Date: Oct 12, 2012
Source: جريدة النهار اللبنانية
أزمة روسية - تركية بسبب الطائرة السورية وواشنطن تؤيّد أنقرة

دفعت تركيا بالازمة مع سوريا وروسيا الى مستوى اعلى من التصعيد بعدما اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان طائرة الركاب السورية التي اجبرتها مقاتلات تركية على الهبوط في احد مطارات انقرة الاربعاء كانت تحمل عتاداً روسي الصنع موجها إلى وزارة الدفاع السورية، الامر الذي نفته بشدة موسكو ودمشق. واسفر التوتر التركي - الروسي عن الغاء زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت مقررة لأنقرة هذا الشهر، بينما قال مسؤول تركي ان الزيارة لم تلغ وانها ارجئت الى 3 كانون الاول.


ونقل التلفزيون السوري الرسمي عن وزارة الاعلام ان "الطائرة السورية لم تنقل ذخائر ومعدات عسكرية، وكلام اردوغان عن ذلك يفتقر الى المصداقية وعليه ان يعرض هذه المعدات والذخائر ليثبت ما يقوله امام شعبه على الاقل".


أما واشنطن، فأعلنت تأييدها لاعتراض الطائرة السورية مكررة ان ارسال اي اسلحة الى النظام السوري امر مقلق. وصرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نيولاند بأن "اي نقل لأي معدات عسكرية الى النظام السوري في هذا الوقت مقلق جداً، ونتطلع الى الاستماع اكثر من الجانب التركي عندما يصلون الى نهاية التحقيق في ما يتعلق بما عثروا عليه".  
    


أمير قطر وصالحي

وفي الدوحة، اجرى وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي محادثات مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تناولت "التطورات الاقليمية" التي يهيمن عليها الوضع في سوريا.
وافادت وكالة الانباء القطرية "قنا" ان الشيخ حمد "استقبل في قصر الوجبة سعادة الدكتور علي أكبر صالحي وزير الخارجية بالجمهورية الاسلامية الإيرانية والوفد المرافق". واضافت انه "تم خلال المقابلة عرض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها، كما تم بحث في تطورات الاوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية".
وأتت هذه الزيارة فيما تكثف طهران مساعيها للتوصل الى الافراج عن 48 ايرانيا اختطفوا في سوريا مطلع آب وهم لدى مجموعة مسلحة معارضة هددت بقتلهم.


 الوضع الميداني  

وفيما يحتدم الاشتباك الاقليمي حول سوريا تستمر المعارك في داخلها مع احراز المعارضة تقدماً في اتجاه قطع طريق للامدادات بين دمشق وحلب انطلاقاً من مدينة معرة النعمان في محافظة ادلب. 
واستولى مقاتلون سوريون معارضون على نحو خمسة كيلومترات من الطريق السريع الذي يربط دمشق بحلب قرب مدينة معرة النعمان الاستراتيجية التي سيطروا عليها قبل يومين.
وتشكل معرة النعمان ممرا اجباريا لتعزيزات الجيش المتجهة الى مدينة حلب التي تشهد معارك دامية منذ ثلاثة اشهر. وكانت القوات النظامية انسحبت قبل يومين من المدينة باستثناء حاجز واحد عند احد مداخلها تحت وطأة هجمات المجموعات المسلحة المعارضة.
وقال الضابط المنشق العقيد اكرم صالح ان "الجيش حاول استعادة السيطرة على معرة النعمان لكن المقاتلين تمكنوا من صده".


وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يتخذ لندن مقراً له ان المعارك الدامية تستمر في محيط معرة النعمان والقرى المجاورة، وأوضح ان المقاتلين المعارضين يشنون هجوما على معسكر وادي الضيف القريب من معرة النعمان والذي يعتبر نقطة عسكرية مهمة جدا بالنسبة الى القوات النظامية.


وتتركز المعارك حول وادي الضيف، على مسافة خمسة كيلومترات من معرة النعمان، ومركز عسكري آخر الحمدية. ووادي الضيف هو اكبر قاعدة عسكرية في المنطقة. ويطوق المقاتلون المعارضون المركزين، مؤكدين انهم على وشك الاستيلاء عليهما.


وفي الوقت عينه، كانت طائرات النظام تقصف ثلاث نقاط عند اطراف معرة النعمان: معر شمرين ومعر شميشة ودير شرقي. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان هناك "خسائر بشرية كبيرة في صفوف الطرفين، وانه من الصعب احصاؤها بسبب حدة المعارك".


