| | Date: Nov 28, 2020 | Source: موقع النهار العربي - لبنان | | لبنان: هل الطّائف بحاجة الى تعديل؟... دستوريّان يشرحان | روزيت فاضل
تتكرر تصريحات بعض السياسيين للمطالبة بتعديل اتفاق الطائف أو السعي الى إيجاد "بدل من ضائع" لوثيقة الوفاق الوطني التي ساهمت في إيقاف الحرب الدامية في لبنان، لكنها خلقت لدى البعض خوفاً من الحد من صلاحيات رئيس البلاد في مقابل إعطاء مجلس الوزراء الكلمة الفصل في معظم الملفات والقرارات.
ويشكل هذا الاختلاف في النظرة الى الاتفاق مادة تجاذب بين مؤيدين لتعديل الطائف ومناهضين له. فكيف ينظر الاختصاصيون الى الكلام الذي يبرز بين الفترة والأخرى في موضوع الطائف وما هي إمكانات تعديله؟ "النهار العربي" حاور العضو السابق في المجلس الدستوري الدكتور أنطوان مسرة والمحامي الدولي والأستاذ الجامعي الدكتور أنطونيو أبو كسم.
المعادلة واضحة لدى مسرة، فالكلام عن شؤون النظام والدستور هو ذريعة لإلهاء اللبنانيين والتهرب من مواجهة مواضيع أساسية وجودية ومصيرية تعني لبنان ومواطنيه. ويتوقف عند نماذج تعضد كلامه هذا، معتبراً "أن محاولة طرح مشاريع إصلاحية أمام الناس خلال أعوام الحرب برز كمحاولة لإلهاء اللبنانيين عن معضلة أساسية هي الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بين عامي 1975 و1990، والاحتلال السوري من العام 1990 الى العام 2005، وفقدان سيادة لبنان واستقلاله من العام 2005 الى يومنا هذا".
ويرى مسرة أن "من يريد تعديل الطائف يدخلنا في متاهات لا نهاية لها".
سيادة منقوصة
"في كل الأحوال، لا تستقيم المنظومة الدستورية في ظل سيادة منقوصة، التي بدورها لا تعزز دورها إلا من خلال تطبيق الدساتير وفقاً للأصول"، يقول مسرة و"كل من يقول إن المعضلة هي في النظام والدستور يعطي فعلياً صك براءة للطبقة الحاكمة، ويوهم الرأي العام بأنها لا تقوم بأي عمل إلا بموجب ما ينص عليه الدستور".
وبالعودة الى فترة صوغ وثيقة الطائف يؤكد أنها "في كل بنودها، باستثناء بند واحد تناول مسألة إعادة تمركز الجيش السوري في لبنان، من إنتاج لبناني أصيل، ويوضح: "قبل عامين، علمت من بعض المشاركين في الطائف أنه قيل لهم
إن البند الخاص بإعادة تمركز الجيش السوري في لبنان كتبه بيده الرئيس حافظ الأسد، وكل من يريد تعديله عليه الاتصال به شخصياً".
عن شكوى البعض من تراجع صلاحيات رئيس الجمهورية في وثيقة الطائف يقول: " هذه أكبر خدعة، لا بل أكبر مخادعة وأكبر جهل. هذا الكلام هو عرضة للاستغلال السياسي من بعض الذهنية اللبنانية عموماً والمارونية خصوصاً".
ويلفت الى أن "رئيس الجمهورية منذ دستور 1926 هو الوحيد بين رؤساء المواقع الثلاثة العليا الذي يحلف اليمين الدستورية"، لكن "للأسف تعتبر الذهنية السائدة أن هذ القسم الدستوري هو مجرد معاملة بروتوكولية ويقف عند هذا الحد من دون أن يترافق مع أي تنفيذ عملي له".
ويشرح أن "اتفاق الطائف أدخل شيئاً هو في الحقيقة من أهم البنود من منظور عالمي لتأكيد دور رئيس الجمهورية ويبرز في المادة 49، التي تذكر أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة الذي يسهر على احترام الدستور"، مشيراً الى أن "هذه الجملة ليست مجرد بلاغة كلامية، بل أعطت إمكانات لتطبيق ذلك، وعكس ذلك هو ذريعة لتبرير التقاعس".
ويضيف مسرة أن "من المعيب الحديث عن تراجع صلاحيات رئيس الجمهورية في الطائف لأنه يمكنه وقف أي قانون، أو مراجعة المجلس الدستوري في أي قانون، فيكون بهذا المعنى فوق الصلاحيات، أي رئيس الرؤساء. يتدخل عند مخالفة الدستور، أي أن هاجس حماية الدستور وتطبيقه هو من أولوياته".
ويعتبر أنه "لولا وجود هذه الصلاحيات في وثيقة الوفاق الوطني، لكان مجرد رئيس فخري للدولة"، ويختم بالتأكيد أنه "تم الاعتراف بأنه رئيس دولة. إن النظام اللبناني لا يمكن أن يستقيم الا من خلال رئيس جمهورية يسهر على الالتزام بالدستور".
الغالب والمغلوب
أما أبو كسم، فيرى أنه " للأسف شهدت الجمهورية اللبنانية تطبيقاً كيفياً واكتفائياً واستنسابياً لاتفاق الطائف". ويشرح: "لقد كان اتفاق الطائف اتفاقاً سياسياً لإيقاف النزاع المسلّح أكثر منه اتفاقاً دستورياً للإعلان عن الجمهورية الثانية بعد الحرب. هذا الاتفاق السياسي جاء بتسوية دولية قضت بتلزيم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية إدارة لبنان للنظام السوري. وبالتالي إنّ نقطة ارتكاز النظام حتى العام 2005 (انسحاب الجيش السوري من لبنان) كانت خارج المؤسسات".
