Date: May 12, 2021
Source: جريدة الشرق الأوسط
الولايات المتحدة تؤكد «دعمها القوي» لتونس وحزب معارض يدعو الحكومة إلى الاستقالة
جدل حول لجوء حكومة المشيشي إلى «صندوق النقد» طلباً لتمويلات
أكّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس «الدعم القوي» من جانب واشنطن للديمقراطية التونسية الناشئة، وذلك في محادثة هاتفية أمس (الثلاثاء) مع الرئيس التونسي قيس سعيد الذي تتفاوض بلاده المثقلة بالديون على خطة مساعدات مع صندوق النقد الدولي.

وقال البيت الأبيض في بيان إن هاريس «أكدت دعم الولايات المتحدة القوي للديمقراطية التونسية». وأضاف أن سعيد وهاريس شددا على «أهمية المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد».

من جهتها قالت الرئاسة التونسية في بيان إنه تم خلال الاتصال التطرق إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في تونس.

وكتبتت نائب الرئيس الأميركي على «تويتر» «نحن إلى جانب تونس في الوقت الذي تقوم بالإصلاحات اللازمة لمواجهة التحديات التي تمثّلها الجائحة».

وتوجّه وفد تونسي إلى واشنطن الأسبوع الماضي للقاء مسؤولي صندوق النقد الدولي. كما التقى الوفد مسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة.

ويواجه الاقتصاد التونسي صعوبات منذ ثورة 2011 وزادت تداعيات التدابير الصحية بسبب الجائحة من تأزم الوضع المالي للشركات الخاصة والحكومية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وسجل النمو الاقتصادي في الفصل الأخير من 2020 تراجعا نسبته 6.1 في المائة. أما البطالة وهي الملف الذي يؤرق الحكومات منذ 2011 فقد ارتفعت إلى 17.4 في المائة في بلد يبلغ عدد سكانه 11.7 مليون نسمة.

ويدعو الصندوق السلطات التونسية منذ زمن إلى توجيه مساعدات مباشرة للعائلات الفقيرة بدلا من نظام دعم أسعار بعض المواد مثل الخبز والمحروقات، الذي يستفيد منه الجميع حاليا.

كما تدعو الهيئة المالية إلى تقليص عدد الموظفين الحكوميين وخفض دعم الشركات العامة التي تواجه صعوبات مالية.

حزب معارض يدعو الحكومة التونسية إلى الاستقالة
تونس: المنجي السعيداني
دعا خليل الزاوية، رئيس حزب «التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات» المعارض، رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى الاستقالة من منصبه، والبدء فوراً في حوار وطني شامل «يجمع كل الأطياف السياسية والاجتماعية، ولا يقصي أحداً»، بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد، ومساندة الرباعي الراعي للحوار السياسي، الذي أجري نهاية سنة 2013، وأفضى وقتها إلى حل الأزمة السياسية، على حساب حركة النهضة التي كانت تتزعم المشهد السياسي.

وبهذا الموقف، أصبح حزب «التكتل» يقف على طرف نقيض من الائتلاف البرلماني والحكومي، الذي تتزعمه حركة النهضة، الداعم القوي لحكومة هشام المشيشي، وهو ما عبر عنه رفيق عبد السلام، القيادي في النهضة، بقوله إن حكومة المشيشي «مستمرة ولن تستقيل».

واعتبر الزاوية أن حكومة المشيشي «فشلت في إقرار الإجراءات الصحية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية لمواجهة جائحة كورونا»، كما اتهمها بـ«التستر وانعدام الشفافية والتشاور مع بقية الأطياف السياسية والاجتماعية، فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، والمفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، ما أفقد الشعب التونسي ثقته في الحكومة بطريقة غير مسبوقة منذ الثورة»، على حد تعبيره.

وقال الزاوية لـ«الشرق الأوسط»، إن كلفة تغيير الحكومة الحالية وما سينجر عن ذلك من تغييرات سياسية «يظل أقل بكثير من كلفة بقائها في ظل هذا العجز اللامسبوق، وفشلها البائن في التعاطي مع مختلف الملفات الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على تعطل علاقتها مع بقية مؤسسات الدولة».