وقال مسؤول في المكتب الاعلامي للناشطين المعارضين في معرة النعمان فراس عبد الهادي ان نحو 300 شخص قتلوا في ثلاثة ايام في المدينة، بينهم 190 جنديا نظاميا.
وقالت مصادر متطابقة ان بين هؤلاء الضحايا 65 سجيناً اعدموا في دقائق قبل انسحاب الجنود من المواقع التي هاجمها المقاتلون المعارضون.


وروى أحد الناجين من هذه العملية ان المكان الذي سجن فيه هؤلاء كان مركزا ثقافيا احتلته المخابرات العسكرية. واشار الى ان عناصر هذه القوات اطلقت النار برشاشات كلاشنيكوف على نحو 80 سجينا كانوا معتقلين في غرفتين كبيرتين في المركز. ورأى مراسل لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" ارض الغرفتين ملطخة ببقع كبيرة من الدماء. وقال الناجي ان المعتقلين كانوا اما "جنودا اشتبه في رغبتهم في الفرار، وإما متعاطفين مع الثورة".


من جهة أخرى، قال المرصد ان 97 شخصاً قتلوا في اعمال عنف في مناطق مختلفة من سوريا أمس وهم 37 مدنيا و36 عنصرا من قوات النظام و24 مقاتلا معارضا.
وفي محافظة حمص، التي اعلنت مصادر النظام قبل ايام بدء عمليات واسعة فيها للقضاء على آخر معاقل المقاتلين المعارضين، قال المرصد ان حي الخالدية في مدينة حمص يتعرض لقصف عنيف من القوات النظامية السورية. وأضاف ان القوات النظامية "انسحبت من اطراف الحي الذي دخلته قبل ايام بعد اشتباكات عنيفة".
وكان الاعلام الرسمي السوري اعلن قبل ثلاثة ايام السيطرة على اجزاء كبيرة من الحي. الا ان المرصد وناشطين اكدوا ان التقدم اقتصر على الاطراف.


"جبهة تحرير سوريا"

ووسط شعورها بخيبة الأمل من جراء الانقسامات بين المعارضين حشدت كتائب إسلامية سورية قواها لتأليف ما سمته "جبهة تحرير سوريا" لإطاحة الرئيس بشار الأسد.
وبعد أكثر من شهر من الاجتماعات السرية، شكل قادة كتائب إسلامية ما يسمى "جبهة تحرير سوريا" بما في ذلك "كتيبة الفاروق" التي تعمل في الأساس في محافظة حمص و"كتيبة صقور الإسلام" التي تتمتع بثقل في إدلب.
ولا تضم الجبهة الجديدة بعض الجماعات التي يعتبرها مسؤولون غربيون أكثر الجماعات تشددا مثل "جبهة النصرة" المتصلة بتنظيم "القاعدة" والتي أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة من التفجيرات المدمرة في دمشق وحلب. وانسحبت جماعة "أحرار الشام" السلفية التي تضم عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب اعتراضا على مقتل زعيم سلفي على يد قوة معارضة منافسة.
وقال زعيم الجبهة الجديدة أحمد الشيخ الذي يعرف بين رجاله باسم أبو عيسى إنها مستمرة في جذب أعضاء جدد. وأضاف أن الجبهة تضم الآن أكثر من 40 ألف مقاتل، مشيرا إلى أن الأعداد في تزايد لأن هناك المزيد من الكتائب التي تبدي اهتمامها بالانضمام إليها.
 

إرجاء مؤتمر "التوحيد"

وفي عمان، قال منظمو مؤتمر يهدف الى توحيد المعارضة السورية إن المؤتمر تأجل إلى أن تتمكن من الاتفاق على تمثيل عادل للجماعات المختلفة.
وكان مقررا أن يعقد المؤتمر في قطر في الفترة من 15 تشرين الاول الى 17 منه ويهدف الى إعادة تنظيم "المجلس الوطني السوري" تكتل المعارضة الرئيسي وضخ دماء جديدة في التكتل الذي يكافح لنيل الصدقية كبديل ديموقراطي للرئيس بشار الأسد.
ويمكن أن يؤدي توسيع قاعدة التمثيل إلى تقليص نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" التي تسيطر فعلا على المجلس منذ تشكيله في تركيا في آب من العام الماضي والاستجابة لمطالب غربية بتوحيد صفوف المعارضة.


