Date: Feb 21, 2018
Source: جريدة الحياة
العراق: السنّة يعودون إلى علاوي والقوى الشيعيّة بلا مقتدى الصدر
بغداد – حسين داود 

تدخل القوى والأحزاب العراقية الانتخابات الاشتراعية المقبلة في ظل مزاج ناخب لا يمكن هذه المرة التكهن بخياراته كثيراً، فالسنوات الأربع الفائتة الحبلى بأحداث سياسية وأمنية مفصلية، أبرزها الحرب على تنظيم «داعش» وتداعياتها، جعلت من الصعوبة قياس توجهات أكثر من 22 مليون ناخب، ما سيجعل الاقتراع المقبل اختباراً جديداً لشعبية هذه الأحزاب.

فانغماس البلاد في الحرب على الأرهابيين أوجد واقعاً سياسياً جديداً، يتجسد في انهيار تحالفات تقليدية وصلت الى داخل الحزب الواحد، في مقابل صعود قوى وأفكار سياسية جديدة، بينها فصائل «الحشد الشعبي» الطامحة الى تمثيل سياسي يعكس «انتصارها» في المعارك ضد «داعش»، مقابل صعود أهواء مدنية بعيداً من الأحزاب الإسلامية القابضة على سدة الحكم، ويتوقع أن تلعب دوراً في الخريطة السياسية المقبلة.

وفقاً لذلك، فالارتباك والتردد اللذان ضربا عدداً من التحالفات، يمثلان نتيجة طبيعية لأجواء انتخابية استثنائية قد تصل الى مرحلة كسر عظم مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، فسرعان ما انهار تحالف «النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، مع فصائل «الحشد الشعبي»، وانسحب عمار الحكيم أيضاً من التحالف.

وعادت أحزاب سنية الى أحضان رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، بينما اختار دعاة الإقليم السني خوض الانتخابات في شكل منفرد، ويبدو المشهد الكردي أكثر تعقيداً مع تشظّي التحالف الاستراتيجي بين الحزبين الكبيرين «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «الديموقراطي الكردستاني» مع بروز قوى كردية وجدت الطريق سالكاً لبناء شعبيتها على أنقاض انهيارات واجهت كردستان العراق في ظل حكم الحزبين.

الخريطة السياسية تبدو تكراراً لسيناريو العام 2010 تماماً، فالعراق خرج آنذاك لتوّه من الحرب منتصراً على تنظيم «القاعدة»، ليشكل رئيس الوزراء نوري المالكي قائمته الانتخابية المستقلة عن التحالف الشيعي، مستفيداً من شعبيته المتصاعدة، وهو ما قام به العبادي بعد الانتصار على «داعش».

كما أن القوى السنية التي تحالفت مع علاوي، نجحت في تحقيق انتصار غير متوقع، وفازت في الانتخابات في المرتبة الأولى بـ (91) مقعداً، متفوّقة على تحالف المالكي بمقعدين، قبل أن يضطر المالكي مرغماً إلى التحالف مع باقي الأحزاب الشيعية لتشكيل الكتلة الأكبر من أجل ضمان عدم ضياع منصب رئيس الحكومة منها.

وتخوض الأحزاب الشيعية الانتخابات المقبلة في خمسة تحالفات يرجح أن تلتئم جميعاً بعد الانتخابات للحفاظ على الغالبية البسيطة في البرلمان، والتي طالما اعتمدت عليها الأحزاب الشيعية للبقاء في السلطة، لكن هذه المرة تبدو الأجواء مختلفة، فالصراع بين أحزاب «الدعوة» بجناحيه المالكي والعبادي والتيار الجديد للحكيم وتحالف «الحشد» الانتخابي، يبدو أكثر تعقيداً، حتى جاء إعلان مقتدى الصدر عن تحالفه مع الحزب الشيوعي وتيارات مدنية ليزيد من محنة التحالف الشيعي.

فالأحزاب الشيعية القابضة على سدة الحكم في العراق بعد العام 2003، تفتخر بامتلاكها الغالبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية الثلاث التي جرت في أعوام (2005،2010،2014)، وحصلت هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة على (178) نائباً من أصل (328)، هو العدد الكلي لنواب البرلمان. وتوزعت الكتل الشيعية على النحو التالي: التيار الصدري (34 مقعداً)، جماعة الحكيم (30 مقعداً)، «تيار الإصلاح الوطني» بزعامة ابراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي (6 مقاعد)، ائتلاف «الفضيلة» (6 مقاعد)، «ائتلاف دولة القانون» (101 مقعد)، إضافة الى كتلة «الصادقون» التابعة لحركة «عصائب أهل الحق» (مقعد واحد).

انشقاق مقتدى الصدر عن «التحالف الشيعي» يعني احتمال ضياع نحو (30) مقعداً نيابياً، وبهذا سيخسر التحالف السياسي الشيعي الغالبية السياسية التي كان يحققها بعد كل انتخابات، فيما تتجه هذه المقاعد الثمينة نحو كتلة معارضة أو لمصلحة تحالف مع المدنيين وقوى سياسية أخرى، بينها ائتلاف «الوطنية» بزعامة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي.