ويرى مراقبون أن دعوة «التكتل» إلى رحيل الحكومة الحالية سيكون لها ثقلها السياسي والاجتماعي، وذلك بسبب التنسيق الكبير بين الأحزاب اليسارية مع اتحاد الشغل (نقابة العمال)، خصوصاً فيما يتعلق بالعمل الحكومي وبقية مؤسسات الدولة.

وكان رفيق عبد السلام، القيادي في حركة النهضة وصهر رئيس الحزب راشد الغنوشي، قد انتقد بشدة الداعين لاستقالة حكومة المشيشي، بقوله إن «بعض الواهمين ما زالوا يمنون أنفسهم باستقالة الحكومة حتى يخلو لهم الجو، ويمدوا أرجلهم بالمناورة والخداع»، على حد تعبيره.

وواصل عبد السلام أسلوبه المتحدي لخصومه السياسيين قائلاً: «أطمئنكم... الحكومة مستمرة، ولا يوجد شيء في أجندة الحزام البرلماني اسمه استقالة حكومة المشيشي. لكن هذا لا يعني أن حكومة المشيشي مثالية، ولا تحتاج إلى تطوير وتحسين. لكن هناك مسافة كبيرة بين التطوير والنقض والهدم، وما بين الأوهام والحقائق على الأرض»، وهو ما سيفتح، حسب مراقبين، السجال مجدداً حول جدوى مواصلة حكومة عملها في ظل وجود 11 وزيراً يعملون بالإنابة.

على صعيد آخر، قدم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة حقوقية مستقلة) إحصائيات حول الاحتجاجات الاجتماعية، التي عرفتها تونس خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي. وكشف عن تسجيل 841 تحركاً احتحاجياً في كامل البلاد، فيما كان العدد في حدود 254 تحركاً احتجاجياً خلال الشهر نفسه من السنة الماضية، وهو ما يؤكد ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الاحتجاجات.

ووصلت نسبة الاحتجاجات العشوائية، أو تلك التي تنزع نحو العنف في منطقة قفصة (جنوب غرب) إلى 95 في المائة، وفي قابس وإريانة إلى 96.7 في المائة، وفي حدود 100 في المائة في جندوبة (شمال غرب).

ولا تزال المطالب الاقتصادية والاجتماعية في صدارة المطالب، التي دفعت المحتجين إلى التظاهر، حيث مثلت 74 في المائة من التحركات المرصودة طيلة شهر أبريل الماضي، تليها الاحتجاجات ضد الإدارة بنسبة 12 في المائة، والاحتجاجات من أجل البنية التحتية بنسبة 11 في المائة، ومثلت الاعتصامات أبرز الأشكال الاحتجاجية التي خاضها المحتجون بنسبة 53.6 في المائة.

خلافات حادة تطبع طريقة تعامل «النهضة» مع الرئيس التونسي

أظهرت تصريحات قيادات حركة النهضة التونسية تضارباً في مواقفها حول طريقة تعاملها مع الرئيس قيس سعيد، بعد الخلاف الحاد الذي أدى إلى أزمة دستورية، وتعطل معظم مؤسسات الدولة.

ففي الوقت الذي دعا فيه القيادي سيد الفرجاني إلى إمكانية عزل رئيس الجمهورية باعتماد الشروط نفسها التي سوّغ بها عدم دستورية إرساء المحكمة الدستورية، أي بإلغاء كل الخطوات القانونية التي تتطلب الرجوع إلى هذه المحكمة، بما فيها عزل الرئيس، واعتماد ثلثي نواب البرلمان (145 صوتاً) لعزله، قال القيادي عبد اللطيف المكي، في المقابل، إنه «ليس من الوارد في برامج الحركة سحب الثقة من رئيس الجمهورية. فضلاً عن البحث في شروطها»، وهو ما خلف انطباعاً قوياً بوجود
خلافات حادة حول طريقة التعامل مع مؤسسة الرئاسة.

