| | Date: Feb 22, 2018 | Source: جريدة النهار اللبنانية | | سِحْرُ الخطأ التاريخي: لبنان الكبير - أمين الياس | جاء العام 1975 عامًا فاصلًا في تاريخ لبنان السياسي لما عناه من تكريس للانقسام المسيحي الإسلامي في لبنان حول هويّته وشخصيَّته ودوره ونمط حياته وعلاقاته وحتى ديمومته وطبيعة نظامه السياسي والاجتماعي.
أخطأ تاريخي؟
للمرّة الأولى بعد إعلان دولة لبنان الكبير العام 1920 والتسوية الميثاقيَّة العام 1943 بدأ المسيحيُّون التفكير بإعادة النظر بلبنان الكبير. كثيرون من المسيحيّين لاموا البطريرك الياس الحويّك على إصراره على حدود لبنان الكبير وضمّه تلك المناطق ذات الغالبيَّة المسلمة. كثيرون منهم أيضًا ندموا على تسوية العام 1943 ورأوا وقوف المسلمين إلى جانب كل التيَّارات العربيَّة وصولًا لتفضيلهم البندقيَّة الفلسطينيَّة على سيادة لبنان واستقلاله وازدهاره وأمنه وجيشه خرقًا فاضحًا لميثاق 1943. هنا علت بينهم المطالبات بالعودة لحدود لبنان الصغير. كانت هذه المطالبات تبدأ بالفدراليَّة ولا تنتهي بالتقسيم، مرورًا بتيار دعا للعلمنة الشاملة. وقد يكون الكتاب الضخم (الذي هو كناية عن مجموعة من الكتيّبات الصادرة عن نخبة مفكّرة في جامعة الروح القدس الكسليك) أدل تعبير على شعور الخيبة لدى النخبة المسيحية من تجربة العيش مع المسلمين؛ كان عنوان الكتاب: "لبنان الكبير مأساة نصف قرن".
قد تكون هذه النخبة أوَّل من طالب بثنائيَّة العلمنة والفدرلة في لبنان. وهي أوردت اقتراحاتها في مجلّد ضخم بعنوان "لبنان الكبير مأساة نصف قرن". ففي كُتَيِّب بعنوان "إعرف حقيقة لبنان السياسي" الصادر بعد عام على اندلاع الحروب في لبنان (1976) طُرح نموذج "الدولة الكونفدراليَّة الواحدة" بحيث يتشكَّل اتِّحاد "مقاطعات" يكون لكلِّ مقاطعة "استقلالها الذاتي". في شباط العام 1977 برز هذا الاقتراح بشكل أكثر وضوحًا في كتيِّب آخر بعنوان "نظام سياسي مقترح للبنان الجديد" حيث طُرح "الحلّ الفدرالي" كسبيل للخروج من أزمة النظام السياسي في لبنان. وقد أتبِع هذا الكُتيِّب بمذكرة صادرة عن اللجنة السياسيَّة المنبثقة عن مؤتمر البحوث اللبنانيَّة - الكسليك حول "أربع صيَغ جديدة ممكنة لبناء لبنان الجديد". في هذه المذكَّرة برزت ثنائيَّة العلمانيةَّ - الفدراليَّة بوضوح كصيغة لحلّ أزمة النظام اللبناني. كان هذا الاقتراح موجَّهًا من نخبة مسيحيَّة إلى المسلمين اللبنانيِّين تقول لهم فيها بما معناه: إمَّا العَلْمَنَة وإمَّا الفَدْرَلَة". كان هذا الاقتراح محاولة ردّ على مقال للمدير العام لدار الإفتاء في الجمهورية اللبنانيَّة، السيِّد حسين القوتلي، يعبِّر فيه بصدق عن الوجدان المسلم، خاصَّة السني منه. يقول في مقدمة مقاله "عن الصيغة والخوف والمساواة" المنشور في 18 أيلول 1975 التالي: " إمَّا أنْ يكون الحاكم مسلمًا والحكم إسلاميًّا فيرضى عنه [المسلم] ويؤيِّده وإمَّا أن يكون الحاكم غير مسلم والحكم غير إسلامي فيرفضه ويعارضه ويعمل على إلغائه باللين أو بالقوة بالعلن أو بالسر. هذا