Date: Sep 5, 2015
Source: جريدة النهار اللبنانية
استقالة وزير قد تُنقذ هذه الجمهورية - فاديا كيوان
للنظام الديموقراطي آليات أهمها تداول السلطة والمساءلة والمحاسبة. ولا شك في أن تعثّر أي من هذه الآليات قد يخلق أزمة فكيف إذا كان التعثّر يطاول هذه الآليات كلها دفعة واحدة؟

غني عن القول أن إمكان تداول السلطة والمساءلة والمحاسبة ينفّس الاحتقان ويجدّد الآمال بقدرة النظام على البقاء عبر تعديل في الأداء أو حتى عبر تبديل الأشخاص وأحيانا النهج المتّبع. ويمكن القول أن هذه الآليات بحدّ ذاتها تعزز الديموقراطية. أما غيابها فيدفع الى المزيد من الاحتقان في حال تراكمت الازمات وتشعّبت. ووضع كهذا قد يؤدي الى الانفجار أو الى انهيار الدولة والغرق في الفوضى.

جاءت تجربة الدول الغربية لتوسّع دائرة الفرص لتعزيز الديموقراطية فتكرّرت تقريبا في كل الدول الغربية ظاهرة الاستقالة من قبل مسؤول ما ، حتى إن لم يكن في موقع الاتهام أو التقصير، تعبيرا عن تحمّله المسؤولية المعنوية عن وقوع ضرر ما في المجال الذي يتحمّل فيه مسؤوليات عامة. في بعض الأحيان، يستقيل المسؤول في انتظار التحقيق فيأتي الأخير فينصفه، مبرءا إياه أم مثبّتا مسؤوليته عما يكون قد حدث. وفي أحيان أخرى يستقيل مسؤول ما ليرفع المسؤولية عن نفسه وليترك لسواه تحمل مسؤولية ما يعتبر أنها عائدة الى هذا الأخير. وعندما يكون المسؤول المستقيل بريئا، غالبا ما تعزز الاستقالة من موقعه وتلمّع صورته.

عرف لبنان حالات معدودة من الاستقالة ولسوء الحظ لم تكن النتيجة تبرئة المسؤول المستقيل أو تعويمه لدى الرأي العام، بل مجرد ابتعاده عن السلطة ومنافعها وجاهها وإنقضاض سواه لإلتهام حصّته... أما الأشخاص المعدودون الذين استقالوا في وقفة ضمير وتعبيرا عن رفض واقع ما ورفض أن يكونوا شهود زور، فقد بقوا طيورا تغرّد خارج السرب، وبقيت القافلة السياسية تسير... إنها ثقافة مجتمع وطني بكامله ونأمل أن تكون قد تغيّرت.

أما بعد، ففي سياق تفاقم أزمة النفايات وتصاعد الحراك الشعبي/الشبابي الاحتجاجي وتعقيداته، فإنني مقتنعة بأن الوزير محمد المشنوق هو ضحية تفاقم هذه الازمة التي عمرها سنوات بل عقود. إنها نهج اعتمدته الطبقة السياسية وعمّمته على كل الراغبين في حفنة من السلطة، فإما أن يشاركوا في النهج أو يسكتوا عليه للبقاء في نعمة السلطة. وواضح تماما أن أزمة هذا النهج قد انفجرت قنبلة بين يدي الوزير محمد المشنوق، من خلال غرق البلاد والعباد في النفايات.

كان جديرا بالوزير أن يستقيل منذ أن إنسدّ في وجهه أفق الحل مع إقفال مطمر الناعمة، حفاظا على كرامته وعلى كرامة من يمثّل – وقد قرأنا أنه حريص على منع الخلل في التمثيل – وقد رأينا كيف وضعته الطبقة السياسية في واجهة الازمة من دون أن تعطيه فرصا أو هامشا لإيجاد حلول مستدامة. وحامت الشبهات حول سعي الطبقة السياسية للحفاظ على مكتسباتها بل وزيادة هذه المكتسبات عبر المحاصصة في إدارة النفايات ومعالجتها.

وأسوأ ما في هذا المشهد حيث يغرق الشعب في النفايات، أن الدولة لم تصغ أبدا لصرخة الحراك الشبابي الذي يحمل وجع الناس. والأسوأ الأسوأ هو أنه تمّ تعنيف المتظاهرين والمعتصمين والإفراط في استعمال القوة في وجه تحرّكهم السلمي.
لكن أن تقوم بما يلزم متأخرا يبقى أفضل من ألا تفعل ذلك أبدا.

إذا استقال الوزير محمد المشنوق سيحدث صدمة إيجابية سترتدّ إيجابيا عليه وعلى صورته لأن الناس ستتأكد من أنه لم يكن هو المسؤول عن الازمة ولم يكن قادرا على حلّها بنفسه. وسينصفه التاريخ.

إذا استقال الوزير محمد المشنوق سيكون ذلك إشارة منه الى المتظاهرين ولا سيما الشباب منهم، بأن رسالتهم قد وصلت وصرختهم المدوّية في الساحات قد اخترقت جدار السلطة. وسيبيّن ذلك أنه، على الأقل هو، يحترم كرامة شعبه. وسيعيد ذلك إليه حقه في أن تمسح استقالته الخدوش التي أحدثتها الهتافات النابية ضده، ربما عن غير حق.

ليس هناك أنبل من الانحناء أمام إرادة الشعب ولا أصدق من الإقرار بأن بعض المعالجات ليست في يدنا وأن هناك مسؤولين عن المعوقات وعن تعثّر المعالجات السليمة والمستدامة لمشكلة النفايات.

رُدّ الكرة، يا معالي الوزير، وضع استقالتك في يد رئيس الحكومة فتعطيه فرصة لاستعادة المبادرة وهامشا للمعالجات. وليرفع رئيس الحكومة بدوره استقالتك الى مجلس إدارة شركة لبنان الكبير.

إذا استقال الوزير محمد المشنوق ربما أنقذ هذه الجمهورية.

أستاذة في جامعة القديس يوسف