Date: Oct 4, 2012
Source: جريدة النهار اللبنانية
الأزمة السورية تقترب من الانفجار الاقليمي
قصف تركي لمواقع أطلقت قذيفة على أراضيها

اتخذت الازمة السورية منحى خطيراً يهدد بنشوب حرب مفتوحة مع تركيا، مع ما يترتب على ذلك من اصطفافات اقليمية ودولية تدخل المنطقة في المجهول. إذ اعلنت أنقرة أمس انها قصفت مواقع سورية رداً على سقوط قذيفة من الجانب السوري على قرية تركية مما أوقع خمسة قتلى، ودفع حلف شمال الاطلسي الى عقد اجتماع طارىء بناء على طلب من تركيا العضو في الحلف. وتلت هذه الاحداث يوماً آخر دامياً في حلب حيث انفجرت اربع سيارات مفخخة في ساحة عبدالله الجابري أمام نادي الضباط وفندق وتسببت بمقتل 48 شخصاً بينهم عسكريون ودمار هائل في الابنية. وتبنت "جبهة النصرة" الاسلامية المتشددة القريبة من تنظيم "القاعدة" هذه الانفجارات. وفي امتداد اقليمي آخر للنزاع، قالت اسرائيل انها رصدت مسلحين في الجانب السوري من منطقة جبل الشيخ بهضبة الجولان المحتلة.


وأصدر مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بياناً جاء فيه ان الجيش التركي ضرب اهدافا داخل سوريا ردا على سقوط قذيفة هاون أطلقت من سوريا وقتلت خمسة مدنيين اتراك في قرية اكجاكالي المواجهة لمعبر تل أبيض السوري في محافظة الرقة.


وقال: "ردت قواتنا المسلحة في منطقة الحدود فورا على هذا الهجوم البغيض بما يتماشى مع قواعد الاشتباك. ضربت اهداف من خلال قصف مدفعي لأماكن في سوريا حددها الرادار". وأضاف: "لن تترك تركيا اطلاقا دون رد مثل هذا النوع من الاستفزازات من النظام السوري لأمننا الوطني".


وأوضح ان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو تحدث هاتفيا مع الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون ووزراء خارجية عدد من من الدول الاعضاء في مجلس الامن في شأن الحادث.
واعلن حلف شمال الاطلسي الذي عقد اجتماعاً على مستوى المندوبين الدائمين في مقر الحلف ببروكسيل، انه يقف بجانب تركيا ويحض سوريا على انهاء "الانتهاكات الفاضحة للقانون الدولي".
وصرح المندوب البريطاني الدائم لدى الامم المتحدة السفير مارك ليال غرانت بان مجلس الامن بحث في التوتر بين سوريا وتركيا وانه ينتظر رسالة تركية قبل النظر في الخطوات المحتملة.
وقال المندوب الغواتيمالي السفير غيرت روزنتال الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الامن لهذا الشهر إن السفير التركي طلب مقابلته هو وبان كي - مون.


وفي وقت سابق، قال بان في بيان تلاه الناطق باسمه مارتن نيسيركي ان هذا الحادث "يدل مجدداً على ان النزاع في سوريا لا يهدد امن الشعب السوري فحسب، لكن له انعكاسا سلبيا متناميا على جيران" دمشق. وطالب "الحكومة السورية بأن تحترم تماماً سلامة اراضي جيرانها وان تضع حدا للعنف ضد الشعب السوري". كذلك "طلب من جميع الاطراف خفض مستوى التوتر وايجاد الظروف لتسوية سلمية للازمة السورية".


وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بعد محادثات اجرتها مع وزير الخارجية القازاقي يرلان ادريسوف في واشنطن: "نشعر بالغضب لأن السوريين يطلقون النار عبر حدودهم... وبالاسف للخسائر في الارواح في الجانب التركي". ورأت ان الوضع "خطير جداً"، وأعلنت انها ستتصل لاحقا بنظيرها التركي لتتحدث معه "عما يمكن ان يكون التحرك الامثل في المستقبل... كل هذا بسبب نظام يتسبب بمعاناة هائلة لشعبه لمجرد رغبته في البقاء في السلطة".


