Date: Oct 8, 2015
Source: جريدة الحياة
التدخل الروسي يزيد إشتعال الحرب السورية - شفيق ناظم الغبرا
أعاد التدخل العسكري الروسي في سورية ثم توجيه ضربات جوية ضد عدد من مواقع المعارضة السورية إلى الحرب السورية شعلتها. لقد أصبحت هذه الحرب أكثر تعقيداً من خلال إلإضافة الروسية، وهذا يعني أن الحلول التي تتعلق بسورية لن تكون ممكنة في المدى المنظور، فالتدخل الروسي سيفرض أجندته السياسية والعسكرية، فهو من جهة سيقوي الرئيس بشار الأسد لكنه في الوقت نفسه سيضعفه ويضعف نسبياً النفوذ الإيراني، كما سيقوي الجيش السوري صاحب العلاقة التاريخية مع روسيا على حسابهما. في المرحلة القادمة سيسعى الطيران الروسي لدعم الجيش السوري وقوات «حزب الله» في محاولة لاستعادة مناطق فقدها النظام الذي يسيطر الآن على ٢٠ في المئة من الأراضي السورية، وسيسعى الروس في الوقت نفسه لامتحان قدراتهم على كل الأصعدة، وهذا سيفتح عليهم جبهات جديدة بخاصة ان التدخل الروسي يحصل وسط رفض شعبي عربي ووسط رفض سعودي و تركي. في سورية ولّدت الحرب منذ بداياتها سلسلة حروب، وكل توسع لهذه الحرب سيؤدي الى مزيد من الإشتعال.

ان الثمن الذي يدفعه الشعب السوري مخيف بكل المقاييس، ففي سورية تقع أكبر كارثة انسانية لشعب ولمجتمع، وهذا نتاج كارثة الإستبداد ودوره في منطقتنا، فسورية تدفع ثمن عدم قدرة نظامها السياسي على الخروج من الأزمة منذ بدايتها، بل تدفع ثمن مراهنة النظام على وأد الثورة السورية في مهدها. ومن يعتقد أن التدخل الروسي سيعيد عقارب الساعة الى الوراء سيصاب بخيبة أمل كبيرة، فروسيا معرضة لخسائر، حالها هي حال غيرها من القوى الدولية التي تتدخل في الاقليم.

وبالإمكان تقييم التدخل الروسي من أكثر من بعد، فروسيا تطمح لحماية مصالحها وقاعدتها ومينائها في سورية، كما أنها تسعى لملء بعض النفوذ الذي أخلته لها الولايات المتحدة، وروسيا لن تتردد في دعم هجمات النظام وحلفائه لاستعادة مواقع عدة. لكن روسيا في وسط هذا المستنقع سترتكب أخطاء، وستقتل مدنيين أبرياء، وستهاجم معارضين ليسوا من «داعش» كما فعلت في الايام الاخيرة. كل هذا سيدفع بقوات سورية معارضة عديدة لمواجهتها والتصدي لها. روسيا بين احتمالين: سياسة تثبيت ومنع انهيار نظام الأسد، وهذه هي سياسة الحد الأدنى المرتبطة بالسياسة الروسية، لكن روسيا ستنجرف نحو سياسة أكثر هجومية بهدف إستعادة بعض المناطق لصالح النظام السوري، وهذا سيضعها في مواجهة أكبر مع المعارضة السورية، التي قد تشهد تحولات جديدة.

وللروس وضع داخلي سيتأثر من جراء خسائر كبيرة أو متوسطة، ولديهم طيران سيتأثر من جراء خسائرعلى مدى متوسط، ولديهم إقتصاد متراجع سيتأثر بأي حرب مفتوحة. فسورية ليست على حدود روسيا، ولهذا ستكون الظروف الروسية أشد صعوبة. والأخطر على روسيا انها تدخلت في حرب لن تخرج منها منتصرة، هي الحرب نفسها التي خشيت منها الدولة الأقوى: الولايات المتحدة، بل حتى تركيا ترددت في دخول الدوامة السورية.

لو نظرنا الى المعارضة بتنوعها وصولاً الى «الدولة الإسلامية» (داعش) بتطرفها سنجد أن التدخل الروسي سيزيد من قوة الأطراف الجهادية وإصرارها على التصدي للتدخل الروسي، وستعود الذكريات القديمة التي أسست الجهادية الإسلامية في حرب أفغانستان. فالتصدي للقوات الروسية سيكون حافزاً للكثير من الجهاديين السوريين والإقليميين. هناك مصادر مختلفة تؤكد وجود بضعة آلاف من المقاتلين الجهاديين الشيشان في سورية. لهذا من المتوقع ان يلعب هؤلاء دوراً في نقل خبرتهم في مواجهة الروس الى الساحة السورية. المقصود هنا: الرحلة الروسية في سورية لن تكون إلا رحلة صعبة محفوفة بالمخاطر. فروسيا وضعت قدمها الآن في عش دبابير، وهذه هي القصة نفسها التي تتكرر في كل مكان: التدخل العسكري يفتح الباب لحروب غير مرئية.