هولاند

في باريس، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى بذل الجهود كي لا تنتقل الأزمة السورية إلى لبنان والأردن وتركيا، محذراً من نشوب حرب أهلية في سوريا اذا بقي الأسد في الحكم.
ونقلت عنه قناة "فرانس 24" في حوار خاص بها وبإذاعة فرنسا الدولية وقناة "تي في 5 موند"، دعوته إلى بذل كل الجهود "كي لا تنتقل الأزمة السورية إلى لبنان والأردن وخصوصاً تركيا التي تقوم بكل ما في وسعها من أجل تجنب الحرب مع دمشق". ونفى أن تكون بلاده قدّمت مساعدات عسكرية أو أسلحة للمعارضة السورية، مؤكداً أن فرنسا اضطلعت بدور مهم في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في الأردن.

 

الطائرة

زاد اعتراض سلاح الجو التركي طائرة الركاب السورية التي كانت آتية من روسيا، التوتر بين دمشق وأنقرة، مع تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأن الطائرة كانت تنقل معدات عسكرية وذخائر، واتهام دمشق انقرة بـ"العدائية" حيالها.

دافعت أنقرة أمس عن قرارها ارغام الطائرة السورية على الهبوط لتفتيشها، وقالت إنها اتخذت كل الاجراءات لضمان سلامة الركاب، ورفضت الانتقادات الروسية والسورية لها في شأن هذا الحادث.


وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان: "لا اساس للمخاوف في شأن تعريض سلامة الركاب والطائرة للتهديد" خلال عملية ارغام الطائرة السورية على الهبوط. وأوضحت أنه "بعد هبوطها، اتخذت كل التدابير لضمان سلامة الركاب وتلبية حاجاتهم المحتملة". وأضافت ان السلطات التركية انذرت قائد الطائرة اثناء تحليقه فوق البحر الاسود وقبل دخوله المجال الجوي التركي، مخيرة اياه بين العودة أدراجه او الهبوط في انقرة.


وارسلت انقرة مساء الاربعاء مقاتلتين لاجبار طائرة "ايرباص اي -320 "سورية على متنها 35 راكبا على الهبوط في مطار ايسنبوغا بانقرة، بناء على معلومات استخبارية عن ان حمولتها "لا تلتزم قواعد الطيران المدني".
وأجبرت الطائرة على المكوث على ارض المطار التركي تسع ساعات قبل السماح لها باكمال رحلتها الى دمشق، بعدما صادرت أنقرة شحنتها "المشبوهة".

 

"معدات عسكرية وذخيرة"

وتضاربت المعلومات التركية أمس عن حمولة الطائرة السورية التي اعترضها سلاح الجو التركي الاربعاء، قبل أن يحسم أردوغان الجدل، قائلاً إنها كانت تنقل معدات عسكرية وذخيرة الى الجيش السوري. وأبلغ الصحافيين أن حكومته لا تزال تدقق في المعدات، وأن اجراءات "ضرورية ستتخذ لاحقا".


وكان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو صرح مساء الاربعاء بان تركيا صادرت "شحنة مشبوهة غير قانونية" من الطائرة السورية.
ولاحقاً، نقلت وكالة "الاناضول" التركية للتلفزيون شبه الرسمية عن مسؤولين انهم اشتبهوا في ان الطائرة تنقل اسلحة.


وبثت قناة "ان تي في" التركية للتلفزيون ان الشحنة قد تكون تحوي قطع صواريخ، بينما قالت محطة "تي ار تي" الحكومية انها معدات اتصال.
أما صحيفة "شفق" القريبة من الحكومة التركية، فأوضحت أنه كانت هناك عشرة مستوعبات على متن الطائرة، بعضها يحتوي على أجهزة استقبال وهوائيات و"معدات يعتقد أنها قطع لصواريخ".
الى ذلك، نسبت "الاسوشيتد برس" الى ديبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه أن السلطات التركية عثرت على "معدات عسكرية" على الطائرة.
لكن وكالة "أنترفاكس" الروسية المستقلة نقلت عن مصدر في اجهزة تصدير الاسلحة الروسية ان الطائرة لم تكن تنقل اسلحة، "ولا عناصر لصنع اسلحة".