في السياق ذاته، كشف المكي عما سماه «الموقف الرسمي للحركة»، وهو «الحوار مع رئيس الجمهورية، والبناء معه لتجاوز الأزمة الحالية، رغم الاختلافات العديدة مع مواقف الرئاسة»، في كثير من الملفات، وآخرها موضوع المحكمة الدستورية.
وكان علي العريض، نائب رئيس حركة النهضة، قد أكد في تصريح إعلامي أن إجراء الحوار الوطني حول النقاط الخلافية دون الرئاسة «ليس مستحيلاً، إذا أصرت على عدم المشاركة، وبإمكان هذا الحوار أن يجمع الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية، ويفضي إلى نتائج مجدية»، متوقعاً وجود كل الأطراف حول طاولة الحوار بهدف تجاوز الأزمة السياسية والدستورية والاجتماعية.

لكن سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل (نقابة العمال)، اعتبر أن تصريح العريض بشأن إمكانية إجراء الحوار الوطني دون رئاسة الجمهورية، «فتنة»، على حد قوله.

ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تخفي تضارباً في المواقف حول طريقة التعامل مع الرئيس سعيد. فمن ناحية تسعى حركة النهضة إلى دعم المسار الانتقالي، والمحافظة على الشرعية التي أفرزتها انتخابات 2019، بشقيها البرلماني والرئاسي، لكنها تصطدم بعراقيل عديدة في تعاملها مع مؤسسة الرئاسة، خصوصاً ما يتعلق منها بالطرف الحكومي الذي تدعمه وتدافع عنه، وهو ما يظهر في تناقض التصريحات، لأن قيادات «النهضة» تبحث عن التداول على السلطة بطريقة سلمية، ولا تعمل على عزل الرئيس، وما ستتبعه من آثار سياسية مدمرة قد تطال وجودها السياسي، بحسب نفس المراقبين.

وكان الرئيس سعيد قد رفض التوقيع على القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، معتبراً أن إحداثها في الوقت الحالي «أمر غير دستوري»، على اعتبار أن الدستور المصادق عليه سنة 2014 أعطى لمؤسسات الدولة مهلة سنة فقط لإحداث المحكمة، أي قبل نهاية 2015، لكن بمرور هذا التاريخ تعد الخطوة غير دستورية، حسب الرئيس سعيد.

وتعيش المؤسسات الدستورية أزمة خانقة ترجمها الصراع على الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة، والتنازع في تأويل الدستور، خصوصاً ما تعلق بالتحوير الوزاري، الذي أجري بداية السنة ورفض الرئيس الموافقة عليه، واستدعاء الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية. علاوة على تحديد الطرف الذي يتحكم في القوات العسكرية والأمنية، هل هو رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات العسكرية، أم رئيس الحكومة الذي يعين وزير الداخلية ويتحكم بالتالي في القوات الأمنية؟

على صعيد آخر، يقوم هشام المشيشي، رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالإنابة، بزيارة عمل إلى البرتغال اليوم وغداً، يلتقي خلالها نظيره البرتغالي أنطونيو كوستا، الذي يتولى حالياً رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، وعدد من وزراء الداخلية وكبار المسؤولين الأوروبيين. وذكر بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة أن اللقاء سيتناول سبل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. إضافة إلى النظر في دعم التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس في مجال مكافحة جائحة كورونا. كما سيشارك المشيشي بصفته مكلفاً بإدارة شؤون وزارة الداخلية في فعاليات الاجتماع الأوروبي - الأفريقي حول الهجرة.

سعيّد: تونس لكل التونسيين ولا مجال للتجاوزات
جدل حول لجوء حكومة المشيشي إلى «صندوق النقد» طلباً لتمويلات

الاثنين10 مايو 2021 
جدد الرئيس التونسي قيس سعيّد التأكيد على أن القائد الأعلى للقوات المسلحة هو رئيس الدولة، مضيفاً أن تونس «لكل التونسيين ولا مجال للتجاوزات».