وتبقى التكهنات مفتوحة حول النتائج التي سينالها تحالف «الحشد الشعبي»، إذ يراهن قادته على شعبية طاغية نالها خلال المعارك ضد «داعش»، لكن هذه الشعبية قد تكون محصورة في ميدان المعارك لا صناديق الاقتراع، خصوصاً مع موقف لافت للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، رفض فيه استخدام الحشد لأغراض سياسية، وربما ذلك ما منع المالكي المعروف بقربه لفصائل الحشد من التحالف معهم قبل الاقتراع، وهو أيضاً ما جعل العبادي يفضّ شراكته مع الحشد بعد ساعات من التحالف معاً.

في المشهد السني، يبدو أن محنة التشظي ما زالت مرافقة للأحزاب والقوى السنيةـ وإن أخذ بعضها قراراً حاسماً في الانضواء تحت لواء علاوي مجدداً تحت وطأة المزاج الشعبي الذاهب نحو تيارات مدنية وليبرالية امتعاضاً من الأحزاب الإسلامية، وذلك التطور يسجل بلا شك الى حركة الاحتجاجات الشعبية التي نظمتها تيارات مدنية منذ صيف العام 2015 واستمرت حتى الآن.

«الحزب الإسلامي» بزعامة سليم الجبوري رئيس البرلمان، وحزب «العربية» بزعامة صالح المطلك، قررا التحالف مع رئيس ائتلاف «الوطنية» بزعامة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي، بينما أبرم أسامة النجيفي، نائب رئيس الجمهورية، تحالفاً مع رجل الأعمال السني خميس الخنجر المعروف بتبنّي مشروع الإقليم السني لخوض الانتخابات معاً.

«الحزب الإسلامي» كان الخاسر السني الأكبر في انتخابات 2014، واضطر حينها للتحالف مع الشخصية السنية الصاعدة آنذاك أسامة النجيفي، لكن هذا الحزب تمكن خلال السنوات الأربع الماضية، من ترميم شعبيته بفضل شخصية رئيس البرلمان سليم الجبوري الهادئة، وأيضاً عبر التقارب مع أحزاب شيعية لمواجهة النجيفي الذي أصبح خصمه اليوم.

ويتمحور التنافس بين هذه القوى على المحافظات السنية ضمن معادلة لم تتغير كثيراً خلال العقد الماضي، إذ يتصارع «الحزب الإسلامي» ضد «متحدون» على النفوذ السياسي في الموصل، ويتصارع حزب «الوطنية» ومعه حركة «الحل» ضد «الحزب الإسلامي» على الأنبار، بينما تتصارع جبهة «الحوار الوطني» و «الحزب الإسلامي» ضد حزب «الوطنية» في صلاح الدين.

وكما الحال في انتخابات 2010، تجد الأحزاب السنية نفسها أمام نوع آخر من المنافسة، فالقوى الشيعية تمكنت من التغلغل الى عمق المدن السنية خلال انتشار فصائل الحشد فيها، وتمكنت من استمالة عشائر وشخصيات سياسية الى جانبها تشجعت لخوض الانتخابات في مناطقها بعيداً من القوى السنية.

ومثلاً، «تحالف عابرون» بزعامة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي في الإنبار، ورئيس ديوان الوقف السني عبداللطيف هميم الذي ينافس في صلاح الدين والموصل، أعلنا تحالفهما مع رئيس الوزراء حيدر العبادي ضمن تحالف «النصر»، بينما اختارت تشكيلات مسلحة عشائرية سنية التحالف مع قائمة «الحشد» بزعامة هادي العامري.

ولمواجهة ضياع مقاعد في البلدات المحررة من الإرهاب، شكلت القوى السنية تحالفات فرعية في الأنبار وصلاح الدين ونينوى لقطع الطريق أمام حصول ذلك، ففي صلاح الدين شكل المطلك وعلاوي تحالفاً باسم «البيت العراقي»، وفي كركوك هناك قائمة «التحالف العربي» التي تضم أحمد المساري وخميس الخنجر وصالح المطلك.

في المحصلة، الحديث عن تحالفات متينة قبل الانتخابات غير واقعي، إذ إن نتائج الانتخابات ستكون حاسمة في رسم ملامح التحالفات وشكل الحكومة والبرلمان المقبلين، مع الأخذ بالاعتبار الواقع السياسي الجديد في البلاد، إذ يتطلب شخصية معتدلة تقود دفة الحكومة الجديدة التي ستنتظرها ملفات معقدة، بينها إعمار المدن السنية والأزمة المالية على المدى البعيد، لكن مصير بقاء القوات الأميركية سيكون الملف الأكثر إلحاحاً على جدول أعمالها، وسيكون حاضراً في مفاوضات الغريمين واشنطن وطهران حول شكل الحكومة المقبلة.