| | Date: Feb 20, 2018 | Source: جريدة الحياة | | تغيير قواعد الاشتباك وضوابطه - خالد غزال | كان أمراً مفرحاً أن يرى المواطن العربي والسوري خصوصاً إسقاط الطائرة الإسرائيلية ف 16 بعد تنفيذها غارات داخل الأراضي السورية. فالمواطن العربي ملّ تعويذة بأن سورية ستحدد مكان وزمان الرد بعد كل عدوان على أراضيها، وهي تعويذة مستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، كان النظام البعثي خلالها يتولى مهمة حماية الحدود الإسرائيلية – السورية ويجعل من جيشه حرس هذه الحدود. لكن ما رافق إسقاط الطائرة من احتفالية انتصارية وإعلانات بتغيير قواعد اللعبة ودخول النظام السوري مرحلة جديدة في العلاقة مع الاعتداءات الإسرائيلية، وتصوير ما حصل بنهاية مرحلة وبداية مرحلة... كلها شعارات تحتاج الى تدقيق لتبيان الحقيقي في التغير والشكلي منه.
من المشروع طرحُ سؤال: لماذا لم ترد سورية خلال السنوات السابقة على الغارات الإسرائيلية التي فاقت المئات فيما ردت عليها اليوم؟ هل كانت تفتقد الى وسائل الدفاع اللازمة سابقاً وحصلت عليها اليوم؟ وهل هناك تغير حقيقي في القرار الاستراتيجي السوري ينهي مرحلة التفرج لينتقل الى مرحلة الهجوم؟ النظام السوري اليوم هو الأضعف على اتخاذ القرارات المستقلة وتحديد مسار العلاقات العسكرية مع القوى الإقليمية والدولية. لذا لا ينفصل الحدث الأخير عن الصراعات الإقليمية والدولية الدائرة على الأرض السورية، ومعها الحروب البديلة التي يخوضها كل طرف ضد الطرف الآخر.
لم يكن لإسقاط الطائرة الإسرائيلية أن يمر لولا الموافقة الروسية على إطلاق زخات الصواريخ على المعتدين. افتقد نظام بشار الأسد منذ زمن سلطة اتخاذ مثل هذه القرارات. ولم يكن القرار الروسي بعيداً من رد موجّه الى الإدارة الأميركية التي تشكل اليوم إزعاجات كثيرة للروس، وتمنع الحلول السياسية التي يريدها الروس للأزمة السورية علها تتيح لهم الخروج من الوحول السورية. صديق روسيا يتصدى لصديق أميركا في معركة لا يريد الروس والأميركيون المواجهة المباشرة فيها. قبل ذلك، تسمح أميركا لتركيا بإسقاط طائرة سوخوي تابعة لسلاح الجو الروسي، مدركة حدود الرد الروسي الذي لن يتجاوز الاستنكار والتهديد.
أما إيران، التي تحتل حيزاً واسعاً من القرار السوري والأرض السورية، فقد وجدت الضوء الأخضر الروسي مناسبة لتوجيه رسالة الى الولايات المتحدة وإسرائيل عبر احتضانها قرار الرد، والإيحاء بأن منظومتها الدفاعية لم تكن بعيدة من التصدي للغارات. وهي احتفلت بإسقاط الطائرة، ومعها معسكرها في شكل يتجاوز بكثير الاحتفالية السورية، مما أوحى بتنسيب «النصر» اليها. لكن المفاجئ في الأجوبة الإيرانية كان تنصلها من الطائرة الإيرانية من دون طيار، والمرسلة الى الأجواء الإسرائيلية، ومن وجود قواتها في سورية. بعد شبه إعلانات عن التدخل الإيراني في الحرب ضد إسرائيل وتصعيد الكلام في هذا الصدد، حصل تراجع دراماتيكي يعود في جوهره الى شعور الإيرانيين بأن الموضوع اليوم مختلف عما سبقه، حيث لم يكن للمزايدات والتهديدات من ثمن. تراجع الإيرانيون عما سبق وصرحوا به بعد الشعور بأن الحرب قد تطاولهم هذه المرة.
أين موقع الولايات المتحدة من كل ما حصل حتى الآن؟ لا شك في أن أميركا هي عملياً اللاعب الأقوى والمقرر في سورية، لجهة التصعيد أو التهدئة. بعد انتقالها الى مرحلة نوعية من التدخل في الحرب السورية، وقصف القوى الموالية لروسيا، سواء أكانت إيرانية أو سورية، وإرسالها رسائل الى روسيا بأن قواتها ليست بعيدة من مرمى النيران الأميركية، وهي ترجمت ذلك عملياً، أميركا هذه تقف بقوة الى الجانب الإسرائيلي وتمنحه التأييد المطلق في الغارات التي ينفذها. قد تكون الولايات المتحدة قد شعرت بأن إسقاط الطائرة الإسرائيلية يصيبها كما يصيب إسرائيل، وأن روسيا وإيران ترغبان إبلاغها بأن اللعبة في سورية يشارك فيها غير اللاعب الأميركي. لذا تصرفت أميركا من موقع المتوعد بالرد في أكثر من مجال مستقبلي، واكتفت بذلك في سعيها إلى منع تدهور الأمور.
يبقى السؤال: هل تغيرت فعلاً قواعد الاشتباك السائدة؟ وهل المنطقة مقبلة على حرب واسعة ستكون بطبيعتها حرباً عالمية، تدور بين أميركا وإسرائيل من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى؟ من السذاجة الذهاب مع ما يسمى بمحور الممانعة بأن الأمور وصلت الى هذا المستوى. لا تتقرر الحرب بقرار منفرد من إيران وسورية، أو من إسرائيل لوحدها. هذه القوى مسموح لها بلعب محدود في ملعب الحرب، لا يتجاوز العمليات العسكرية ذات الطبيعة المعينة. أما قرار توسع العمليات الى حرب إقليمية شاملة فهو قرار أميركي – روسي، يتجابه فيها الطرفان، وتتدخل الأطراف الأخرى بوصفها قوى مساندة. هذا القرار لم يُتخذ من أي من الطرفين، والوصول اليه يتجاوز منطقة الشرق الأوسط والأرض السورية، لتنخرط قوى عالمية أخرى فيه، بكل ما يحمله من أخطار.
في ضوء كل ذلك، تبقى قواعد الاشتباك المعمول بها هي السائدة، من دون أن يمنع تغيرات محدودة في الهجوم والدفاع من كل الأطراف، بما لا يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة أصلاً من جانب أميركا وروسيا.
* كاتب لبناني | |
|