وأكد الرئيس سعيد في كلمة له على هامش حضوره مأدبة إفطار نظمت بمقر وزارة الداخلية، أنه لا مجال لأي كان للتخطيط للاستيلاء على جهاز من أجهزة الدولة. وأضاف أنه سيتم العمل على توحيد الدولة لأن هناك من يريد أن يكون له نصيب فيها، مشدداً على أن الدولة ليست غنيمة للقسمة. وأكد الرئيس التونسي أن من يعتقد أنه بإمكانه توظيف جهاز من أجهزة الدولة لفائدته فهو خارج القانون، مضيفاً: من يعتقد أنه يمكن أن يوظف أي إدارة لفائدته ولخدمة مصالحه ومصالح من يقف وراء مصالحه فسينفضه التاريخ. وشدد على أن الدولة لكل التونسيين ولا مجال لتقسيمها. 

يذكر أن هشام المشيشي رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة لم يحضر خلال الزيارة التي أداها سعيد إلى مقر وزارة الداخلية. وكان الرئيس سعيد قد قام مطلع مايو (أيار) الحالي بزيارة غير معلنة إلى جبل الشعانبي حيث شارك الوحدات العسكرية مأدبة الإفطار داخل المنطقة العسكرية المغلقة.

في سياق متصل، يحتدم جدل بين السياسيين والنقابيين حول لجوء الحكومة التونسية إلى صندوق النقد الدولي طلباً لتمويلات جديدة. وأكد سامي الطاهري، المتحدث باسم اتحاد الشغل، في تصريح إعلامي أنّ اتحاد الشغل يرفض المشاركة الصورية في المفاوضات دون الاطلاع على تفاصيل المشروع الإصلاحي الذي ستقدمه حكومة تونس للصندوق بهدف الحصول على تمويلات جديدة. واتهم الحكومة بالتكتم عند تقديمها المشروع الذي تنوي تنفيذه، وأنها تعمل على التفويت في بعض المؤسسات الحكومية أو تقديم تنازلات للصندوق على حساب قوت التونسيين، على حد تعبيره.

واستبق محمد الطرابلسي، وزير الشؤون الاجتماعية، ردود الفعل المنتظرة تجاه الإجراءات الحكومية خاصة منها رفع الدعم عن عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية بالتأكيد على أن الإضرابات المفتوحة عن العمل لم تعد مقبولة ولا مجال للمزيد منها، مشيرا إلى أن الحكومة ستواجهها بالقانون من خلال قرارات عدة. وأفاد الطرابلسي بوجود إطار قانوني للتفاوض مع الشركاء الاجتماعيين لكن دون الوصول إلى لي الذراع، إذ إن الحكومة لن تتنكر لمطالب التونسيين، على حد تعبيره. وأضاف الطرابلسي أن الحكومة تتشاور مع اتحاد الشغل في عدد من الملفات للتوصل إلى حل يرضي كل الأطراف.

ويلقى البرنامج الحكومي دعماً من قبل «حركة النهضة» التي اعتبرت إثر اجتماع مكتبها التنفيذي أنّ جهود الحكومة في توفير التمويلات الضرورية للبلاد والمفاوضات التي تجريها مع الجهات الدوليّة المانحة والنتائج المنجرّة عنها، تبقى حلولاً ظرفية وأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعيّة التي تتخبط فيها البلاد، بحاجة إلى إنفاذ الإصلاحات الضرورية والمسارعة بإقامة حوار وطني يحدد الأولويات.

في المقابل، تمسكت أحزاب المعارضة بمجابهة البرنامج الحكومي. ورأى زهير الحمدي رئيس حزب التيار الشعبي المعارض أن المفاوضات الجارية لا يمكن أن تفضي إلا إلى «اتفاق إذعان ووصاية على مقدرات تونس». وأشار إلى أن الشروط التي ستفرض على تونس لن تؤدي إلا إلى مزيد من البطالة والفقر وانهيار المقدرة الشرائية وتراجع الخدمات العمومية، ونبه إلى إمكانية حصول أزمة اجتماعية طاحنة وفوضى عامة قد تهدد وحدة البلاد وأمنها.