وندد البيت الابيض بالقصف السوري للاراضي التركية. وحض الدول الاخرى على الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد للتنحي واعلان وقف النار وبدء انتقال سياسي. واكد وقوف الولايات المتحدة الى جانب تركيا.


وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" جورج ليتل: "هذا مثل آخر على السلوك المنحرف للنظام السوري وسبب لوجوب رحيله. ونحن نأسف لفقدان الارواح في تركيا وهي حليف قوي". وأشار الى ان الوزارة تراقب الوضع عن كثب.
وأكد الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية فيليب لاليو أن بلاده تقف إلى جانب أنقرة في هذه الظروف. كما نددت بريطانيا بالقصف السوري.


تحقيق سوري


وفي دمشق، صرح وزير الاعلام السوري عمران الزعبي للتلفزيون السوري بان السلطات السورية تحقق في مصدر قذيفة الهاون التي اطلقت من سوريا وسقطت داخل اراضي تركيا.
وقال ان "الجهات المعنية في سوريا تدقق في مصدر النيران التي ادت الى وفاة الشهيدة واولادها وتبحث في هذا الامر جدياً... نقدم تعازينا الحارة باسم الشعب السوري لعائلة الشهيدة واولادها والشعب التركي الشقيق والصديق".


وأضاف: "الحدود السورية - التركية هي حدود طويلة وتستغل لتهريب الاسلحة والذخائر والمسلحين الارهابيين الذين ارتكبوا المجازر... سوريا في سلوكها مع دول الجوار دائما تستند لقواعد حسن الجوار وتحترم سيادة الدول وندعو الدول ايضاً الى التعاون في ضبط الحدود كما تفعل سوريا... وينبغي ان تتصرف الدول والحكومات بحكمة وعقلانية ومسؤولية لان هناك حالة خاصة الان على الحدود السورية - التركية". واتهم مجموعات مسلحة ارهابية غير منضبطة بأنها وراء القصف.


"جبهة النصرة"


وبعد ساعات من حصول انفجارات حلب، أورد موقع "سايت" الاميركي المتخصص في متابعة اخبار المجموعات الاسلامية، ان "جبهة النصرة" الاسلامية المتطرفة تبنت هذه الانفجارات. وقالت انها ضربت مواقع تستخدمها قوات النظام هي ناد للضباط وقصر البلدية وفندق الامير وفندق آخر.  


اسرائيل


وفي تل ابيب، قال رئيس الأركان الإسرائيلي اللفتنانت جنرال بني غانتس امام ضباط اسرائيليين، إن الرئيس السوري بشار الاسد اخذ يفقد السيطرة على بلاده. ولاحظ أن منظمات إرهابية ذات صلة بتنظيمات الجهاد العالمي بدأت تحول سوريا مقراً لها، مما يعني أن إسرائيل ستواجه في هضبة الجولان تهديدا إرهابيا متزايداً، إلى التهديد العسكري.
وتوقع ان "تتحول سوريا في نهاية المطاف مستودعاً للوسائل القتالية سيكون في إمكان كل منظمة إرهابية استخدامه".

 

حلب

هزت سلسلة انفجارات دامية مدينة حلب أمس حيث تدور معارك طاحنة منذ اكثر من شهرين بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة، فيما اثار سقوط قذائف سورية في قرية حدودية تركية ومقتل مدنيين استياء انقرة التي اعتبرت الحادث "بالغ الخطورة".
 
أفاد "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له ان اربع سيارات مفخخة، انفجرت في حلب، ثلاث منها في ساحة سعدالله الجابري ومداخلها، ورابعة بالقرب من غرفة التجارة في باب جنين عند مدخل البلدة القديمة. وقال ان الانفجارات اسفرت عن مقتل 48 شخصا معظمهم من القوات النظامية، مشيرا الى احتمال ارتفاع عدد القتلى بسبب وجود نحو 100 جريح كثيرون منهم في حال الخطر.