موقف واضح [...] هو في أساس عقيدة المسلم. وإنَّ أي تنازل من المسلم عن هذا الموقف أو عن جزء منه، إنَّما هو بالضرورة تنازل عن إسلامه ومعتقده [...]". معتبرًا أنَّ الصيغة اللبنانيَّة آنذاك هي "صيغة مسيحيَّة"، وأنَّ "الحلَّ الأساسي [لأزمة الحكم في لبنان إنِّما هي] الدعوة لإقامة حكم إسلامي في لبنان"، يخلص القوتلي في مقاله إلى عرض تسوية على المسيحيِّين مفادها التالي: تنازلوا عن الحكم المسيحي للبنان لكي يتنازل المسلمون عن الحكم الإسلامي بهدف تحقيق "مجتمع العدالة المساواة". ولا يفوت القوتلي أنْ يرفض كلَّ الاقتراحات المطالبة بـ"العلمنة" معتبرًا هذه الدعوات "إحراجًا للمسلمين" ذلك أنَّ هؤلاء لا يمكنهم ان يقبلوا بفصل الدين عن الدولة وهم يؤمنون بالإسلام "نظامًا كاملًا، دينًا ودولة".
مهما كانت التفسيرات المعطاة لهذا المقال، تبقى عبارته الأقوى هي تلك المعبِّرة تمامًا عن قناعة الوجدان السني في لبنان: الحل الأنسب هو الحل الإسلامي، وكل ما هو دون ذلك يُعتبَر تنازلًا من المسلم أو منَّة منه على الشريك الآخر في البلد. طبعًا، هذا المنطق لم يكن من الممكن أنْ يقبل به مسيحيُّو العام 1975، فكان ردُّهم: إمَّا العلمنة وإمَّا الفدرلة. طبعًا هنا لا يجب أن ننسى توجهات الشيعيَّة السياسيَّة، بعد تغييب الإمام موسى الصدر، والتي ذهبت بمعظمها إلى تبنّي النموذج الإسلامي الإيراني، ولربما خير دليل على ذلك ليس فقط شرعة حزب الله السياسيَّة الصادرة العام 1985 والتي يعلن فيها هدفه بجعل لبنان جزءًا من الجمهورية الإسلاميَّة بقيادة ولي الفقيه، بل بمشاريع الدساتير الإسلاميَّة التي عمل عليها العديد من الأئمة الشيعة من أمثال محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله وغيرهم (رغم أنهم عادوا وحادوا عن هذه المشاريع فيما بعد، لكن الواقعة كانت قد وقعت وتمّ أسلمة الاجتماع الشيعي بشكل كبير)، دساتير تهدف لتحويل لبنان، بعد أسلمة مجتمعه لدولة إسلاميَّة تحكمها الديموقراطيَّة العدديَّة الطائفيَّة الإسلاميَّة (ضمنيّاً الشيعيَّة).
وعليه حكمت ثنائية الفدرلة - العلمنة كل الجدل السياسي - الفكري في لبنان حتَّى كان اتفاق الطائف عام 1990 اتفاق فرضته التحوُّلات الدوليَّة والإقليميَّة في منطقة الشرق الأوسط على لبنان بحيث يوضع هذا البلد الصغير تحت الوصاية السوريَّة بموافقة ومباركة الدول الكبرى وأهمّها الولايات المتحدة الأميركيَّة.
تسوية ما بعد الطائف: استمرار سحر لبنان الكبير
انسحب الجيش السوري ومخابراته من لبنان في نيسان 2005 إبَّان تحوُّلات إقليميَّة ودوليَّة ومحليَّة أهَّمها أحداث 11 أيلول 2001 والاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 واغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005. عادت "المارونيَّة السياسيَّة" لتحتلَّ مكانها في النظام الطائفي اللبناني بعد إبعاد دام خمسة عشر عامًا إثر هزيمة 13 تشرين الأول 1990، بعد أنْ كانت الطائفيَّات السياسيّة الإسلاميَّة قد تقاسمت مغانهما برضى وتحكيم سوريَّين.
