Date: Mar 5, 2021
Source: جريدة الشرق الأوسط
السودان و«صراع النفوذ» الروسي الأميركي (تحليل)
لم يفصل استقبال ميناء بورتسودان شرقي السودان للفرقاطة الروسية الأدميرال غريغوروفيتش عن رسو المدمرة الأميركية ونستون تشرشل في ذات الميناء سوى بضع ساعات، في مشهد يحمل في طياته العديد من الدلالات.

فالولايات المتحدة وروسيا يجمعهما سباق محموم لإيجاد موطئ قدم لهما في ساحل البحر الأحمر، وتعزيز النفوذ في تلك المنطقة الاستراتيجية.

وربما يسلط التسابق الأميركي الروسي على الوجود هناك الضوء على جولات التنافس المماثلة التي تجمع الطرفين منذ زمن بعيد. ويرى مراقبون أن واشنطن تحاول قطع الطريق على موسكو هذه المرة، مستخلصة دروساً مما حدث في سوريا وليبيا، حيث بسط الدب الروسي نفوذه وبات يتحكم في مجريات الأحداث في هذين البلدين.

وهذه هي المرة الثانية خلال أسبوع التي تصل فيها سفينة حربية أميركية إلى ساحل البحر الأحمر، في خطوة تعكس تطور العلاقات السودانية الأميركية بعد عقود من الجمود. فكانت البارجة «كارسون سيتي» التابعة لقيادة النقل البحري الأميركي، قد رست في مياه البحر الأحمر في 24 فبراير (شباط) الماضي.

وقالت السفارة الأميركية بالخرطوم، في بيان: «وصل القائم بأعمال السفارة إلى ولاية البحر الأحمر للترحيب بسفينة البحرية الأميركية».

وأشارت إلى أن زيارة السفينة العسكرية «تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، وتعزيز الشراكة معه». وقام نائب القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) للتواصل المدني العسكري أندرو يونج، ومدير المخابرات الأدميرال هايدي بيرج، بزيارة للخرطوم في يناير (كانون الثاني) الماضي لتوسيع نطاق الشراكة بين السودان والولايات المتحدة، في ظل رغبة أميركية في وجود عسكري في المياه الإقليمية للسودان.

ويرى محللون أن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن شهدت تحسناً بعد إزاحة الرئيس عمر البشير عن السلطة في أبريل (نيسان) 2019. وأنهما تسعيان إلى إقامة شراكة اقتصادية.

في المقابل، يأتي إرسال الفرقاطة الروسية إلى السودان ليمثل واقعة هي الأولى من هذا القبيل في تاريخ روسيا الحديث، بحسب المكتب الصحافي لأسطول البحر الأسود الروسي.

وستقوم الفرقاطة خلال زيارتها بالتزود بالوقود كما سيحظى أفراد طاقمها بقسط من الراحة بعد المشاركة في تدريبات بحرية متعددة الجنسيات شملت 45 دولة وأجريت في بحر العرب يومي 15 و16 فبراير، حيث تدربت أطقم سفن الدول المشاركة على التواصل فيما بينها عند صد هجمات من أهداف صغيرة عالية السرعة، بالإضافة إلى تدريبات على مكافحة القرصنة.

ويرى مراقبون أن السودان، الذي يشهد مرحلة انتقالية لا تخلو من معاناة اقتصادية وتوترات مع الجارة إثيوبيا ما بين نزاعات حدودية وأخرى تتعلق بمخاوفه من تداعيات بناء سد النهضة الإثيوبي، يحاول تحقيق أقصى استفادة من صراع النفوذ الأميركي الروسي.

وربما جنى السودان أولى ثمار هذا التنافس بعدما شطبته إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب رسمياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من لائحة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي فتح الباب أمام إزالة القيود على أي تعاون عسكري أميركي معه.

وتشمل المرحلة الجديدة من التنسيق بين البلدين، تعاوناً استخباراتياً في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في القرن الأفريقي، وربما تصل إلى حد السماح لقوات أميركية باستخدام تسهيلات عسكرية في السودان.

وأبدت الولايات المتحدة، عبر سفارتها في الخرطوم مطلع الأسبوع الحالي، رغبة في تعاون عسكري وثيق مع السودان، موضحة أن الملحق العسكري بها جاكوب داي، يعمل مع الجيش السوداني لتعزيز العلاقات الثنائية.

ويأتي تسارع التحرك الأميركي بعد نحو شهر من الإعلان عن اعتزام روسيا تأسيس مركز لوجيستي تابع لبحريتها في بورتسودان، قد يصبح نواة لقاعدة عسكرية. وكشفت التفاصيل عن أن هذا المركز يستوعب 300 جندي ومدني وأربع سفن من بينها سفن تعمل بالطاقة النووية، وفقاً لاتفاق عقد منذ ثلاث سنوات، مدته 25 عاماً، قابل للتجديد لمدة 10 سنوات أخرى، على أن تحصل الحكومة السودانية في المقابل على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا.

ويقول محللون إن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص موسكو على تعزير نفوذها في القارة الأفريقية التي تزخر بالثروات الطبيعية وتعد سوقاً ضخمة للسلاح الروسي.

وأشارت وكالة أنباء تاس الروسية الحكومية إلى أهمية المركز اللوجيستي المزمع إقامته في تسهيل عمليات الأسطول البحري الروسي في المحيط الهندي، موضحة أنه سيمكن البحرية الروسية من تبديل طواقم القطع البحرية الروسية المنتشرة في المحيط عبر نقلهم جواً إلى السودان، فضلاً عن استطاعة روسيا نشر أنظمة دفاع جوي في المنشأة لحمايتها ومنع تحليق الطيران في أجواء القاعدة.

وبعدما التزمت الخرطوم الصمت في البداية حيال هذه المعلومات، نفى رئيس هيئة أركان الجيش السوداني الفريق الركن محمد عثمان الحسين وجود اتفاق كامل مع موسكو، مؤكداً استمرار التعاون العسكري معها، وقال إن «السودان لن يفرط في سيادته»، مضيفاً أن «الاتفاق مع روسيا حول القاعدة يخضع للدراسة».