Date: Feb 9, 2021
Source: جريدة الشرق الأوسط
النيابة الجزائرية تفتح تحقيقاً في «انتهاكات» ضد معارض
رحب محامون وحقوقيون في الجزائر بقرار السلطات القضائية إطلاق تحقيق في وقائع انتهاكات جسدية، تعرض لها شاب عشريني ينتمي للحراك المعارض للسلطة، على أيدي محققين تابعين للأمن الداخلي. وسببت هذه القضية حرجاً شديداً للسلطة، التي استخلفت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خاصة أنها ما فتئت تعد الجزائريين بـ«عهد جديد خالٍ من ممارسات الماضي».

وقال النائب العام، في بيان مساء أول من أمس، إنه اطلع على تصريحات الناشط وليد نقيش، خلال محاكمته في الثاني من الشهر الجاري، حيث اشتكى من «تعذيب جسدي» و«اعتداء جنسي» عام 2019، خلال فترة احتجازه بمقر الأمن الداخلي التي دامت 7 أيام.

وأفادت النيابة بأنها أخذت علماً بـ«تصريحات المدعو نقيش وردود الفعل والتعليقات، التي تداولتها مختلف الصحف الوطنية، وما خلفته من تشكيك وتساؤلات لدى المهتمين والمتتبعين للعمل القضائي، خاصة ما يتعلق باحترام حرية وكرامة المواطنين، المشتبه فيهم لدى توقيفهم للتحري. وللوقوف على حقيقة ما يكون قد جرى في هذا الجانب من قضية المواطن وليد نقيش، فإن النيابة العامة بناء على ما هو متوفر لديها من معلومات وسندات، ذات صلة بقضية المعني، أمرت وكيل الجمهورية لدى محكمة بئر مراد رايس (العاصمة) بفتح تحقيق ابتدائي في الوقائع، المصرح بها من قبل المعني، وتكليف الضابطة القضائية (شرطة التحقيق) المختصة بذات المهمة».

واستعاد نقيش حريته بعد أن قضى 14 شهراً في الحبس الاحتياطي، وتم اتهامه بـ«الانتماء إلى تنظيم انفصالي» و«التحريض على الفوضى»، وذلك بسبب مشاركاته في مظاهرات معارضة للسلطة. وقال الشاب العشريني لهيئة القضاة: «استنطقت وتعرضت للتعذيب لدى الشرطة، وفي ثكنة عنتر (اسم يطلق على مقر جهاز الأمن الداخلي يقع بأعالي العاصمة)، هددني المحقق بقوله: لديك الاختيار، أن تعترف هنا بمحض إرادتك أو ترفض فننتقل إلى أمر آخر، وأنت تعرف ما ينتظرك». وروى نقيش تفاصيل عن الانتهاكات التي تعرض لها، تأثر لها عشرات الذين حضروا المحاكمة، ومنهم والداه.

وأظهر ناشطون خوفاً من أن ينتهي التحقيق إلى أن ما جرى كان «عملاً معزولاً»، فتتم متابعة شخص بتهمة ممارسة التعذيب على مشتبه به، ذلك أن نسبة كبيرة من المواطنين تعتبر سوء معاملة الموقوفين «سياسة» تقوم عليها سلطة نافذة منذ سنين طويلة، بحكم أن العشرات من الأشخاص، من مختلف الانتماءات السياسية، ذاقوا التعذيب بسبب مواقفهم ونشاطهم المعارض للحكومة، وغالبيتهم لم يصرحوا بذلك. ويعد المحامي المدافع عن نشطاء الحراك، عبد الغني بادي، من أكثر الذين يشكون في ذهاب تحقيقات النيابة في هذه القضية إلى مداها.

وأكد بوجمعة غشير، المحامي والرئيس السابق لـ«الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان»، أن «المشكلة تكمن في التكوين الذي تلقاه المحققون بالضبطية القضائية. فأمام عجزهم عن جمع أدلة تدين المشتبه بهم، يلجأون إلى افتكاك الاعترافات تحت التعذيب. وهم في ذلك، يستفيدون من عجز القضاء على متابعتهم. فالسادة قضاة النيابة والتحقيق يرفضون دائماً الأخذ بادعاءات المشتبه بهم بشأن تعذيبهم». مبرزاً أن «موضوع التعذيب يؤخذ به فقط عندما تتوفر شروط محاكمة عادلة، وهذا لن يتأتى إلا بإصلاح المنظومة الجنائية».

من جهته، أشار المحامي خالد بورايو إلى مصادقة الحكومة الجزائرية على اتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي اعتمدت سنة 2002 في الدورة الـ57 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعهدت فيها البلدان المنخرطة في الوثيقة بالتقيد بمادتين تلزمان كل دولة طرف بـ«اتخاذ تدابير فعالة لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة، في أي إقليم يخضع لولايتها».