كان من المنطقي أنْ تصطدم طموحات "المارونيَّة السياسيَّة" المستجدَّة بإرادة الطائفيَّات الإسلاميَّة للمحافظة على مغانمها. وعلى الرغم من انقسامها السياسي، فقد برزت رغبة عارمة عند كلِّ أطياف المسيحيَّة السياسيَّة لا سيَّما المارونيَّة منها بزيادة حصتها من النظام الطائفي السياسي في لبنان والتي مثَّل التيار الوطني الحرّ بقيادة الرئيس ميشال عون أبرز تجليَّاتها.
لربّما الشلل التام الذي ضرب الدولة اللبنانية منذ العام 2005 وحتى أيلول 2016 كان أبرز دليل على انتهاء صلاحية اتفاق الطائف كما تمّ تطبيقه منذ العام 1990. كانت الأزمة الرئاسيَّة باكورة هذا الشلل، وأتت الانتخابات الرئاسيَّة كمحطة - مفترق حاولت فيه "المارونيَّة السياسيَّة" تعزيز دورها في النظام السياسي من خلال فرض "رئيس قوي تمثيليًّا"؛ وقد جوبهت هذه المحاولة بعناد إسلامي راغب بالمحافظة على امتيازاته التي حصل عليها إبَّان الحقبة السوريَّة. لا ضير هنا من ذكر كيف حاول أيضًا المسيحيُّون تعديل القانون الانتخابي بما يزيد حصتهم التمثيليَّة في البرلمان، والذي تجسَّد بالطرح الأرثوذكسي، الأمر الذي رفضه علنًا تيار المستقبل وضمنيًّا الرئيس نبيه برّي تحت مبرِّرات عدَّة.
خلال فترة الفراغ الرئاسي برزت أصوات تعيد التذكير بجدلية الفدرلة والعلمنة. في محاضرة في مركز عصام فارس في 22 تشرين الأول 2014 عبَّر الرئيس إيلي الفرزلي عن حقيقة رفض الزعماء المسلمين لإعادة لعب المسيحيين لدورهم في الدولة، يقول: "كلّ الزعماء المسلمين يرفضون السماح للمسيحيِّين بإعادة لعب دورهم في السلطة والدولة. والمرحلة التي نمرُّ بها حاليًّا هي مرحلة مصيريَّة، فإذا لم يتمّ اعتماد قوانين وتعديلات وآليَّات تعيد للمسيحيِّين دورهم وتعطيهم المناصفة الحقَّة فإنَّهم سوف يذهبون إلى خيارات أخرى مصيريَّة ووجوديَّة للكيان اللبناني". واللافت أيضًا في هذا الكلام انَّه أتى عقب محاضرة للصحافي جان عزيز، الذي أصبح فيما بعد المستشار الإعلامي للرئيس ميشال عون، عبَّر فيها عن قناعته بأنَّه طالما يرفض المسلمون بشكل عام والسنَّة والحريري والمستقبل بشكل خاص إعادة التوازن إلى النظام السياسي من خلال انتخاب رئيس قوي أو القبول بإقرار قانون انتخاب يعيد للمسيحيِّين المناصفة الكاملة، فإنَّ المسيحيِّين "سيضعون الآخرين أمام مشاريع تبدأ بالفدراليَّة ولا تنتهي بالتقسيم". إذًا، "الخيارات المصيريَّة والوجوديَّة" التي تكلَّم عنها الرئيس الفرزلي المقرَّب من العماد عون ترجمها بوضوح الأستاذ عزيز بأنَها "الفدراليَّة" وربما "التقسيم". كان هذا كلامًا علنيًّا أمام العديد من النخب الفكريَّة والسياسيَّة والإعلاميَّة الموجودة في الندوة المذكورة.