ونقل عن مصادر طبية في المدينة ان "معظم القتلى والجرحى من القوات النظامية التي استهدفتها الانفجارات في نادي الضباط وحواجز القوات النظامية".


أما وزارة الداخلية السورية، فأوردت ان ثلاثة انفجارات حصلت في حلب نجمت عن انتحاريين وأن انفجارا نجم عن سيارة مفخخة فجرت من بعد، مما اوقع 34 قتيلا و122 جريحا وأضرارا كبيرة في المباني والممتلكات.
وقالت إن الانفجار الأول دوى الساعة السابعة والدقيقة الـ 50 في ساحة سعدالله الجابري حيث أقدم انتحاريان على تفجير سيارتين مفخختين من نوع "فان" محملتين بكمية من المتفجرات تقدر بـ1000 كيلوغرام.
وأضافت أن الانفجار الثاني دوى الساعة الثامنة والدقيقة الـ 17 أمام مبنى المحافظة حيث أقدم انتحاري ثالث على تفجير سيارة تحمل أكثر من 500 كيلوغرام، كما سقطت قذيفتا هاون قرب القصر البلدي.


اما الانفجار الثالث فدوى الساعة العاشرة والدقيقة الـ 35 لدى محاولة وحدات الهندسة تفكيك إحدى العبوات الناسفة التي تزن نحو 1000 كيلوغرام من المتفجرات، فتم تفجيرها من بعد أمام فندق "الأمير" وغرفة التجارة والمصرف المركزي.
واوضحت إن حصيلة الانفجارات بلغت 34 قتيلا و122 جريحا و الى مقتل ثلاثة مسلحين وأوقعت أضراراً مادية كبيرة في المباني والممتلكات العامة والخاصة وحطمت 250 سيارة. واشارت الى ان الانفجارات سجلت بعد توجيه ضربات قاسية الى "المجموعات المسلحة" في حلب، وقت يتوجه الطلاب إلى مدارسهم.


وبثت قناة "الميادين" التي تتخذ بيروت مقراً لها انه بعد انفجار السيارة المفخخة الاولى اقتحم انتحاريون نادي الضباط واشتبكوا مع العناصر التي كانت في الداخل وقتلوا عدداً منها قبل ان يقتلوا. وقالت ان انتحاريين آخرين اقتحموا الفندق وان أحدهم فجر نفسه في الداخل.
وعرضت قناة "الاخبارية" السورية مشاهد لمبنيين على الاقل دمرا تماما وعدد من الجثث وقد كساها الغبار والحطام. وهرع الناس في المشاهد التي بثها التلفزيون وهم يصرخون "هناك احياء تحت الانقاض".


وكانت صحيفة "الوطن" السورية الخاصة المقربة من السلطة نشرت ان القوات السورية "ردا على الفشل الذريع الذي منيت به (معركة الحسم) التي أعلنها مسلحو حلب منذ نهاية الأسبوع المنصرم" حسمت أمرها بالتقدم نحو الاحياء الشرقية "معقل المسلحين ومركز ثقلهم" ودخول حي الشيخ خضر. وافادت ان السيطرة على هذا الحي سيمكن القوات النظامية من تمهيد الطرق التي توصل إلى الأحياء الشرقية التي "ستدور فيها المعركة الفاصلة والأخيرة".


وعن المواجهات في حلب، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان المتمردين "يشنون هجوما الآن على قوات النظام في مركز المدينة الذي كان بمنأى عن اعمال العنف حتى الان". واشار الى انه "باستثناء عدد قليل من المناطق، فان حلب لم تعد مدينة آمنة". ورأى ان ما يحصل "جزء من المعركة الحاسمة والنظام لا يمكنه الان ان يقول انه يسيطر على المدينة".
 