أما على المستوى الداخلي، فيلاحظ أن "الطائف أرسى تسوية داخلية تقوم على مبدأ الغالب والمغلوب، فتم إقصاء غالبية الزعماء المسيحيين المشاركين في الحرب وتكريم القسم الآخر عبر توكيله إدارة المحاور الأساسية للدولة بعدما صدر قانون عفو شامل عن أمراء الحرب والطوائف".
ويلفت أبو كسم الى أنه "بدءاً من العام 2005، جرت محاولات لتطبيق الطائف، اصطدمت بمعوقات، أبرزها الخلاف على مفاهيم الديموقراطية، أكانت ميثاقية أم عددية، الاختلاف بخصوص تفسير الدستور، تعطيل المؤسسات الدستورية، اندحار تقليد الترويكا والحكم بثلاثة رؤوس، والأهمّ الغياب الفجائي للضابط الأساسي للحياة السياسية والمرشد الآمر لأهل السلطة"، مشيراً الى أن اللبنانيين لم يستطيعوا عبر زعمائهم حكم أنفسهم بأنفسهم برغم كل محاولات التحالف، بدءاً من تجمعي 8 و14 آذار والحلف الرباعي، مروراً باتفاق مار مخايل واتفاق الدوحة، وطاولات الحوار الوطني وبيان بعبدا والمصالحة المسيحية والتسوية الرئاسية الأخيرة".
ضمانة للميثاقية
أما البنود التي يجب تعديلها، فيرى أبو كسم أنه "عموماً وأمام الأزمات السياسية المتلاحقة، لا يزال الطائف يشكّل ضمانة للميثاقية، إذ إن الديموقراطية اللبنانية هي ديموقراطية طوائفية تناصفية اصطلاحية مركبة".
فالهوية الثقافية للبنان "قائمة على العيش المشترك والطوائفية كغنىً ثقافي لمجتمع تعددي في منطقة أنظمة عنصرية ومذهبية، فلا يجوز المس بروح الطائف المعبّر عنه في مقدمة الدستور، ولا يجوز تعديل أي من الثوابت المكرسة في مقدّمته أو المسّ بالأعراف الدستورية القائمة على الميثاق الوطني".
وعليه، فإن "أي محاولة لتعديل الدستور (المادة 24) ليصبح أعضاء مجلس النواب منتخبين خارج القيد الطائفي، ستؤدي إلى تهديد هوية لبنان التعددية وإلى طائفية مقنعة تحت ستار العلمنة، حيث الطوائف الكبرى عددياً ستمثل أكثرياً وستُستبعد الطوائف الأخرى، ما يهدّد مبدأ المناصفة الميثاقية"، يضيف.
وفي رأيه "من المبكر طرح قانون انتخاب خارج القيد الطائفي في ظل وجود أحزاب قائمة على إيديولوجيات دينية وفي ظلّ التعصب الأعمى للدين بدلاً من التعصب للمواطنة"، مشيراً الى أن "مظاهر الانتفاضات الدينية والمذهبية، التي يشهدها الشارع اللبناني، خير دليلٍ على أن بناء الدولة المدنيّة بعيد المنال".
التشريعية والإجرائية
ما يقتضي تعديله، بحسب أبو كسم، هو المواد المتعلقة بآلية عمل المؤسسات لتأمين استمراريتها من دون أي تعطيل لضمانة حقوق المواطنين. "على مستوى السلطة الإجرائية، ليس من مهلة دستورية محدّدة لرئيس الحكومة المكلّف لتشكيل الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة الى توقيع المراسيم من الوزراء أو من رئيس الحكومة، فليس هناك من مهلة محدّدة للتوقيع أو لرد مشروع المرسوم، فنحن أمام مهلٍ مفتوحة. ليس هناك من ذكرٍ لنائب رئيس مجلس الوزراء؛ فبحال غياب رئيس الحكومة هل تتعطل اجتماعات مجلس الوزراء، وليس من ينوب عنه لتوقيع القرارات الهامة التي تؤمّن استمرارية المرافق العامة"، يشرح أبو كسم.
أما في خصوص السلطة التشريعية، فيرى أبو كسم أنه "يجب ضمان انعقاد مجلس النواب برغم كل الظروف الاستثنائية عبر تقييد السلطة الاستنسابية لرئيسه في هذا المجال".
وعلى صعيد احترام عمل السلطات واستقلاليتها يعتقد أبو كسم أنه "برغم اعتبار الدستور اللبناني السلطة القضائية سلطة مستقلّة (المادة 20)، إلا أنّ هذا النص غير كاف ويقتضي تعديله عبر إناطة صلاحيات دستورية بالسلطة القضائية لتكريس استقلاليتها عن السلطة الإجرائية"، مشيراً الى أنه "أمام تجارب الأزمات السياسية وتعطيل المؤسسات، يجب جعل شروط حلّ مجلس النواب معقولة وغير تعجيزية كما هي حالياً (المادتان 65 و77) وذلك للاحتكام إلى الشعب عند الأزمات الذي هو مصدر السلطات وصاحب السيادة". | |
|