غير أنَّ هذا الكلام العلني تواكب مع كلام داخل أروقة التيار الوطني الحرَّ، إذ في محاضرة للوزير سليم جريصاتي دعت إليها لجنة الدراسات في التيار في 7 تشرين الثاني 2014 لخَّص فيها المحاضر انفتاح العماد عون على كافَّة التيَّارات السياسيَّة الإسلاميَّة. هذا الإنفتاح الذي أرفقه العماد عون مع رسائل وجهها إلى رعاة اتفاق الطائف العرب وهم دول المغرب والجزائر والمملكة العربيَّة السعوديَّة يدعوهم فيها إلى العمل على التطبيق الفعلي لإتفاق الطائف بما يكرِّس المناصفة الحقيقيَّة بين المسيحيِّين والمسلمين. وقد أنهى الوزير جريصاتي عرضه بالتنبيه الواضح والصريح من انَّ البديل عن عدم قبول المسلمين في لبنان بمبدأ المناصفة الفعليَّة - المتمثِّلة بإقرار قانون انتخابي عادل، وانتخاب رئيس قوي للجمهوريَّة وبناء الدولة - سيكون إمَّا "الفدرلة" وإمّا "الكَنْتَنَة".
بهذا يمكننا أنْ نفهم أنَّ هناك شيء ما كان يجري - وربما لا يزال - في كواليس النخب الفكريَّة والسياسيَّة المسيحيَّة يشي بأنَّهم أعادوا إلى جدول أعمالهم فكرة الفدراليَّة كمشروع نظام سياسي بديل عن نظام الطائف المشلول كليًّا. خاصَّة وأنَّهم يجدون أنفسهم في جوّ إقليمي شديد الخطورة تتفكَّك فيه الدول في العراق وسوريا وليبيا وتتعرَّض فيه الأقليَّات والأكثريَّات على أنواعها اضطهادات مرعبة على يد الجماعات الإسلاميَّة المتطرِّفة والتكفيريَّة.
على ضوء هذه المعطيات علينا قراءة التصريحَين الصحافيَّين للعماد عون في حزيران 2015 حيث يعبِّر العماد بوضوح على أنَّ العلمانيَّة هي النظام الأمثل للبنان، غير أنَّ عدم استعداد اللبنانييِّن لهذا الخيار، وتعنُّت التيارات الإسلاميَّة السياسيَّة برفض مبدأ المناصفة الفعليَّة بين المسلمين والمسيحيِّين في النظام ربما سيدفعان بالمسيحيِّين للمطالبة باللامركزيَّة الموسَّعة وصولًا إلى الفدراليَّة. هذان التصريحان يجب أنْ يتمّ عطفهما على ورقة إعلان النوايا بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانيَّة التي تنصّ في مادتها الرابعة عشر بـ"إعتماد اللامركزيَّة الإداريَّة والماليَّة الموسَّعة ونقل قسم كبير من صلاحيَّات الإدارة المركزيَّة ولا سيما الإنمائيَّة منها إلى سلطات لامركزيَّة مُنتخبة وفقًا للأصول وتأمين الإيرادات الذاتيَّة اللازمة لذلك". ومن المعلوم أنَّ حزب القوات ليس ببعيد عن فكرة الفدراليَّة منذ أيَّام الرئيس بشير الجميِّل؛ هذه الفكرة التي رسمها المفكّر أنطوان نجم في عدد من المقالات والكتيّبات (منها لبنان دولة اتحاديّة، و الفدرالية المنفتحة).
ولم يكدّ يمرّ أسبوعان على كلام العماد عون حتى صرّح سامي الجميّل في تموز 2015 عند تسلّمه رئاسة حزب الكتائب بفشل الدولة المركزيَّة في لبنان وأن الحلّ الوحيد لن يكون سوى اعتماد النظام الاتحادي - أي الفدرالي - شكلًا جديدًا لإدارة الدولة اللبنانيَّة. بهذا تكون الأحزاب الثلاثة المسيحيَّة الرئيسيَّة في البلاد قد خرجت صيف العام 2015 بخلاصة موحّدة مفادها أنّ الفدرالية أو النظام الاتحادي هو مطلبهم الضمني الناتج عن خيبتهم من تجربة العيش المشترك مع المسلمين. وكأنَّهم يريدون بهذا المطلب إعادة النظر من جديد بشكل وحدود وطبيعة نظام الكيان الذي ولد في الأول من أيلول 1920، وربّما الكيان بذاته.
