيا في عفرين ورقة رابحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استخدام تركيا ضد المصالح الأميركية عبر أردوغان وحلفائه. فبعد مرور شهر على عملية «غصن الزيتون» ما زالت تركيا ورقة روسية قوية في وجه أميركا، لذلك تضغط روسيا بكل قوة على النظام السوري لضمان أن تكون صيغة الاتفاق بين النظام ووحدات حماية الشعب استسلامية وليست «شراكة ضد الاحتلال التركي»، ذلك أن أي صيغة غير الاستسلام تضر بمكانة أردوغان داخل تركيا، وتضعف الآمال الروسية في وضع تركيا وجهاً لوجه أمام أميركا.

إذا كان النظام السوري يرغب في المساهمة بوضع نهاية لمستقبل أردوغان السياسي، وبالتالي قوى الإسلام السياسي، فإنه سيحرص على أن تبقى عفرين بالشكل الذي تصبح فيه مثالاً لهزيمة أردوغان.