بعد أكثر من شهرين من تفجير مبنى مقر الامن القومي في دمشق، نقلت المعارضة السورية المسلحة هجماتها مجدداً الى وسط دمشق، إذ طاولت أهم موقع عسكري للنظام عندما هز تفجيران انتحاريان مقر هيئة الاركان العامة للجيش في ساحة الامويين، ثم اقتحم مسلحون المقر، لتلي التفجيرين اشتباكات مع قوة الحراسة استمرت ثلاث ساعات اسفرت عن مقتل اربعة جنود وثلاثة مهاجمين وعن حريق كبير في جانب من المقر، فضلاً عن مقتل مراسل تلفزيون ايراني وجرح آخر. وتبنى "الجيش السوري الحر" وجماعة اسلامية تطلق على نفسها "تجمع انصار الاسلام - دمشق وريفها" الهجوم. وفي فندق ليس ببعيد من مكان الانفجارين، عقدت احزاب سورية معارضة تطالب بالتغيير الديموقراطي وترفض التسلّح، مؤتمراً حضره قادة عسكريون قرروا إلقاء السلاح وانتهاج الحوار. كما حضر المؤتمر سفراء كل من روسيا والصين وايران.
الإبرهيمي
وفي نيويورك كشف ديبلوماسيون لـ"النهار" أن الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا الأخضر الإبرهيمي تبادل مع مسؤولين دوليين فكرتين، تتضمن الأولى وقفاً قصيراً ومحدداً للنار بين أطراف الحرب السورية، والثانية ترتيب اجتماع بين حكومة الرئيس بشار الأسد وأطراف المعارضة.
وتبودلت هاتان الفكرتان بين الابرهيمي وعدد من الزعماء المشاركين في اجتماعات الدورة السنوية الـ67 للجمعية العمومية للأمم المتحدة. وأوضح ديبلوماسي عربي يتابع جهود الابرهيمي لإعداد خطة جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، أن زميله المتمرس "سينتقي ما يحتاج اليه من عدّة الشغل التي تحدث عنها أكثر من مرة، لأنه لا يريد أن يسير على الخطى التي أوصلت سلفه كوفي أنان الى ما وصل اليه". وأضاف أن "بيان مؤتمر جنيف يشكل جزءاً أيضاً من عدة الشغل هذه، وسينتقي الابرهيمي منه ما يساعده على التقدم في مهمته". ونقل عن الابرهيمي "ملاحظته أن هناك اجماعاً دولياً على ضرورة التوصل الى وقف للنار، ولو موقتاً ولفترة زمنية محددة. وهذا الأمر حيوي جداً من أجل ايصال المساعدات الإنسانية الى المحتاجين والعالقين في مناطق القتال"، مستدركاً بأن "الجهود تتركز الآن على اقناع الأطراف بوقف للنار، علماً أن صعوبة تحقيق ذلك ترتبط أكثر بعدم وجود قيادة موحدة للمعارضة السورية، فضلاً عن أن الحكومة السورية قد لا تتحمس للفكرة".
بيد أن "الفكرة الأبرز، وهي صعبة أيضاً، وتتصل بمحاولات بدأت فعلاً لجمع ممثلين للحكم مع ممثلين لمعارضة الداخل والخارج على أرض محايدة"، مشيراً الى "اقتراح لعقد اجتماع كهذا، أولاً على مستوى غير عال، في بلد مثل أسوج". وأفاد أن هذه الفكرة انبثقت من مشاورات شارك فيها نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون الذي كان وزيراً لخارجية أسوج سابقاً.
وسألت "النهار" وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عن الامر، فأكد أن "الفكرة مطروحة أمام الابرهيمي". أما وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، فتساءل: "ماذا ينقصنا لعقد اجتماع كهذا على أرض عربية؟"
مجلس الأمن
والى الخطب التي شهدها منبر الجمعية العمومية، عقد مجلس الأمن جلسة مع جامعة الدول العربية، تعزيزاً للتعاون بين المنظمتين الدولية والإقليمية في العمل على حل النزاعات. وأصدر بنتيجة الإجتماع بيان رئاسي تلاه وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله لأن بلاده تتولى رئاسة المجلس للشهر الجاري.
وجاء في البيان أن مجلس الأمن "يعيد تأكيد مسؤوليته الأولية عن صون الأمن والسلم الدوليين"، مكرراً أن "التعاون مع المنظمات الإقليمية وما دون الإقليمية في المواضيع المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم ووفقاً للفصل الثامن (من ميثاق المنظمة الدولية)، يمكن أن يحسن الأمن الجماعي".
