Date: Dec 4, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
دعوة الصدر إلى «عهد شيعي» تثير جدلاً في العراق
إيران تعمل على ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية
بغداد: فاضل النشمي
في حين لاذ معظم الكتل والأحزاب الشيعية بالصمت عن الدعوة التي وجهها زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بشأن «ترميم البيت الشيعي»، رفضت غالبية الاتجاهات المدنية وجماعات الحراك دعوة الصدر، وعدّوها مدخلاً جديداً لإعادة البلاد إلى حقبة الاصطفافات الطائفية ومحاولة لجر البلاد إلى مرحلة جديدة من الصراع والاقتتال الطائفي التي بالكاد تجاوزتها.

وكان الصدر اتهم من سماهم «ثلة من الصبيان لا وعي لهم ولا ورع» بالتعدي على الدين والمذهب والسعي إلى تشويه سمعة الثوار بدعم خارجي. وقال في تغريدة عبر «تويتر» أول من أمس: «أجد أن من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي لنرفع به راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)».

وتعود قضية «البيت الشيعي» إلى حدود عام 2004، حين أقدم السياسي الراحل أحمد الجلبي على تأسيسه ليضم قوىً وأحزاباً شيعية تدافع عن فكرة «أحقية» الشيعة في الحكم بالنظر لأغلبيتهم السكانية، لكنه لم يحظ بالإجماع اللازم ولم يلتحق به معظم القوى الشيعية الرئيسية، كما أن دعاته لم يكسبوا الشعبية المناسبة ولم يتمكنوا من الحصول على أصوات الناخبين في معظم الانتخابات التي جرت لاحقاً.

وتعتقد غالبية المراقبين المحايدين أن دعوة الصدر الجديدة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن سياق صراعه الأخير مع جماعات الحراك الاحتجاجي التي باتت تتهمه وتياره علناً بالوقوف وراء مهاجمة ساحات الاعتصام، خصوصاً في أحداث الجمعة الماضي، التي وقعت في مدينة الناصرية وأدت إلى مقتل 7 وإصابة نحو 90 شخصاً، ومن المتوقع أن تخرج اليوم الجمعة مظاهرات حاشدة عنوانها: «جمعة الناصرية» للتضامن مع «حراك الناصرية» وإدانة ما وقع فيها من أحداث.

وأعلن ناشطون، أمس، أن المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، اجتمع مع مجموعة من ناشطي الحراك الذين سبق أن طالبوه بحمايتهم من الهجمات التي يتعرضون لها.

وإلى جانب تأثر دعوة الصدر بصراعه الأخير مع «جماعات تشرين»، يستبعد كثيرون إمكانية تحالف جديد تكون أعمدته الأحزاب والكتل الشيعية الرئيسية، نظراً للخلافات العميقة فيما بينها، فتيار الصدر مثلاً، يتقاطع بقوة ومنذ سنوات طويلة مع «حزب الدعوة الإسلامية» و«ائتلاف دولة القانون» اللذين يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وانتهج مقتدى الصدر منذ نحو 10 سنوات سياسة معادية له حتى أرغمه على الخروج من رئاسة الوزراء عام 2014. وكذلك الحال بالنسبة لعلاقات الصدر مع غالبية الفصائل المسلحة التي تتموضع سياسياً في «ائتلاف الفتح» الحشدي؛ إذ درج الصدر منذ سنوات أيضاً، على انتقاد «عصائب أهل الحق» ويصفها بـ«الميليشيات الوقحة».

ومن غير المتوقع أن يستجيب رئيس «تيار الحكمة الوطني»، عمار الحكيم، لدعوة الصدر، خصوصاً وهو يسعى منذ أسابيع إلى بناء تحالف سياسي «عابر للطوائ» لخوض الانتخابات المقبلة.

وإلى جانب العقبات القائمة والمحتملة التي تواجهها دعوة الصدر داخل خيمة «البيت الشيعي» السياسية ذاتها، فإنها تواجه رفضاً واسعاً داخل الأوساط الشعبية الشيعية، فضلاً عن أوساط بقية المكونات، حيث باتت أعداد غير قليلة من عموم السكان تنظر بتوجس شديد لكل الدعوات المذهبية والقومية والإثنية، وتعدّ أن الجماعات السياسية سبق أن استغلت مشاعر المواطنين وتمكنت من الوصول للسلطة دون أن تقدم شيئاً يذكر لمكونها أو لبقية المكونات.

