Date: Apr 1, 2015
Source: جريدة النهار اللبنانية
كان الأجدر بالمجلس الدستوري عدم إصدار القرار - هادي خليفة
تعليق على القرار رقم 2014/7 الصــادر عـن المجلس الدستـوري بتاريخ 2014/12/4 القاضي برد الطعن بالقانون رقم 2014/16 المتعلق بتمديد ولاية مجلس النواب.
 
أ - لجهة إقرار القانون:

1- عقد مجلس النواب بتاريخ 2014/11/5 جلسة تشريعية أقر بموجبها القانون رقم 16 الوارد بموجب ـ إقتراح قانون ـ والقاضي بتمديد ولاية مجلس النواب وقد أعطي القانون المذكور صفة المعجـّل كي يصار الى إصداره خلال خمسة أيام سنداً للمادة 56 من الدستور، وأحاله رئيس مجلس النواب الى الحكومة فور إقراره.

2- أبلغ أمين عام مجلس الوزراء مجلس الوزراء خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 2014/11/6 وبصفته يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة ً سنداً للمادة 62 من الدستور بإقرار القانون المذكور بعد ان أعطى هذا التبليغ تاريخاً صحيحاً بموجب المحضر رقم 2060/ص- تاريخ 2014/11/6

3- إنكفــأ مجلس الوزراء ولإعتبارات سياسية عن إصدار القانون سنداً للفقرة الاولى من المادة 56 من الدستور بصفته يمارس وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية وفقاً لما نصت عليه المادة 62 من الدستور.

4- أصبح القانون نافذاً حكماً بتاريخ 2014/11/11 مما وجب نشره في الجريدة الرسمية.

5- أقـرّ القانون بمادة وحيدة نصت على ما يلي: تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي بتاريخ 20 حزيران 2017.

6- أعطي القانون عنوان – "تمديد ولاية مجلس النواب" ـ وهو مغاير لمضمون المادة الوحيدة، فالتمديد يعني زيادة المدة والأجل، بينما الانتهاء يعني نهاية أمر والتوقف عنه.

7- تقدم عدد من النواب بطعن امام المجلس الدستوري طعناً بالقانون رقم 16/ المعجـّل- النافذ حكماً ـ والذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 2014/11/11 – العدد 48.

8- أصدر المجلس الدستوري القرار رقم 7/2014- تاريخ 28/11/2014 – الذي قضى برد الطعن وتم نشر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ 2014/12/4 العدد 52-

ب – في الطبيعة القانونية لقرارات المجلس الدستوري:

رسـّخ المشترع في القانون 250- تاريخ 1993/7/14 المعدّل- والمتعلق بإنشاء المجلس الدستوري قاعدة قانونية منح بموجبها قوة للقرارات التي تصدر عن المجلس الدستوري لا تضاهيها في قوتها إلاّ القوانين الإلزامية – impérative – فقد نصت المادة 13 من القانون المذكور على ما يلي: تتمتع القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بقوة القضية المُحكمة وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والادارية.

أراد المشترع من هذا النص تكريس القاعدة بأن الشرائع التي لا تتبدل هي: "شرائع العدل والضمير" التي يفترض بالمجلس الدستوري تكريسها من خلال قراراته، وإن هذه الإلزامية لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية تعني من الوجهة القانونية نفاذ هذه القرارات بمواجهة الكافة – erga omnes – وهذه الخصوصية التي منحها المشترع للقرارات الصادرة عن المجلس الدستوري ليست عصية على الفهم كون المجلس الدستوري يُبقي لنفسه قيمته الذاتية ليحفظ روحية دولة القانون، فالسلطة التشريعية وإن كانت مقيـّدة بالقواعد التي رسـّخها لها الدستور فانها معـرّضة للخروج عنهــا.

ج – في التعليق على القرار رقم 7/2014:

1- في خلاصة ما ورد من أسباب الطعن:
ورد في المراجعة ان القانون المطلوب إبطاله يتوجب تعليق مفعوله كونه مدد الى 2017/6/20 ولاية مجلس النواب الحالي تلك الولاية التي سبق تمديدها بصورة إستثنائية الى 2014/11/20 – بموجب القانون 246/2013 ما من شأنه ان ينشيء ولاية جديدة كاملة لمجلس النواب بفعل هذين التمديدين، وان القانون المطعون فيه لم يرد فيه أي إشارة الى طابعه الاستثنائي على عكس القانون السابق، وان تعليق مفعول القانون المطعون فيه من شأنه تمكين السلطات المختصة من إجراء الانتخابات بالتاريخ المحدد بالمرسوم رقم 321- تاريخ 2014/12/19 (دعوة الهيئات الناخبة لإنتخاب أعضاء مجلس النواب) وان تحقق واقعة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ينفي طابع الاستثناء ومصلحة الدولة العليا والخطر الأمني الداهم

وما شابه من أسباب تم إيرادها في الأسباب الموجبة، وان القانون المطعون فيه مستوجب الابطال لمخالفته الفقرة- ب – من مقدمة الدستور والفقرة –ب – من المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة في 1966/12/16 والذي إنضم اليه لبنان في العام 1972، وان القانون المطعون فيه خالف المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ولمخالفته الفقرات –ج- و د- وهـ - من مقدمة الدستور، ومخالفته مبادىء وثيقة الوفاق الوطني ولمخالفته المواد 27 و44 و32 و42 و57 و19 من الدستور، وإن الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية لا يشكل الذريعة لعدم إجراء الانتخابات النيابية.