5 قتلى أتراك

من جهة اخرى، وغداة مقتل مسلحين كرديين على الحدود السورية - التركية بنيران الجيش التركي لدى محاولتهما التسلل الى تركيا، سقطت قذائف اطلقت من سوريا داخل الاراضي التركية وسببت بمقتل مدنيين، الامر الذي اعتبرته انقرة حادثا "بالغ الخطورة".
وسقطت القذائف على قرية اكجاكالي قبالة مركز تل ابيض الحدودي السوري في محافظة الرقة الذي شهد اخيراً معارك ضارية بين الجيش السوري والمقاتلين المعارضين. وقال نائب رئيس الوزراء التركي بشير اتالاي ان اطلاق قذائف من سوريا وسقوطها في بلدة حدودية "حادث بالغ الخطورة يتجاوز كل حدود".


واعلن رئيس بلدية اكجاكالي عبد الحكيم ايهان ان القتلى هم ام واطفالها الاربعة، فضلا عن اصابة تسعة آخرين في سقوط قذائف اطلقت من سوريا على البلدة.
واظهرت مشاهد بثتها قنوات التلفزيون التركية شرطيين بجانب اشخاص في برك من الدم. وقال احد سكان القرية: "لقد تمزق جسد امرأة امام عيني".


وناشد نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج حلف شمال الأطلسي التحرك للرد على الهجوم الذي تعرضت له تركيا، العضو في الحلف. ونقلت عنه وكالة "الأناضول" التركية شبه الرسمية: "على حلف شمال الاطلسي أن يقوم بدوره في هذا الأمر عملاً بمادة اتفاقه التي تقول إنه في حال تعرض أحد أعضاء الحلف لأي هجوم، فعلى الحلف القيام بواجباته تجاه ذلك".


ودعا وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الى اجتماع عاجل في وزارة الخارجية، فيما جمع رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مستشاريه للبحث في احتمال الرد على الحادث.
وابلغ داود اوغلو فوراً الامين العام للامم المتحدة بان كي - مون الحادث. كما اتصل بالممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الاخضر الابرهيمي.
 

اشتباكات دمشق

وقال المرصد السوري ان حصيلة اعمال العنف في مختلف المناطق السورية بلغت 170 قتيلا هم 76 مدنيا و14 مقاتلا معارضا و80 جنديا نظامياً.
وكان قال سابقا ان القوات السورية قصفت مدينتي قدسيا والهامة اللتين تشكلان معقلي "الجيش السوري الحر" في ريف دمشق.
وفي ضاحية دمر المجاورة، تحدث صحافيون وسكان في المنطقة عن وجود ما لا يقل عن ثلاث دبابات وسبع شاحنات عسكرية مع عشرات الجنود في الشوارع. كما حالت السلطات دون توجه سائقي السيارات، بمن في ذلك الأسر التي تنقل أطفالها إلى المدرسة، إلى العاصمة وارغمتها على العودة عند الحواجز.


واقتحمت القوات السورية المزارع المحيطة ببلدة جسرين مع تحليق مروحي في سماء البلدة. ونفذت القوات النظامية حملة هدم للمنازل في احياء برزة والقابون ودمر.
وفي شمال غرب البلاد، تعرضت مدن وبلدات اريحا والناجية وبداما وقرية رام حمدان بريف ادلب لقصف عنيف من القوات النظامية، فيما استمرت الاشتباكات بين القوات النظامية والكتائب المقاتلة في منطقة الجبل الوسطاني.


وفي الجنوب، حيث مهد حركة الاحتجاج، تعرضت بلدات في ريف درعا كداعل والغارية الغربية وصيدا لقصف من القوات النظامية.
وفي حمص، تعرضت الاحياء القديمة لقصف عنيف من القوات النظامية.
وفي محافظة ادلب بشمال غرب سوريا، قتل 15 جنديا على الاقل في هجمات شنها مقاتلو المعارضة السورية وفي معارك في بلدة بداما.