وفي مقابل ترحيب أتباع الصدر بدعوة زعيمهم إلى «ترميم البيت الشيعي»، هاجمت جماعات الحراك ذلك بشدة، ووجه كثير منهم انتقادات شديدة لزعيم التيار، وتداولوا تغريدة نشرها الصدر بعد انتخابات مايو (أيار) 2018، قال فيها: «لا تتوقعوا مني أي تخندق طائفي يعيد لنا الردى ويجدد العدا، بل تحالف عراقي شامل، ولن نتنازل عن ذلك طول المدى».

ورداً على دعوة الصدر، كتب الناشط والكاتب شاكر الناصري عبر «فيسبوك»: «لا يمكن ترميم بيت يقوم على أسس منخورة. الطائفية والفساد والإجرام هي أعمدة البيت الشيعي الذي يوشك على الانهيار، نتيجة ما ترتكبه القوى الشيعية الحاكمة، كلها، دون استثناء أي طرف منها، من جرائم وفساد وانتهاكات بحق العراق والعراقيين». وأضاف أن «ترميم البيت الشيعي دعاية انتخابية هزيلة جداً، فقوى هذا البيت الفاسد أثبتت أنها لا تصلح للحكم أو إعادة بناء دولة في عالم اليوم».

أما عماد زيدون، وهو أحد الشباب البارزين في الحراك الاحتجاجي، فكتب: «لا جلوس إلا تحت الهوية الوطنية، أما الهويات الفرعية، فهي ترسيخ لمبدأ المحاصصة ومزيد من سفك الدماء».

وأضاف: «كان من الأجدر الذهاب نحو كتابة عقد اجتماعي جديد تضمن به الجماهير حقوقها؛ وأساسها الثقة التي فقدتها بالطبقة السياسية برمتها ومن ولاها. كان يجب أن يكون (البيت العراقي) لا (مزيد) من تأصيل الطائفية».

إيران تعمل على ملء الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق
«الحشد» يحشد في نينوى وسنجار... ومعلومات استخبارية عن عمليات انتقامية في ذكرى مقتل سليماني

أربيل: «الشرق الأوسط»
أثار قرار خفض القوات الأميركية في العراق مخاوف من إمكانية استغلال إيران الفراغ الذي سيخلف عملية الانسحاب من خلال القوى الموالية لها في العراق لبسط سيطرتها التامة على الشارع العراقي، إضافة إلى مخاوف من إمكانية عودة «تنظيم داعش» إلى تنشيط عناصره في الخلايا النائمة للقيام بمزيد من العمليات النوعية في العراق، وخاصة المناطق المحررة.

مسؤولون عسكريون عراقيون كبار في بغداد يرون أن انسحاب 500 جندي أميركي من العراق لن يكون له تأثير في الملف الأمني، إلا أن بعض القيادات السياسية، خاصة السنية والكردية منها، ترى أن خفض عدد القوات الأميركية في العراق إذا ما استتبع بمزيد من الانسحاب، سيكون له تأثير كبير في الملف الأمني والتوازن السياسي في المنطقة. وكان كريستوفر ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، أعلن في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) أن الولايات المتحدة ستخفض مستويات قواتها في العراق إلى 2500 جندي من 3000 عنصر، بحلول 15 يناير (كانون الثاني) 2021.

النائب عن محافظة نينوى، محمد نوري العبد ربه، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الدور الرئيسي للقوات الأميركية في العراق يكمن فيما لديها من تقنية متفوقة، مثل الكاميرات الحرارية والطائرات المسيرة وصور الأقمار الصناعية وما إلى ذلك، التي تمكنها من رصد أي تحركات لعصابات (داعش) بشكل مسبق وتمنع وقوع عمليات نوعية عادة ما تخطط لها»، مضيفاً أن «سحب هذه القوات سيكون له تأثير مباشر على الملف الأمني حيث إن القوات العراقية تعتمد في المجال التقني، إضافة إلى الغطاء الجوي، على القوات الأميركية، وأي تخفيض لدورها هذا سيكون له أثر مباشر في تمكن عصابات (داعش) من عودة نشاطاها».