سوريا

وفي المقابل، اتهمت وزارة الخارجية السورية السلطات التركية بـ"الخرق الفاضح" للقوانين والمعاهدات "عبر اجبار الطائرة على الهبوط".
ووصفت الوزارة في بيان لها اعتراض طائرة تابعة لمؤسسة الطيران العربية السورية واجبارها على الهبوط في انقرة بانه "تصرف معاد ومستهجن"، و"مؤشر اضافي للسياسة العدائية التي تنتهجها حكومة اردوغان". لاحظت ان هذا التصرف يضاف الى ما تقوم به انقرة "من تدريب وايواء وتسهيل تسلل وقصف مدفعي للاراضي السورية". وطالبت السلطات التركية "باعادة باقي محتويات الطائرة كاملة وبصورة سليمة"، مشيرة الى ان الطائرة لم تكن محملة سلاحاً او "بضائع محرمة"، وان "كامل محتويات الطائرة مدرجة أصولا على بوليصة الشحن النظامية وعلى بيان حمولة الطائرة ولم تحمل اي نوع من الاسلحة أو البضائع المحرمة".


الى ذلك، اشار بيان الخارجية السورية الى ان هذا التصرف "عرض سلامة الطائرة والركاب للتهديد" نتيجة "الظهور المفاجئ للطائرات العسكرية من دون أي مبرر او سابق انذار، إضافة الى احتجاز الركاب المدنيين ساعات طويلة في شكل غير إنساني وإساءة معاملة طاقم الطائرة".


 وكانت مديرة مؤسسة الطيران العربية السورية غيداء عبد اللطيف صرحت للصحافيين في دمشق "بان السلطات التركية اعتدت على طاقم الطائرة قبيل السماح للطائرة بالاقلاع من مطار انقرة، وذلك بعد رفضه توقيع مذكرة تقول ان الطائرة هبطت اضطرارايا".


ونقلت عنها الوكالة العربية السورية للانباء "سانا" أن" الطائرة لا تحمل أي مواد غير قانونية والشحنة متوافقة مع القوانين والانظمة العالمية مع بوليصة شحن نظامية"، و"عند تفتيش الطائرة تبين ان هناك  طروداً مدنية وتجهيزات الكترونية مسموح نقلها وادرجت نظاميا".


كذلك، وصف وزير النقل السوري محمود سعيد ما قامت به السلطات التركية بأنه "قرصنة جوية تتنافى مع معاهدات الطيران المدني".
وبعد الحادث، حذرت انقرة شركات الطيران التركية من دخول المجال الجوي السوري تفاديا لتعرضها لاجراء انتقامي محتمل، استناداً الى وكالة  "الاناضول" التركية شبه الرسمية.


روسيا

وطالبت موسكو تركيا بايضاحات، مؤكدة ان انقرة عرضت حياة الركاب الروس وعددهم 17 "للخطر".
وأجرى السفير الروسي في أنقرة فلاديمير ايفانوفسكي محادثات في وزراة الخارجية.


وصرح الناطق باسم الوزارة ألكسندر لوكاشيفيتش بأن موسكو كانت قلقة على حياة الركاب الـ35، بينهم 17 روسيا. وقال إن روسيا منعت موظفين من القنصلية الروسية وطبيباً من الوصول الى الركاب الذين منعوا طوال ثماني ساعات من دخول حرم المطار ولم يقدم لهم أي طعام. وأضاف أن "الجانب الروسي لا يزال يصر على تفسير لتصرف السلطات التركية حيال مواطنين روس وعلى اتخاذ اجراءات لتجنب مثل هذه الحوادث في المستقبل".
على صعيد آخر، اعلن مسؤولون اتراك ان سوريا اوقفت قبل اسبوع وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا بسبب اضرار لحقت بشبكة التوزيع نتيجة الحرب القائمة في البلاد، على ان تعاود اذا طلبت دمشق ذلك.


بوتين

وفي ظل هذه الاجواء، أعلن ناطق باسم الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرجأ زيارة لتركيا كانت مقررة الاحد المقبل، من غير أن يفصح عن السبب.
ولاحقا، أفاد مصدر في مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ان بوتين سيزور تركيا في الثالث من كانون الاول .
وقال المصدر ان "الاجتماع الثالث لمجلس التعاون التركي - الروسي سيعقد في الثالث من كانون الاول في انقرة برئاسة كل من رئيس الوزراء (اردوغان) والرئيس الروسي".