Date: Feb 27, 2021
Source: جريدة النهار اللبنانية
على أعتاب زيارة تاريخية للبابا فرنسيس مسيحيو العراق حائرون بين البقاء والرحيل
لا تزال عبارة "الدولة الإسلامية باقية"، مكتوبة بأحرفها كاملة على باب منزل المسيحي العراقي ذنون يحيى. كتبها المتشددون الذين احتلوا منزله في الموصل بشمال العراق لثلاث سنوات عندما كانوا يحكمون المدينة.

يرفض يحيى محو العبارة انطلاقا من رغبته في إظهار التحدي للمسلحين، الذين هزمتهم القوات العراقية في نهاية المطاف وللتذكير أيضا بأن وجود الطائفة المسيحية، التي يتوزع أفرادها في أنحاء مختلفة من العراق بأعداد آخذة في التضاؤل لا يزال مهددا.

وقال الرجل البالغ من العمر 59 عاما، في المنزل الذي استرده بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في 2017 :"لقد ذهبوا. لم يعد بإمكانهم إيذاؤنا. لكن لم يبق منا كثيرون. جيل الشباب يرغبون في الرحيل".

سيكون الخيار الذي يواجه الكثير من مسيحيي العراق بين البقاء والرحيل حاضرا بقوة أثناء أول زيارة يقوم بها بابا للعراق على الإطلاق. تستمر رحلة البابا فرنسيس من الخامس إلى الثامن من آذار وستكون الموصل إحدى محطاتها.

باع يحيى ورشة أشغال معدنية تملكها العائلة كي يدفع فدية عن شقيقه الذي خطفه مسلحو تنظيم "القاعدة" في 2004 عندما كان المسيحيون يتعرضون للخطف والإعدام.
ومذاك، تحول يحيى إلى شاهد على الرحيل، إذ رأى أشقاءه يسافرون إلى دول أجنبية فيما يتراجع العمل ويشح الدخل في العراق.

ومن بين 20 من الأقارب كانوا يعيشون في الحي، لم يبق سوى يحيى وعائلته المكونة من ستة أفراد.

وعصفت اضطرابات بمسيحيي العراق على مدى قرون، لكن موجة النزوح الجماعي لم تبدأ إلا بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 وتسارعت وتيرتها في عهد  "داعش"، الذي لم تفرق وحشيته بين الأقليات والمسلمين.

وغادر مئات الآلاف إلى المناطق المجاورة وإلى الدول الغربية.

وعبر سهول نينوى في شمال العراق، وهي موطن لبعض من أقدم الكنائس والأديرة في العالم، يعيش أغلب المسيحيين الباقين نازحين في قرى سقطت بسهولة في قبضة "داعش" في 2014 أو داخل جيوب بمدن أكبر مثل الموصل والمنطقة الكردية القريبة.

انتهى حكم المتشددين، الذين اتخذوا الموصل عاصمة لهم، على ما يقرب من ثلث أراضي العراق في 2017 بعد معركة مدمرة مع قوات الأمن.
 
"العون من الرب وحده"
لا يزال الدمار المادي والخراب الاقتصادي ماثلا للعيان. وتواجه السلطات العراقية صعوبات في إعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب، وتتنافس جماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة على الأرض والموارد، بما في ذلك في معاقل المسيحيين.

ويقول المسيحيون إنهم أمام معضلة - إما العودة إلى منازلهم المدمرة، أو إعادة توطينهم في أماكن أخرى في العراق، أو الهجرة من بلد أثبتت التجارب أنه لا يستطيع حمايتهم.
وقال الكاردينال لويس ساكو، رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق :"في 2014، اعتقد المسيحيون أن نزوحهم سيستمر بضعة أيام فحسب. لكنه استمر ثلاث سنوات. فقد كثيرون الأمل وهاجروا. لا أمن ولا استقرار".

ويقدر عدد المسيحيين في العراق بنحو 300 ألف، أي 20 في المئة فحسب من مليون ونصف المليون مسيحي الذين كانوا يعيشون في البلاد قبل الغزو الذي أطاح صدام حسين في 2003.

كانوا ينعمون بالتسامح وحسن المعاملة في ظل حكم صدام، لكنهم باتوا أهدافا لعمليات خطف وقتل في العنف الطائفي الذي تفجر منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ومن المقرر أن يقوم البابا فرنسيس بزيارة تاريخية للعراق استعصت على أسلافه السابقين. وسيصلي على ضحايا الصراع في موقع بالموصل دُمرت كنائسه القديمة، التي اتخذ منها "داعش" مقرا لمحاكمه.
ويرحب المسيحيون بزيارة البابا، لكنهم لا يعتقدون أنها ستتمخض عن الكثير لتحسين أوضاعهم.

وقال يحيى :"البابا لا يستطيع مساعدتنا... العون من الرب وحده".
 
 نازحون وقلقون
عائلة يحيى، التي فرت إلى إقليم كردستان في شمال العراق خلال حكم "داعش"، واحدة من بضع عشرات من الأسر التي عادت إلى الموصل من السكان المسيحيين البالغ عددهم نحو 50 ألفا بحسب تقديرات رجال دين محليين.

يقدم ابناه المراهقان المساعدة في الكنيسة المحلية، وهي الكنيسة الوحيدة التي رُممت بالكامل في الموصل، والتي يصل عدد الحاضرين فيها إلى نحو نصف طاقتها الاستيعابية في أيام الأحد.
لا يجد ابنه الأكبر فراس عملا أكثر من يوم واحد في الأسبوع ولا يرى لنفسه أي مستقبل في الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق.

وقال :"لو أردت الزواج، سأضطر للرحيل. فالمسيحيات هنا نزحن إلى مناطق أخرى ولا يرغبن في العودة. أفضل شيء هو السفر للغرب".

وتركت تجربة "داعش"، التي خيّرت المسيحيين بين تغيير الديانة أو دفع الجزية أو القتل، وعجز قوات الأمن العراقية والكردية عن منع التنظيم من اجتياح بلداتهم، كثيرا من المسيحيين مرتابين في الكل، لا يثقون سوى بأنفسهم.

وتفخر بلدة الحمدانية المسيحية القريبة بوجود فصيل مسلح من أبنائها يقول مسؤولون محليون إن وجوده ضرورة بسبب انتشار فصائل شيعية شبه عسكرية تسعى للسيطرة على الأرض ومقاتلي "داعش" الذين لا يزالون يكمنون في مخابئ بشمال العراق.