وإذ ذكر بقراراته وبياناته عن العلاقة بينه وبين المنظمات الإقليمية "يعترف المجلس بالجهود التي تبذلها جامعة الدول العربية ويدعو الى المزيد من تعزيزها من أجل المساهمة في تسوية نزاعات الشرق الأوسط سلمياً، بالإضافة الى تشجيع رد المجتمع الدولي على التحولات التي تشهدها المنطقة". ورحب بـ"تكثيف التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في ضوء هذه التحولات التي تعكس التطلعات المشروعة لشعوب المنطقة الى الحرية والمشاركة السياسية والرخاء الإقتصادي والإجتماعي في مجتمع متعدد". وجدد "التزامه ايجاد سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط والسعي الى حل شامل للنزاع العربي - الإسرائيلي، مع تأكيده مبادرة السلام العربية".
لافروف
وأبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الجلسة استعداد موسكو لمناقشة كل الخيارات التي قد تحل الازمة السورية. وقال ان التسوية الحقيقية للازمة تكون من طريق الحوار والحلول الوسط. واكد دعم بلاده لمهمة الابرهيمي.
تفجير هيئة الاركان
استهدف تفجيران امس مقر هيئة الاركان العامة للجيش السوري في وسط دمشق وتسبب بمقتل اربعة جنود. واعلن "الجيش السوري الحر" وجماعة اسلامية مسؤوليتهما عن التفجيرين اللذين تلتهما اشتباكات بين حراس المبنى ومسلحين.
نقل التلفزيون السوري عن مصدر عسكري ان "التحقيقات الاولية تشير الى ان تفجيري اليوم (أمس) الارهابيين في محيط مبنى هيئة الاركان العامة وداخله ناجمان عن سيارتين مفخختين يقودهما انتحاريان". واضاف ان "التفجيرين الارهابيين اسفرا عن استشهاد اربعة من عناصر حراسة مبنى هيئة الاركان العامة متأثرين باصابتهم"، كما اصيب 14 شخصا آخرين "من المدنيين والعسكريين" بجروح. وعرض التلفزيون شريط فيديو قال ان كاميرات المراقبة في دار الاوبرا بساحة الامويين التقطته ويظهر "صور تنفيذ التفجيرين الارهابيين الانتحاريين". وبدت في الشريط سيارة "فان" بيضاء تبطئ سرعتها على الطريق في محاذاة الرصيف الملاصق للسور الخارجي للمجمع، قبل ان تنفجر مخلفة كمية كبيرة من الغبار.
واستنادا الى عبارة كتبت في الشريط، دوى الانفجار الثاني بعد نحو عشر دقائق من الاول، وذلك في مكان بعيد من الزاوية التي التقطت منها الكاميرا الصور. وظهرت من خلف سور المبنى كتلة كبيرة من النار والغبار، في حين وقف مسلحون بملابس مدنية في الجهة المقابلة قرب مكان الانفجار الاول. وأعلن تلفزيون "برس تي في" الذي يبث بالانكليزية ان مراسله مايا ناصر "قتل برصاص قناص في العاصمة السورية دمشق"، وان "مدير مكتب تلفزيون العالم حسين مرتضى اصيب بجروح" لدى مواكبتهما الاشتباكات في محيط مجمع الاركان. وصرح وزير الإعلام السوري عمران الزعبي للتلفزيون السوري بأن كل القيادات العسكرية والمسؤولين في قيادة الأركان ووزارة الدفاع بخير.
"الجيش السوري الحر" يتبنى
وأوردت صفحة "المجلس العسكري في دمشق وريفها" التابع لـ"الجيش السوري الحر" في موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي، ان "الجيش السوري الحر يضرب مبنى الاركان في دمشق ساحة الامويين".
وافاد الناطق باسم المجلس احمد الخطيب، ومدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" رامي عبد الرحمن الذي يتخذ لندن مقراً له، ان التفجيرين نفذا بتعاون وتنسيق مع عسكريين من داخل مبنى هيئة الاركان العامة.
وقال الخطيب ان ما جرى "تم بتنسيق مع عناصر من داخل المبنى... طبعا كانت العملية مخابراتية"، مؤكداً ان الاستهداف تم بسيارتين مفخختين وليس بتفجيرين انتحاريين. واشار الى ان افرادا من "الجيش السوري الحر"، "تمكنوا من الوصول الى محيط مبنى الاركان، وشنوا هجوما بالرشاشات والقذائف الصاروخية".