ورغم التواصل الأميركي الروسي حول العمليات ضد «الدولة الإسلامية»، الا أن لتركيا رؤية حول سورية من الصعب ان تتنازل عنها لصالح روسيا، كما لدول الخليج والمملكة العربية السعودية موقف من سورية والرئيس الأسد لن تتراجع عنه في المدى المنظور. وفي الحد الادنى لن تقبل تركيا كما لن تقبل دول الخليج بتراجع المعارضة وهزيمتها ولا بالتمدد الروسي، من هنا سترتفع نسب الدعم للمعارضة في المرحلة القادمة وبالأخص لأطراف منها يمكن التفاهم معها حول المرحلة الإنتقالية. هذا يعني عملياً ان الجبهات السورية ستزداد إشتعالاً، وأن المعارضة ستحضر هي الأخرى لهجمات واسعة في مناطق تسمح لها بأخذ المبادرة.

إن تحالف روسيا العلني مع الرئيس بشار الأسد وعلاقة سياساته المدمرة بموت مئات الالوف من السوريين وتهجير الملايين منهم لن يكون أمراً يسيراً على العلاقات الروسية العربية القادمة. هنا نقطة الضعف الروسية الأساسية. وفي الوقت نفسه سيدفع بروز روسيا في وضع المدافع عن النظام بوضعه المتراجع الراهن، الى فقدان ما تبقى لها من نفوذ.

هنا يمكن إستحضار التدخل الإسرائيلي في الحرب الاهلية اللبنانية في حرب ١٩٨٢، وكيف إعتقدت اسرائيل ان الفرصة مؤاتية لتحقيق انتصار كبير وفرض حل نهائي لحرب لبنان وللقضية الفلسطينية في الوقت نفسه. بل في ذلك الزمن قامت سورية بدعم «الحركة الوطنية» اللبنانية التي تصدت ووجهت ضربات للقوات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية وصولاً الى دعم حرب طويلة لفرض الإنسحاب على إسرائيل عام ٢٠٠٠ من الجنوب اللبناني. لن نعرف طبيعة الدور التركي تجاه سورية والتدخل الروسي قبل الإنتخابات التركية القادمة التي ستقرر الكثير عن مستقبل سياساتها في سورية. وتحت كل الظروف ما زالت حرب العراق وحرب أفغانستان حاضرتين في التجربة الاميركية، فهل سننتظر لتكتوي روسيا بذات النيران التي سبق لها أن أدمت الولايات المتحدة قبلها؟

لا حل حقيقياً للأزمة السورية خارج إطار التفاوض على حكومة وحدة وطنية ومرحلة إنتقالية وإعادة بناء سورية وقيادة جديدة وانتخابات حقيقية لرئيس جديد يخرج سورية من عباءة المرحلة الأسدية. لا يوجد مستقبل للأسد في سورية، لكن حتماً يوجد مستقبل للعلويين ضمن نظام سياسي عادل يمثل الشعب السوري بتنوعه. واضح ان السياسة التي انتهجها الرئيس السوري كانت كارثة على سورية بكل فئاتها بمن فيهم العلويون أنفهسم. فالخروج من المأزق سيتطلب ضمانات لكل الطوائف، لكن ذلك غير ممكن من دون قيادة جديدة لسورية. هذا التطور لن يقع قبل إختبار روسيا بالتجربة لمدى سياساتها الجديدة. ستبقى الحالة السورية مشتعلة بلا حسم الى أن تكتسب العناصر المؤيدة للمرحلة الانتقالية، بين كل الفرقاء، القوة والنفوذ.

كل تدخل يدفع بفئات جديدة للإستعداد لحرب أطول. كل موت يجر للمزيد منه. كل محاولة للتدخل الأجنبي المباشر ستجر مقاومة وكل سعي لإحياء نظام فقد شرعيته سيجر شرعيات أخرى مضادة لتثبيت مكانتها. هكذا تستمر الحرب السورية. لا حل في معظم الحروب والنزاعات العربية إلا بالتسويات العادلة. إن العدالة جوهرية لأي تسوية ناجحة قابلة للحياة.


* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت