Date: Nov 10, 2020
Source: جريدة الشرق الأوسط
جولة جديدة من الحوار الليبي في تونس وسط تفاؤل أممي
أبرز طموحات الليبيين في «حوار تونس»
تونس: المنجي السعيداني
انطلقت صباح أمس في الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية جولة جديدة من الحوار الليبي، بمشاركة 75 ممثلاً عن الأطراف الليبية، ورعاية الأمم المتحدة، التي أبدت تفاؤلاً بالوصول إلى توافقات حول خريطة طريق تنهي نحو عشر سنوات من الفوضى في البلاد. وأشرف على انطلاق فعاليات اللقاء الرئيس التونسي قيس سعيد؛ بهدف التوصل إلى اتفاق سلمي تاريخي ينهي الحرب في ليبيا، وينص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، من المنتظر أن تكون بعد 18 شهراً من هذا الحوار.

وقال الرئيس التونسي في كلمة ألقاها خلال افتتاح جلسات الحوار السياسي، التي نظمت تحت شعار «ليبيا أولاً»، إن الخطاب الذي يتحدث عن الشرق والغرب في ليبيا «قد يكون مقدمة لتقسيم هذا البلد الشقيق». معلناً رفض الشعب التونسي تقسيم ليبيا «لأن ذلك سيكون مقدمة مقنعة لتقسيم دول مجاورة أخرى»، على حد تعبيره.

واعتبر سعيد أن من يسعى لضرب أواصر الأخوة التاريخية بين تونس وليبيا «لا يعرف الكرامة التاريخية»، مؤكداً أن تونس «على أتم الاستعداد لمساعدة الإخوة الليبيين دون استثناء؛ للخروج من هذه المرحلة، وإعداد دستور مؤقت»، ودعا إلى «إسكات الرصاص، وجمع السلاح لأن الحل في ليبيا لا يمكن أن يخرج من فوهات البنادق». كما حث الرئيس سعيد الأطراف الليبية إلى الانتباه إلى القانون الانتخابي، وتحديد مواعيد الانتخابات بدقة، مؤكداً «ضرورة أن يلتزم من يقود المرحلة الانتقالية بعدم الترشح للمؤسسات الدستورية».

من ناحيتها، أبدت ستيفاني وليامز، رئيسة البعثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة، تفاؤلها بتحقيق نتائج إيجابية في محادثات تونس بين طرفي النزاع الليبي، وأكدت أنها ترمي أساساً إلى التحضير للانتخابات. وقالت وليامز لوسائل الإعلام، حيث جرت المحادثات أمس، «إنها فرصة فريدة... لقد تم إحراز تقدم كبير... ونحن على مشارف جديدة»، مضيفة أن تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية «يجب أن يكون الهدف النهائي لهذ الحوار». كما دعت إلى وضع خريطة طريق واضحة تمهد لإجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن.

وأوضحت وليامز، أن الوضع الراهن في ليبيا لا يمكن أن يستمر على هذا النحو من الخلافات، وحثت المشاركين على الاستعداد لتقديم تنازلات لمصلحة ليبيا. مؤكدة أن مشاورات تونس «تعد أفضل فرصة منذ 2014 لتحقيق ما يتمناه الليبيون».

في غضون ذلك، دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، المجتمع الدولي لتقديم الدعم إلى الحوار الليبي. وقال في كلمة مسجلة خلال افتتاح ملتقى الحوار الليبي بتونس، إن التوصل لوقف إطلاق النار في ليبيا «كان خطوة أساسية لحل الأزمة؛ ولذلك يتوجب على جميع الأطراف الليبية العمل على تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية، قصد للتوصل إلى حل للأزمة». في السياق ذاته، غرد المبعوث الأسبق الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، على «تويتر» قائلاً «بعد التقدم الكبير الذي تحقق في المسارين العسكري والاقتصادي، يلتقي الليبيون اليوم للبدء بحوارهم السياسي. وقد دعت البعثة 75 منهم فجاءوا، ولم يتخلف أحد». وأضاف سلامة «آمل أن يتحلوا بالإقدام والحكمة فتجتمع كلمتهم على طي صفحة التقاتل، وعلى ولوج درب استقرار بلادهم وازدهارها، وكلي ثقة بأنهم على ذلك مقبلون».

في غضون ذلك، عبّر سفير الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا، خوسيه سابادل، الذي تابع الافتتاح عن بعد مع مجموعة من الدبلوماسيين، عن «الدعم الكامل» للاتحاد لهذا الاجتماع، بدوره، أعرب البابا فرنسيس، أول من أمس، عن أمله في أن يؤدي الحوار بين طرفي النزاع إلى وضع حدّ «للمعاناة الطويلة للشعب» في هذا البلد، وأن يسمح بـ«احترام وتنفيذ» اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه مؤخراً.

ورأى السفير البريطاني السابق في ليبيا، بيتر ميليت، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الفترة الانتقالية للوصول للانتخابات «يجب أن تكون في مدة زمنية قصيرة، وأقصى حد هو تسعة أشهر، مع تحديد خطط واضحة لتنفيذ» مختلف المراحل على «أن تكون هناك عقوبات على كل من يعرقلها».

من جانبه، أكد محسن الثابتي، المتحدث باسم حزب التيار الشعبي (حزب تونسي قومي)، الذي يمتلك علاقات متينة مع أطراف سياسية ليبية عدة، أن قضية المجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة باتت شبه محسومة، مبرزاً أن جلسات الحوار الليبي المنعقدة في تونس ستخوض أكثر في خريطة الطريق المتعلقة بالانتخابات، والإعلان الدستوري، وصلاحيات الحكومة. علاوة على توزيع المناصب السيادية.

ورأى الثابتي أن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، يحظى بحظوظ وافرة لتولي المجلس الرئاسي، مع نائبين، أحدهما من الجنوب، والآخر من مدينة مصراتة ذات الثقل الديمغرافي والسياسي. أما الحكومة الليبية المرتقبة، فإن تركيبتها ستكون في معظمها، حسبه، من خارج الأسماء المعروفة والمتداولة، وستبنى على مجموعة من التوافقات والتسويات الداخلية والخارجية.

يذكر أن الحوار السياسي الليبي، عرف مشاركة 75 شخصية تم اختيارها بعد تعهدها عدم الترشح لأي منصب تنفيذي أو رئاسي في الفترة التحضيرية، ولا إلى السلطات المؤقتة التي يمكن أن تكون ضمن مخرجات الملتقى.

أبرز طموحات الليبيين في «حوار تونس»
دعوات لاختيار امرأة نائبةً لرئيس المجلس الرئاسي المرتقب


القاهرة: جمال جوهر
يدرك جل الليبيين أن جانباً من أزمتهم يكمن في أن فريقاً من الممسكين بزمام الأمور في بلادهم منذ إسقاط نظام القذافي في عام 2011، يجيد خلط الأوراق كلما اتجهت البلاد للتهدئة، أو أوشكت على إبرام حل سياسي؛ لكن ذلك لم يمنع بعض الأكاديميين والكتاب والفنانين والنشطاء من مطالبة الساسة، الذين استهلوا اجتماعات «منتدى الحوار» في تونس أمس، بـ«إرساء حل جذري ينهي حالة الاستقطاب والنزاع الداخلي، ويُمكّن الليبيين من الشروع في تحقيق أحلامهم بوطن يتسع للجميع».

ورغم تنوع مطالب الليبيين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، فإنها تتمحور في غالبيتها حول ضرورة إنهاء الفترة الانتقالية التي قاربت عشرة أعوام، والتعجيل بموعد الانتخابات العامة على أن يحترمه الجميع ويلتزمون به، بالإضافة إلى اختيار حكومة «وحدة وطنية»، تعبر عن الأقاليم الثلاثة.

وأرسل كثير من الليبيين إلى المجتمعين في تونس، ما يشبه برقيات تذكرهم بأن الآمال معقودة عليهم في إنهاء الحروب، ووقف نزيف الدماء، وإعادة كرامة المواطنين، ودعت أكثر من 70 شخصية ليبية في بيان لها مطلع الأسبوع الحالي الممثلين في الحوار بـ«الإسراع في طي صفحة النزاعات المؤلمة، والتطلع إلى ما ينفع الناس»، وقالوا «نتوقع منكم اغتنام فرصة هدوء الجبهات، وخفوت صوت الحض على الكراهية والفتن، واتفاق اللجنة العسكرية الموحدة في مدينة غدامس، لتضعوا الدولة المدنية التي يحلم بها كل الليبيين على طريق البناء».

كما حث الموقّعون على البيان المشاركين في الحوار التونسي «أن يكونوا خير ممثلين للشعب الليبي الصبور، الذي عانى كثيراً»، وقالوا «أنتم في قلب الفرصة التاريخية لتصويب الأخطاء، والخروج بليبيا من هذا النفق، إلى أفق مفتوح على المصالحة الشاملة، وإلى مرحلة انتقالية أخيرة، يُرسى فيها دستور يتوافق عليه الجميع». وانتهى الموقّعون إلى تذكير المجتمعين في تونس بأن ما سيقدِمون عليه سينقل البلاد من الحرب إلى السلام، ومن الفوضى إلى الاستقرار، بالقول «تذَكّروا بكل كلمة تخرج منكم ما ستنقذونه من أرواح، وما تحقنون به من دماء، وما تنشرون من بسمات على وجوه أطفال... ولا تنسوا أنكم الآن تقودون سفينة ليبيا المضطربة نحو بر الأمان، وأن أي خرق آخر في بدن هذه السفينة سيجعلنا نغرق جميعاً».

وفتحت نتائج الانتخابات الأميركية شهية بعض الليبيين؛ إذ طرحت الزهراء لنقي، رئيسة منبر المرأة الليبية من أجل السلام، أسئلة حول مدى إمكانية تمثيل امرأة نائبةً لرئيس المجلس الرئاسي المرتقب، على غرار انتخاب كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.

وقالت لنقي «بمناسبة الجرأة على صنع الأمل... أدعو صراحة وبكل جرأة لأن تكون لدينا امرأة من النائبين لرئيس المجلس الرئاسي، ولرئيس الحكومة المقبلة، التي يفترض تشكيلها من قبل منتدى الحوار السياسي الليبي المنعقد في تونس الآن».

وطرحت لنقي 35 اسماً لشخصيات ليبيات، منهن القاضية والمحامية والأكاديمية والكاتبة، وقالت «أثق في قدرة نساء بلادي، وأدعوهن ليكون لديهن جرأة الأمل والطموح».

وأعاد التساؤل نفسه السفير إبراهيم موسى جرادة، كبير المستشارين بالأمم المتحدة سابقاً، وهو من الأصول الأمازيغية، عن أسباب عدم تعيين رئيس، أو نائب رئيس امرأة من المكونات الليبية المختلفة، وقال بهذا الخصوص «الوطن للجميع بما يضمنه من كرامة وحرية وحقوق للإنسان، في ظل حرية الاختيار، على أن تكون هناك مساواة في المواطنة». مطالباً بضرورة الالتفات للمكونات الاجتماعية، ومنها الأمازيغ، والتبو، والسود، والقبائل الصغيرة.

في السياق ذاته، دعت «الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور» بضرورة طرح المشروع الذي انتهت من إعداده للاستفتاء الشعبي، وقال أعضاء بالهيئة، إنه «ليس من اختصاص البعثة الأممية لدى ليبيا، أو الحوار السياسي المنعقد في تونس، النظر في خيارات بديلة عن مشروع الدستور المنجز من الهيئة»، مشيرة إلى أن «العملية الدستورية التي تدعمها البعثة، وفق قرارات مجلس الأمن، هي فقط المتعلقة بمشروع الدستور الحالي، كما أن الإعلان الدستوري المؤقت، ومبادئ أحكام المحكمة العليا، تقطع بعدم إمكانية المساس بالمشروع من قبل أي جهة كانت، باستثناء الشعب صاحب السلطات عبر استفتاء عام».

وقال ضو المنصوري، عضو الهيئة التأسيسية، أمس، إن رئيسة البعثة ستيفاني ويليامز لم تتواصل معهم، وإنها «تناقض نفسها عندما تقول إن المسألة الدستورية تخص أبناء الشعب الليبي، ثم تطرح بدائل عنه في استطلاع»، وصفه بـ«المشبوه»؛ «لتصل من خلاله إلى نسف مشروع الدستور، معتمدة في ذلك على خبراء بملتقى الحوار في تونس، وعلى رأسهم رئيس مفوضية الانتخابات، متجاهلة في سابقة تاريخية أن هيئة صياغة الدستور منتخبة من الشعب وأنجزت المشروع، وأصدر مجلس النواب قانون الاستفتاء، ولم يتبق من المسار التأسيسي سوى عرض المشروع على الاستفتاء».

ونوّه المنصوري إلى أن رئيس البعثة بهذا التصرف «ستفتح الباب لكل من لم يرض بما تقرره الدولة بمؤسساتها التنفيذية، وحتى التشريعية، بأن يدعي أن ذلك لا يحقق مصالحه، ولن يسري عليه».