| | Date: Feb 21, 2018 | Source: جريدة الحياة | | الأكراد في الانتخابات العراقية: انتحار المحارب المتعب - لاوك صلاح | مع اقتراب الانتخابات النيابية في العراق، يلوح في الأفق تغيير واضح على هيكل وملامح السياسة الكردية. والسؤال التقليدي، في العادة، قبل إجراء الانتخابات، هو من سيتحالف مع من؟ يبدو بديهياً ومشروعاً للوهلة الأولى، إنما الصورة الجلية الناتجة من التناحر السياسي المستديم والجدال الخفي والعقيم وكذلك المنافسة الماراثونية لفرض روئ سياسية، يرمي بعض منها، إلى خدمة مصالح معينة لأشخاص معينين، وهي في الغالب رؤى حزبية ضيقة لا تتسع لبرامج وطنية ومدنية كما يُشاع، تسبق أية إجابة عن مثل هذا السؤال، وتظهر معضلات موجودة خلف الكواليس تحول دون الوصول إلى مستويات مرجوة من التحالف لبلورة برامج وإستراتيجيات مشتركة للفترة المقبلة.
عملية المراجعة والإصلاح داخل المنظومة السياسية في إقليم كُردستان، إذا ما كانت هناك نية للمراجعة أصلاً، تشبه إلى حد ما انتحار محارب متعب. والسبب هو أن الانتخابات المقبلة هي بمثابة العودة من سبات طويل إلى الواقع اليوم، والانتقال تالياً، إلى فضاء التنافس السياسي مجدداً، إنما من دون وجود الأعمدة القديمة التي كانت تتكئ عليها. من يملك الأدوات المطلوبة هذه المرة، له الحظ الأوفر كي يثبت وجوده على الساحة السياسية، ولكن ما هي تلك الأدوات؟ كيف يُقنع الناخب على اختلاف مسمياته أن يدلي بصوته للقوائم الانتخابية؟
تواجه الأحزاب السياسية الكُردية، اليوم، تحديات جمة تتعلق بتركيبتها وهياكلها الممتدة لأكثر من 25 عاماً. وعلى رغم محاولاتها بأساليب قديمة ومتهالكة إيجاد حلول سريعة وآنية لمشكلاتها المتراكمة في ما بينها من جانب وبينها وبين بغداد من جانب آخر، يبدو أن الزمن المتبقي ليس كافياً من أجل المراجعة، ذاك أنها مرتبطة باستنباط إرادة سياسية لإزاحة الرأس الثوري والكاريزما التاريخية التي أفرغت السياسة من محتواها.
أسس بعض من القادة الكُرد في الفترة الأخيرة، أطراً وأحزاباً جديدة لممارسة السياسة، لأنهم وصلوا إلى نهاية النفق في بيت السياسة التقليدي. والرأي السائد في كُردستان اليوم هو، أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، وقد تكون هذه الفرصة مواتية لبناء ما لم يتم بناؤه، ذلك أن الوقوف خارج المشهد السياسي واتخاذ موقف المتفرج يعني جني الكثير من وسائل الاحتكار السياسي والاقتصادي للأحزاب الحاكمة.
تالياً، من يمتلك برنامجاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، يستطيع مجاراة التزوير والاتفاقيات التي ستحصل في الظل، في ما بعد. ليس من المتوقع أن تبقى الأحزاب الرئيسة، على مستوى التصويت والناخب، في المقدمة إلى الأبد، فحالة التشرذم ستنعكس بالتأكيد على أدائها وكذلك على اختياراتها وولائاتها، ناهيك عن سجل المواقف السياسية في ما خص الأوضاع التي آل إليها الإقليم في السنوات الأخيرة. على العموم، لم تعد هناك سياسة اللحظة الأخيرة وعدم قبول نتائج التغيير بذريعة مراعاة التوازن الداخلي والإقليمي، والتي تُجترح دائماً من طريق تدخل إقليمي.
اختصاراً، الناخب لن يصوت ما لم يشعر بأن العملية الانتخابية هذه المرة مختلفة وبأنه يساهم فعلياً في تأسيس نظام جديد، ولو نسبيأ. وقد يكون الإقبال محدوداً ويقتصر على أماكن معينة، فالكردي لن يصوت ما لم يقتنع بأن بغداد ستكون صادقة مع حقوقه، ناهيك بتخليها عن ردود فعلها الثأرية على المغامرات السياسية. والمواطن السني، لن ينتخب ما لم يطمئن بأن طرق العودة إلى بلدته آمنة وسوف لن يلام على تاريخ لم يكن هو شخصياً طرفاً فيه، والمسيحي لن ينتخب، لو كان باقياً أصلاً في البلاد، إن لم يجد كنيسة يتعبد فيها، والشيعي لن ينتخب إذا ما زادت الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، أو حين يشعر بأن العدل طالما استخدم ككلمة حق أريد بها باطل. | |
|