قد يكون رئيس تيار المستقبل، الرئيس سعد الحريري - إضافة إلى أسباب أخرى - قد أدرك هذا التوجّه المسيحي (ولربما أيضًا فعلت قيادة حزب الله). ولربما كان هذا أحد أهمّ الأسباب التي دفعته، بعد رفض طويل لتبنّي ترشيح العماد عون للرئاسة الأولى، للقبول بتسوية ثلاثيَّة الأبعاد تجمع ما بينه وبين التيار الوطني الحرّ وحزب الله. قد يكون هذا القرار الذي خرج به الرئيس الحريري لهو من الأهميّة بمكان أنه يعادل ربما تاريخيًّا قرار كاظم الصلح ومن ثم رياض الصلح بقبول التسوية مع المسيحيّين. ذلك أنَّ رفض هذه التسوية التي عادت فيها المارونيَّة السياسيَّة إلى واجهة الحياة السياسيَّة من جديد، من خلال الرئيس الممثّل للشريحة الأكبر من المسيحيّين، لكانت دفعت أكثر فأكثر المسيحيّين لخيارات جذريَّة تبدأ باللامركزية الإدارية والمالية وصولًا للمطالبة جهارًا بالفدراليَّة وجعلها برنامج عمل سياسي ونضالي. إنَّ هذه التسوية التي أُعلِن عنها أواخر صيف 2016 والتي أتى بموجبها العماد عون رئيسًا للجمهورية هي التي أعطت اتفاق الطائف الأوكسيجين الكافي ليستمر بالحياة – أو حتّى يمكننا القول أنها أنهت الطائف بنسخته وتطبيقه السوريين (هذه النسخة التي لا يزال الرئيس برّي متمسّك بها). وبالتالي علينا أن ندرك أن الطائف بعد تسوية 2016 سيطبق بنسخة جديدة وضعت ملامحها في التسوية بين عون - الحريري - حزب الله.
بالتوازي مع هذا الأمر، نشأ حراك مدني - شعبي أيضًا توضحت ملامحه صيف 2015. حراك كان مطلبه الأساس إسقاط النظام الطائفي وبناء الدولة العلمانيَّة. وقد ترافق هذا الحراك ليس فقط بمطالب شعبيَّة بل بمحاولات لتشريع الزواج المدني في لبنان وشطب القيد الطائفي عن سجلات النفوس.
يبقى لافتًا، رغم كل هذا المخاض التاريخي، رغم كل هذا المسار التاريخي الذي فيه من الخيبات بقدر ما فيه من الآمال والتحديات، بقي لبنان الكبير - الذي وصفه الكثيرون بالخطأ التاريخي وبالكيان الاصطناعي - صامدًا وها هو يقترب للاحتفال بمئويته الأولى. أمر صادم حقًا، كيف استطاع هذا الكيان أنْ يمارس سحره على الأفرقاء الداخليّين والخارجيّين حتى يومنا هذا. لماذا يستمرّ اللبنانيَّون في العودة إلى هذا الكيان رغم كلّ خلافاتهم؟ كيف صمد هذا الكيان الصغير الهش في حين أن كيانات حوله أكبر منه تنهار وتتقسّم؟ المذهل حقًّا في هذا اللبنان أن أكثر من حاربوه عادوا وامتثلوا لحقيقته وآمنوا بإمكانية نجاح تجربته. يبدو أنَّ إرادة العيش معًا والرغبة بالعيش بحريَّة وكرامة، رغم الخيبات والتحديَّات، تبقى الأساس في تحديد ورسم مسار الأمم والكيانات الحديثة، والتي قد يكون لبنان الكبير واحد منها.
باحث وأستاذ جامعي | |
|