وقال عبد الرحمن ان العملية "تبدو كأنها تمردا داخل مبنى هيئة الاركان"، مشيرا الى ان "عناصر من داخل المجمع قريبين من الثورة ساهموا في جعل هذه العملية ممكنة". واضاف ان اشتباكات دارت بعد التفجيرين "واستمرت ساعات عدة"، وهي "الاعنف في العاصمة السورية منذ بدء الثورة"، كما ان التفجيرين هما الاشد في دمشق منذ تبني "الجيش السوري الحر" تفجيرا ادى الى مقتل اربعة من القادة الامنيين الكبار في 18 تموز الماضي، بينهم وزير الدفاع داود راجحة والعماد آصف شوكت صهر الرئيس السوري بشار الاسد. وروى مصور "وكالة الصحافة الفرنسية" في دمشق ان افراد الاجهزة الامنية قطعوا كل الطرق المؤدية الى وسط العاصمة بعيد التفجيرين. واشار الى تحطم زجاج النوافذ في مجمع الاركان الذي ادى التفجيران الى تدمير جانب من السور المحيط به، كما خلفا حفرة بعمق مترين خارجه.
مجموعة إسلامية
الى ذلك، تبنت مجموعة اسلامية تطلق على نفسها "تجمع انصار الاسلام - دمشق وريفها" التفجيرين، موضحة ان منفذيه هم خمسة من افرادها بينهم انتحاري. وجاء في بيان لها على الانترنت: "قام احد مجاهدينا الاستشهاديين باستهداف المدخل الرئيسي للمبنى من طريق تفجير سيارته"، بينما "قامت مجموعة ثانية مؤلفة من اربعة مجاهدين... باقتحام المدخل"، وقاموا "بالتعاون مع بعض الشرفاء من داخل المبنى" بتفجير "العبوات المزروعة في الطابق الثالث". وأضافت: "قامت ثلة من المجاهدين الابطال بالتعاون مع سرية الهندسة العسكرية في لواء الحبيب المصطفى... من تجمع انصار الاسلام بتنفيذ عملية استشهادية معقدة استهدفت مبنى اركان العصابة الاسدية المجرمة". واشارت الى ان افراد التجمع "قاموا بالتعاون مع بعض الشرفاء من داخل المبنى بزرع اربع عبوات متفجرة من مادة شديدة الانفجار. وفي الساعة السابعة الا خمس دقائق (4:55 بتوقيت غرينيتش) من صباح اليوم الاربعاء... بدأت العملية المباركة"، مما دفع "ضباط وجنود الاسد الى الهروب من المبنى الى الخارج، وجرح وتدمير كل من كان موجودا في ساحة المبنى وتسبب بحريق هائل في المبنى نفسه". واضافت: "اننا نحتسب عند الله تعالى خمسة من مجاهدينا الابطال شهداء احياء عند ربهم يرزقون"، متوعدة "النظام المجرم" بعمليات اضافية "ستزلزل اركان حكمه المتهاوي اصلا".
ضحايا العنف
وفي اعمال عنف اخرى، تحدث المرصد عن اعدام 16 شخصا على الاقل في حي برزة شمال دمشق على ايدي مسلحين موالين للنظام. وقال ان المسلحين اقتحموا منازل الضحايا الساعة الخامسة فجر الاربعاء (2:00 بتوقيت غرينيتش) "واطلقوا النار عليهم"، في حين تحدثت "الهيئة العامة للثورة السورية" عن "مجزرة ارتكبها شبيحة النظام" الذين "اعدموا الضحايا ميدانيا" في حي برزة ذي الغالبية السنية.
وقال ناشطون من المعارضة السورية ان قوى الامن الموالية للاسد قتلت أكثر من 40 شخصا في بلدة الذيابية الصغيرة جنوب شرق دمشق في ما وصفوه بأنه "مذبحة". وأظهر شريط فيديو نشره ناشطون صفوفا من الجثث التي تغطيها الدماء ملفوفة باغطية. وبدا أن القتلى الذين أظهرتهم الكاميرا كانوا ذكورا أعمارهم من 20 سنة فما فوق. وقال ناشطون ان عدد من قتلوا ربما وصل الى 107 أشخاص. واكد المرصد مقتل 40 شخصا فقط. واعلن ان الحصيلة الاجمالية للنزاع الذي بدأ في 15 آذار 2011، بلغت حتى أمس اكثر من 30 الف قتيل بينهم 21534 مدنياً و7322 جنديا مواليا للحكومة و1860 جنديا من المنشقين عن الجيش.
|