وعن تأثير سحب القوات الأميركية على سيطرة إيران على الشارع العراقي، قال عبد ربه إن «ما لا يخفى على الجميع أن هناك قوتين تتحكمان في العراق، هما القوات الأميركية والإيرانية، وضعف القوات الأميركية سيؤدي حتماً إلى تقوية القوة الإيرانية المسيطرة بطبيعة الحال على جزء كبير من العراق، مثل نينوى والأنبار وصلاح الدين»، مبيناً أن «سيطرتها في هذه المناطق هي اقتصادية أكثر مما هي أمنية، وأن سحب القوات الأميركية سيؤدي إلى زيادة قوتها ونفوذها في المنطقة، مستغلة الفراغ الذي سينتج عن سحب القوات الأميركية».

يأتي ذلك في ظل معلومات أمنية تؤكد إمكانية قيام إيران من خلال أذرعها في العراق بعمليات نوعية تستهدف المصالح الأميركية في العراق تزامناً مع ذكرى استهداف قاسم سليماني قائد «الحرس الثوري» الإيراني من قبل القوات الأميركية العام الماضي؛ حيث قال مصدر أمني رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك معلومات استخباراتية تشير إلى قيام الفصائل الولائية في (الحشد الشعبي) بالتخطيط للقيام بعمليات تستهدف المصالح الأميركية في ذكرى مقتل قائد (الحرس الثوري) الإيراني قاسم سليماني»، مبيناً أن «إيران تريد بهذه العمليات أن ترد بشكل غير مباشر على مقتل العالم النووي الإيراني تحسين فخري زادة».

المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أكد أن «الفصائل الولائية لإيران تعمل على زيادة تحشيد قواتها في منطقة سهل نينوى وسنجار، من خلال زيادة عدد المتطوعين في صفوفها ودفع مزيد من التجهيزات العسكرية للمنطقة».

وكان قد شوهد وصول أكثر من 100 عربة نقل عسكرية مستخدمة من قبل فصائل «الحشد الشعبي» إلى منطقة سهل نينوى، مطلع الأسبوع الحال. المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أكد أن «شحنة كبيرة من التجهيزات العسكرية وصلت إلى سهل نينوى مطلع الشهر الحالي».

الأمين العام لقوات البيشمركة، الفريق جبار ياور، يرى أن «انسحاب القوات الأميركية سيكون له تأثير سلبي على قدرات القوات الاتحادية وقوات البيشمركة في مواجهة (تنظيم داعش) الذي عاد إلى تنشيط عملياته في عدد من المحافظات الشمالية والحدودية»، مبيناً أن «القوات العراقية بشكل عام تعتمد على قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية في العمليات الاستخباراتية والغطاء الجوي»، مضيفاً أن «انخفاض القوات الأميركية سيكون له تأثير على الملف الأمني بشكل عام وعلى عمليات إطلاق الصواريخ واستهداف المصالح الأميركية في ظل تحول العراق إلى ساحة صراعات للدول الإقليمية».

من جانبه، أكد اللواء الركن بختيار علي، المستشار في وزارة البيشمركة، أن «انسحاب القوات الأميركية من العراق سيكون له تأثير مباشر على دور قوات التحالف الدولي ضد (داعش) في العراق وسوريا، ما سيؤثر سلباً على قدرات القوات الأمنية العراقية، بضمنها قوات البيشمركة، في محاربة (داعش)، خاصة أن القوات الأمنية العراقية تعتمد على القوات الأميركية عسكرياً ولوجستياً وتكنولوجياً»، مبيناً أن للقوات الأميركية ضمن التحالف الدولي دوراً آخر مهماً، وهو منع المقاتلين من أنحاء العالم للالتحاق بصفوف «داعش» في العراق وسوريا، ودعم الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، ما قد يؤثر على عودة النازحين إلى مناطقهم، وأي فراغ يحدثه سحب القوات الأميركية سيؤثر على الملف الأمني، وقد تصل إمكانية «داعش» للسيطرة على بعض المناطق المحررة مرة أخرى.