2- في أسباب القرار وما شابه من مخالفات دستورية وقانونية:
أ – رفض المجلس الدستوري وبدون أي تعليل التطرق الى طلب تعليق مفعول القانون المطعون فيه ورأى:
بعد تدارس هذا الأمر انه لا يوجد سبب للاستجابة له،

إن أولى واجبات المجلس الدستوري تعليل قراراته نظراً لكونها قرارات كما سبق وذكرنا تتمتع بقوة القضية المحكمة – force de la chose jugée – وتسري في مواجهة الكافة، وليس للتدارس ان يحـل مكان التعليل كي لا يكون المجلس في موقع المتخلي عن دوره في مراقبة مدى دستورية القانون المطعون فيه.

ب – ناقض القرار موضوع التعليق ذاته عند مناقشة مدى مخالفة القانون المطعون فيه للمبادىء الواردة في مقدمة الدستور، وهنا أراد أن يطبق على نفسه القول المأثور:
" ليس هناك من أطرش أكثر من الذي لا يريد ان يسمع"
فهو إستخرج بعد المداولة، ان تمديد ولاية مجلس النواب يتعارض مع الدستور،

وإنمـا، من حيث المبـدأ،

وإن تأجيل الانتخابات لمدة محددودة نتيجة الظروف الاستثنائية لا تبرر تمديد ولاية مجلس النواب سنتين وسبعة أشهر، وأنه لا يجوز ربط إجراء الانتخابات النيابية بالتوافق على قانون إنتخاب جديد، وخلص بالنتيجة الى رد الطعن للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية،

تشكـل النتيجة التي وصل اليها القرار حالة صارخة من التناقض مع القرار رقم 1- الصادر عن المجلس الدستوري بتاريخ 1997/9/12 عندما أبطل القانون رقم 654- تاريخ 1997/7/24 المتعلق بتمديد ولاية المجالس البلدية... الذي تناول التمديد من زاوية تعطيل لمبدأ دستوري، وقد إستند لإبطال القانون المذكور الى الفقرة –ج- من مقدمة الدستور وللمادة 7 منه، وأورد ان الانتخاب هو التعبير الأمثل عن الديموقراطية وان حق الاقتراع وحق المواطن ان يكون ناخباً ومنتخباً هو من الحقوق الدستورية الذي يتولد عنه مبدأ الدورية في ممارسة الناخبين لحقهم في الإقتراع، وأنه وإن كان يعود للمشترع ان يقدر وجود ظروف إستثنائية تستدعي منه سن قوانين لا تتوافق مع أحكام الدستور في حدود المدة التي تستوجبها هذه الظروف فإن ممارسته لهذا الحق تبقى خاضعة لرقابة المجلس الدستوري.

وعوض ان يتقيد المجلس مـُصدر القرار موضوع التعليق بما سبق وقرره إعمالاً منه لمبدأ سريان قراراته بمواجهة الكافة ومن باب أولى ان يطبق على نفسه ما سبق وقرره، إختار ان يُخضع التمديد لعملية المدّ والجزر، وكأنه أراد ان يسلم نفسه للطبقة السميكة الحاكمة التي غالباً ما تكون أفكارها بالنسبة لها حقائق مطلقة، وإن كان ذلك على حساب دولة القانون – Etat de droit.

وعوض ان يكون القرار موضوع التعليق صارماً بعدم إنتهاك حقوق الشعب الذي أظهره الدستور أنه مصدر السلطات، وان لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على إحترام الحريات العامة وان إحترام هذه الحريات ملتصق بالمنفعة التي يراهن عليها الشعب في كل مرة يتوجـّه فيها للتعبير عن حقه بالاقتراع، وان حرمانه لهذا الحق يولـّد حالة من الديكتاتورية المقنـّعة déguisée على حساب الديموقراطية، وقد عرّف الفقيه الدستوري Georges Vedel الديموقراطية أحسن تعريف:

La démocratie est précisément: gouvernement du peuple par le peuple et pour le peuple, C'est une évolution vers la liberté.

إلاّ ان القرار موضوع التعليق آثـر إلباس القانون موضوع الطعن ثوباً بغيضاً بحجة عدم حدوث الفراغ،وهو ما يؤدي الى تآكـل النظام الذي تقوم عليه الجمهورية اللبنانية، ووضع دولة القانون على المحك عندما يصار الى تقزيم المبادىء التي يجب ان يعتاد عليها الشعــب.

La Constitution tient á laisser une liberté maximale á l'individu...Dalloz- Les grandes décisions des Cours Constitutionnelles Européennes- p:153

وقد هضم القرار موضوع التعليق الفراغ الذي أظهره له بكل " كياسة " من كان يهدف الى تمديد ولاية مجلس النواب وإن كان ذلك يؤدي الى تقطيع أوصال دولة القانون لتحقيق نزوات سياسية أرادها من مـدد ولايـة مجلـس النـواب.

الخلاصة
كان أجدر بالمجلس الدستوري عدم إصدار هذا القرار الذي يستشف منه خرقاً لكل القيم التي نهضت عليها مرتكزات الدولة اللبنانية أو أقله أن يحذو بتفكيره على أفكار العالم الفرنسي الشهير Pascal – في كتابه La pensée عندما قال:
Faire que ce qui est juste soit fort,
Ou,
Que ce qui est fort soit juste.
وأخيراً نقـول:
أللهـم لا أسألـك رد القضاء، إنما أسألـك اللطـف فيـه...